الإثنين  25 تشرين الثاني 2024

ما هي القيمة اللغوية والأدبية لكتاب "الكامل"؟

2023-04-24 11:35:38 AM
ما هي القيمة اللغوية والأدبية لكتاب

تدوين- سعيد بودبوز

يُعتبر كتاب الكامل من أمّهات الكتب في الأدب العربي، وهو من تأليف آخر شيوخ مدرسة البصرة وعالم من علماء النحو العربي، وهو أبو العباس المبرّد. بدايةً؛ ولكي تفهم المستوى الحقيقي لهذا الكتاب بعيداً عن المبالغات الشائعة، ينبغي أوّلاً أن تميّز بين الأدباء العرب، ورواة الأدب العربي. وأن تعرف ثانياً؛ بأنّ المبرّد والقالي صاحب الأمالي وأمثالهما ليسوا أدباء، بل من رواة الأدب المتواضعين، وإن كانت شهرتهم واسعة بفضل إسهاماتهم في النحو وليس في الأدب. وإذا قرأتَ كتاب "الكامل في اللغة والأدب"، فقد يغنيك عن الأمالي لأبي علي القالي، لأنّ المنهج واحد والكامل أقدم من الأمالي، علماً بأنّ المبرّد أكبر من القالي، وإنّ الزجاجي الذي كان من أساتذة القالي مثلاً، كان تلميذاً للمبرّد بعدما حاول مصارعته كثيراً بتحريض من أبي العباس ثعلب آخر شيوخ مدرسة الكوفة، والذي كان يحاول إظهار جهل المبرّد على يد الشاب الزجاجي كي لا ينافسه المبرّد حول قيادة مدرسة بغداد بعد نهاية مدرستي البصرة والكوفة معاً.

أبو العباس المبرد


لا شكّ أنّ المبرّد عالم من علماء اللغة العربية، لكنه ليس عميقاً مثل الفراهيدي، ولا دقيقاً مستقصياً مثل سيبويه، وبلا شك أفضل من منافسه أبي العباس ثعلب، كما أن رواد مدرسة البصرة معروفون بالذكاء والتفوق على رواد مدرسة الكوفة. لكن المشكلة تبدأ عندما يخوض هؤلاء النحاة في الأدب، هنا يظهر ضعفهم، فما أسهل أن تلاحظ الفرق مثلاً بين هذا الكتاب والقسم الأول من ليالي التوحيدي (الإمتاع والمؤانسة) وتلاحظ التفوق للتوحيدي على المبرّد. هذا الأخير لا يتقن الأدب سواء إبداعاً أو روايةً. ففي الإبداع لا يرقى نثره حتى إلى مستوى السيوطي.

الفراهيدي

وفي الرواية لا يعرف كيف ينتقي مادته، مثله مثل تلميذ تلميذه أبي علي القالي في الأمالي. ورغم غزارة علم المبرّد في النحو العربي، فأنا لا أرى أي مجال للمقارنة بينه وبين الهمذاني، سواء في الرواية أو في الدراية بفنون النظم أو النثر الأدبي. لأنّ المبرّد ليس نداً للهمذاني أو الحريري في الإبداع الأدبي بأي حال. ولو أنك قرأتَ المقامات مراراً، وحفظتَ منها ما تيسّر، واستشرحتَ من لسان ابن منظور كل ما استغلق عليك فيها، لكان أفضل لك بكثير مما لو قرأتَ الكامل والأمالي.

أحياناً ينساق المبرّد في هذا الكتاب مع روايات ليس لها أي قيمة أدبية، سواء من حيث المعنى أو المبنى. وأحيانا يسهب في إيراد الأشعار التي تصب في معنى واحد دون أن يشرح ما يستحق منها الشرح، ولا يكاد يدلي بأي تعليق. وإنّ التحليل أو التعليل النحوي للمادة التي يوردها شحيح ومقتضب. وهو يركّز في الدرس اللغوي على الشرح المعجمي أكثر مما يركز على الإعراب، وهذا ما جعلني أقول مرة أخرى كما قلت عن أمالي القالي، أنّ ما يجده القاريء في هذه الكتب يكاد يكون موجوداً كله في لسان العرب لابن منظور!. بل إنّ لسان العرب أكثر فائدة بكثير من حيث التبويب ودقة المنهج وتسهيل العثور على المفردات المراد استشراحها.


إنّ كتاب الكامل عبارة عن خليط من الروايات وليس الطرائف كما نجد في ليالي التوحيدي والجاحظ وغيرهما من الأدباء. أعرف أنّ الكثير من الشروحات التي أضرب عنها المبرّد، إنما تعود إلى العصر الذي ألّف فيه هذا الكتاب، ففي القرن الثالث للهجرة كانت الأشعار التي أوردها مفهومة لدى العرب بشكل جيد، وهذا أيضاً يُضاف إلى ما أعني بقولي أنّ هذه الكتب لم تعد لها فائدة كبيرة. ومن المضحك أن يذكرني بعض المعلقين بما قاله ابن خلدون أو غيره من القدماء عن فائدة الأمالي، علما بأن ّ بيننا وبين عصر ابن خلدون الكثير من الكتب في هذا الميدان، والتي لو قرأتَ أحدها لأغناك عن الأمالي والكامل معاً. لأنّ هذه الكتب لها قيمة تعليمية تلقينية وليس تطبيعية كما هو شأن الإمتاع والمؤانسة ومقامات الهمذاني والحريري والداووين الشعرية المحضة.

أكاد أقول بأنّ المعظم الساحق من الخطب والروايات التي أوردها المبرّد في هذا الكتاب هزيلة تعكس ضعفه الشخصي في الذوق الأدبي. خذ أي رواية من هذا الكتاب، وقارنها بإحدى الطرائف الواردة في الإمتاع والمؤانسة مثلاً، وسترى التفوّق واضحاً للتوحيدي، سواء في اختياره لعمق المعنى وطرافة المبنى وبداعة الأسلوب. وكذلك الجاحظ ينتقي روايات على مقاسه الأدبي، ويتحكم فيها تحكّماً كاملاً، فيجعلها تخدم المعنى الذي ينتحيه، بدل أن تسوقه بعيداً عن الأدب كما تفعل الأغنام الجامحة براعٍ مبتدئ.
ويالتالي، فإني أرى أنّ هذا الكتاب مفيد إلى حد ما. إذا قرأته، فمن المؤكّد أنه سيحسّن مستواك في الأدب العربي، ولكن إذا كنت تظنه كتاباً كاملاً في اللغة والأدب كما قرّر صاحبه في عنوانه، فهذا خطأ. والحقّ، بلا زيادة ولا نقصان، أنّ هذا الكتاب ليس كاملاً في اللغة ولا في الأدب.