السبت  21 كانون الأول 2024

نافذة ضوء لحيدر حيدر في صحيفة "المعركة" الفلسطينية عن المثقفين

2023-05-05 09:14:57 AM
نافذة ضوء لحيدر حيدر في صحيفة

تدوين- ثقافات

كتب حيدر حيدر في صحيفة "المعركة"، وهي الصحيفة التي كانت تصدر عن الكتاب والصحفيين اللبنانيين والفلسطينيين والعرب في بيروت، زاوية بعنوان "نافذة للضوء". وقد خصصها في العدد السابع، الصادر بتاريخ 20 حزيران 1982، للحديث عن دور المثقفين العرب خلال العملية العسكرية التي قامت إسرائيل خلالها باجتياح بيروت، إذ كتب في اليوم "السابع والعشرين من المعركة" كما وصفتها الصحيفة مقالاً بعنوان "افعلوها هذه المرة".

وهذا نص المقال:

صباح الخير أيها المثقفون العرب في عواصمكم البعيدة من بيروت-الحصار والتي ما عدتم تعرفونها بعد أن ارتدت بنادقها وأكفاهنها، نرسل إليكم هذه التحية الصباحية.

أنتم الآن أيها السادة خارج الحرائق، بعيدون جداً عن الهول والكابوس.

داخل عواصمكم الآمنة، العواصم التي يتلو حكامها اليوم صلاة الجنازة على الشعب الفلسطينية واللبناني الذاهب إلى الشهادة.

في المقاهي والكافيتريات والخمارات العربية، رما كنتم تجادلون وتماحكون، بأسى مرير، الحالة الفجائعية التي يعيشها لبنان والمقاومة الفلسطينية، كما تدينون بأصوات باطنية، العرب والأصدقاء الذين تخلوا وعسلوا أيديهم من دماء فلسطين. وبأصوات أعلى جهيرة تلعنون المؤامرة الأمريكية- الصهيونية الغادرة التي تبدل اليوم خريطة الشرق الأوسط.

أيها المثقفون العرب:

إن بيروت التي شهدت في أزمنة السلم والهدوء والرخاء مؤتمراتكم الثقافية، واحتضنت المضطهدين العرب، وعلت في سماء قاعاتها صيحاتكم من أجل الحرية والديمقراطية والثورة، تسألكم اليوم، وهي في المذبحة، ماذا فعلتم في عواصمكم لا لأنقاذ بيروت ولا للدفاع عنها، إنما ضد الشامتين والمتواطئين والطغاة والخونة من حكامكم.

دفاعاً عن أساكم المرير، وعن شعوركم بالتأنيب الداخلي، وتطهيراً لرعشة الضمير، هل جهرتكم بكلمة أو بيان أوصرخة في وجه العرب وأحرار العالم.

أمام صمت خونة العرب وتواطؤ العالم بأسره على هذه الاستباحة البربرية لأرض لبنان وشعبه الذي رعى بالأحداق الثورة الفلسطينية، ماذا فعلتم أيها المثقفون العرب؟ يوم كان لبنان استرحة ومنتجعاً وسوق استهلاك وفندقا وملهى، كنتم تتحدثون عنه بلغة العاشقين ويوم كان لبنان واحة للمهرجانات والمؤتمرات والخطب الحماسية ورئة للديمقراطية العربية المغتالة، كنتم كالليوث والضراغم تنددون باغتيال الحريات في بلدانكم البعيدة، وتصدرون البيانات والنداءات في وجه الطغاة والجنرالات الذين زووروا التاريخ وشوهوا وجه الأمة بالوحل والعار.

الآن لبنان في الحريق وفلسطين ذاهبة إلى جلجة صلبها للمرة الألف، والآن يتبدل الوجه القديم للعشق القديم تحت وهج هذه المحرقة، فهل لكم أيها المثقفون العرب النائون أن نتطقوا بالضاد كلمة واحدة في وجه هذه المذبحة.

لقد انتحر الشاعر العظيم خليل حاوي احتجاجاً على المجزرة فكان شهيد المثقفين في لبنان، ونحن لا نطلب منكم هذا الفعل العظيم.

مرة واحدة افعلواها في هذه اللحظة النارية: اضربوا عن مقاهيكم وخماراتكم وأنديتكم واخرجوا في شوارعكم احتجاجاً ولو صامتين.

افعلوها هذه المرة واضربوا عن الكلام.