الأربعاء  25 كانون الأول 2024

محمود شقير يدون | بشير البرغوثي.. السياسي حين يكون مفكرا (2)

2023-04-28 12:10:01 PM
محمود شقير يدون | بشير البرغوثي.. السياسي حين يكون مفكرا (2)


تدوين- محمود شقير


جاء إلى براغ، بعد أن وقعت تطورات كثيرة، منذ عودته من عمان إلى رام الله العام 1974(عاد إلى رام الله بموجب معاملة جمع شمل خاص بالعائلات). كنت مع المئات من أعضاء الحزب داخل سجون الاحتلال آنذاك. عاد للإقامة الدائمة في وطنه وللاضطلاع بمهام نضالية أخذته إلى السجون الاسرائيلية العام 1975. وقبل اعتقاله، أبعدتُ مع عدد من أعضاء الحزب المعتقلين إلى الخارج. لذلك لم أقابله مرة أخرى إلا العام 1988، بعد أن ألغت سلطات الاحتلال أوامر الإقامة الجبرية المفروضة عليه، ثم سمحت له بالسفر الذي كان محروماً منه سنوات عديدة.

جاء إلى براغ، وكان انتهى هو ورفاقه في الداخل من تحويل فرع الحزب الشيوعي الأردني في الضفة الغربية إلى التنظيم الشيوعي الفلسطيني، ثم ما لبث أن لعب دوراً بارزاً في توحيد الشيوعيين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، تمهيداً لإعادة تأسيس الحزب الشيوعي الفلسطيني العام 1982 ، وعقد مؤتمره الأول العام 1983، وانتخابه أول أمين عام للحزب الجديد.

أخذت قدرات بشير القيادية تتبدى على نحو واضح أثناء تصديه لمهمات السياسة اليومية. وأدرك ضرورة الاهتمام بالخاص الفلسطيني، أسوة باهتمام أقطار عربية أخرى بشؤونها الخاصة ابتداء من مطالع الستينات من القرن الماضي، وذلك دون التناقض مع الشعور القومي العربي العام، أو التقليل من أهمية الدعوة للتضامن العربي وللوحدة العربية. لذلك، لم يكن مقتنعاً بالحجج التي راحت تبرر تأجيل قيام الحزب الشيوعي الفلسطيني.

وللحقيقة، فإن قيادة فرع الحزب في الداخل، أدركت منذ أوائل السبعينات، الحاجة إلى بلورة الشخصية الوطنية الفلسطينية وتعزيزها، لما في ذلك من مصلحة للنضال الوطني الفلسطيني وللقضية الفلسطينية، وأدركت، تبعاً لذلك، أهمية إبراز الخاص الفلسطيني حتى في تسمية التنظيم الحزبي، وقد عبرت عن هذا الإدراك في الدور الذي لعبه فرع الحزب في تشكيل الجبهة الوطنية الفلسطينية في الأرض المحتلة في 15 آب 1973.

إلا أن ما يتميز به بشير البرغوثي، هو دفعه هذه المسألة إلى نهاياتها القصوى، دون الركون إلى حجج التأجيل. وكانت له داخل الحزب وخارجه، سجالات فكرية وسياسية، أسهمت في بلورة الموقف الذي نتجت عنه ولادة الحزب الشيوعي الفلسطيني، الذي ما لبث أن توسعت صفوفه، وتضاعفت أعداد المنتسبين إليه أكثر من عشر مرات بالمقارنة مع عضويته أواسط السبعينات، ثم واصل نشاطه في تعبئة الجماهير وتنظيمها في أطر جماهيرية وشعبية، كان لبشير إسهامه في ابتداع هذه الأطر وفي اشتقاقها من متطلبات الواقع الملموس، ما أنتج حالة من النهوض في الحركة الوطنية الفلسطينية، بفعل انجذاب قوى وطنية فلسطينية أخرى، إلى الانخراط في العمل الجماهيري، وإلى خلق منظمات جماهيرية متنوعة، الأمر الذي أسهم في التحضير للانتفاضة، وفي قيادتها حينما اندلعت في التاسع من كانون الأول العام 1987.

إن المتتبع لأدبيات الحزب في تلك السنوات، ولتقارير لجنته المركزية، خصوصاً تقارير الأعوام 1978، 1984، 1995 التي كان لبشير البرغوثي دور مهم في بلورة الأفكار الواردة فيها وفي صياغتها النهائية، وإن المتتبع لمقالات بشير الأسبوعية التي نشرت في صحيفة الطليعة المقدسية، يدرك أهمية النشاط الفكري والسياسي والتنظيمي الذي مارسه في تلك السنوات الحافلة بأشكال النضال السياسي والجماهيري، ويدرك في الوقت نفسه أهمية الرؤية التي صاغها الحزب آنذاك، معتبراً أن ساحة الأرض المحتلة هي الساحة الرئيسة للنضال الوطني الفلسطيني، وأن مركز ثقل الحركة الوطنية الفلسطينية ينبغي أن ينتقل إليها.

وجاءت الانتفاضة الشعبية الفلسطينية لتؤكد صدق هذه المقولة التي أصبحت بديهة لا تحتاج إلى نقاش.

للاطلاع على الجزء الأول من التدوينة من خلال الرابط التالي هنا