الأحد  22 كانون الأول 2024

نص لحسين البرغوثي: الرحلة إلى داخل الأرض

2023-05-01 11:39:37 AM
نص لحسين البرغوثي: الرحلة إلى داخل الأرض
حسين البرغوثي- صورة من مقتنيات المتحف الفلسطيني

تدوين- نصوص

مشيت إلى غابة مغسولة بالصحو بعد المطر،

"هذا وضوح" قلت لموجات شمس الصباح، مياه تسيل وتصخب بين الحصى، قلت:

"رب المياه يثرثر أم روحي الآن في الماء تسري؟"

وانحنيت على قطرة تتأمل أين ستسقط، مثلي، انحنيت لأسكن في اللب: تلتف حولي المسالك شائكة الاخضرار، متاهاتُ غابٍ بأكملها تلتف حولي، كل الذي يلتف حولي قشري.

تجمعت في لب بلوطة مثل قطرة ماء تزيد صفاء، ويعبرها من شعاع النجوم الذي في القلب شيء، وكل شعاع يشق إلى نصفين هذا الصفاء يشكل قطري.

ويسرح قطري فيَّ ذهابا، ويسرح قطري فيَّ إيابا، وأصفو... نازلا نحو الجذور التي خبأت سرها في الأرض، حيث الرب يدفن ضوء الشموع وضوئي، قلت: في عَصَبِ الله، مثل اخضرار يعيد الحياة إلى السهل بعد الحصاد، سأسري.

وصلت إلى عتمة في التراب، وكنت الأشد ابتعادا عن خطى أنثى تزيد جمالاً وقد كشفتُ للغاب والشمس من حلماتها كشفا، وكنتُ الأشد ابتعاداً عن طيور تفيق على العش مغمورةً بالذهول، وكنت أزيدُ ابتعاداً عن الصحو، إن الغموض الذي في النار لما تُطاوِلُ ليلتها بالرقص بعض خطاي، ولكن الطريق إلى داخل الأرض مفترسة.

كنت الأمير الذي غادر الاحتفال بيوم النصر بين خيام العساكر ليلا، وخلّى النار والخمرة والجند، وقال: "نحو جهات البراري أروح"، ويترك ضمة من شعره لأبيه العجوز، ليبحث عن إمارة مندرسة.

كنت فرعون الذي يرمي عروس النيل للنيل عند الغروب، وكنت العبيد بروما

عندما قُذِفوا للأسود المفترسة.

كنت اتهام الدماء لسهم زجاجي يختفي داخل قلب الغزال الأخير.

كنت المسافة بين خطى دودة القز تحت شعاع من قمر التوت، وبين اكتمال الحرير.

كنت السجون التي انفتحت، كل سجين يتمتم شيئا تحت ضياء القمر

يوشوش قبرة حرة في ازرقاق المساء،

ينادي عليها،

وينسى حرسه!

كنت المسافة بين سقوط المطر

وانبعاث الزهور

على تلة تخضر تحت قوس قزح.

سوف أخرج من داخل الأرض في الليل:

كفا رخامية تحمل القمر الجديد قدح.

فاغتسلوا في النهور.

وانتظروا لحظتي.

سوف أخرج من داخل الأرض في الليل

كفا رخامية ممسكة بعنان الفرس،

فرس الملائكة،

وستصهل في جهة حرة من براري البلاد، فيبعث كل من في

 البلاد

هوى قتيلا بالرصاص،

وتهتز النجوم كأنها شبكة.

فانتظروا جهتي.

وسأخرج من داخل الليل

قبضة من تراب، فازرعوا في ترابي أصابعكم

غابة أقمار سترمي البلاد إلى الضوء

فانتظروا تربتي

واحذروا الانتظار

والأزمنة الحالكة.

رام الله 15-1-1988