تدوين- تغطيات
قبل استشهاد الإعلامية الراحلة شيرين أبو عاقلة العام الماضي، بأيام قليلة، كانت تعمل على إعداد تقرير حول فرقة بنات القدس التي تأسست عام 2013، وتضم عشرات العازفات الماهرات والمغنيات أيضا، وهي فرقة منبثقة عن معهد إدوارد سعيد للموسيقى الذي تأسس عام 1993، وله مراكز منتشرة في عدد من محافظات الوطن.
هذه الفرقة التي يقل نظيرها في فلسطين والوطن العربي أيضا، كونها تمثل نموذجا غير سائد بفعل طغيان الطابع الذكوري على الفرق الفنية، خاصة فرق العازفين، أثارت رغبة الإعلامية الراحلة التي تمتد مسيرتها لأكثر من ثلاثين عاما، للقاء عضواتها، والبحث في جوانبها، وسبر أغوار أغنياتها التي أصبحت شيرين موضوعا لإحداهن.
إلا أن رصاص الاحتلال الذي اغتالها في 11 أيار 2022، حال دون إتمام التقرير، الأمر الذي بقي في ذهن مؤسس الفرقة، سهيل خوري، الذي رافق شيرين في مرحلة إعدادها للتقرير، وحمله معه إلى خشبة مسرح القصر الثقافي في رام الله، حيث أقيم أمس بتنظيم من مركز الفن الشعبي وعائلة الشهيدة، إحياء للذكرى السنوية الأولى على رحيلها.
ووسط حضور جماهيري ورسمي، صدحت حناجر نحو 20 شابة مقدسية، أتين من العاصمة حيث ولدت شيرين، إلى رام الله، لينشدن قصة رحيلها على خشبة المسرح، بأصوات وأنامل نسائية خالصة، رددت الشابات: "من القدس إلى جنين سارت شيرين .. ومن جنين إلى القدس عادت شيرين .. على الأكتاف في نعش حملها الملايين". ثم أكملن ينشدن كلمات فداء قطب، التي صورت لنا مشهد اعتداء جيش الاحتلال على نعش شيرين، وختمن بالقول: "وتبقى شيرين نجمة على الجبين".
وكان الحفل قد بدأ بنشيد الأرض للفنانة الفلسطينية ناي البرغوثي، تلته كلمة لمركز الفن الشعبي، الذي كانت شيرين عضو في هيئته العامة، ذلك لإيمانها بدور الفن والثقافة في مسار النضال الفلسطيني، الذي حرصت على التواجد في نشاطاته وإثرائها كلمة ونصا وفكرة، رغم إنغماسها بعملها الإعلامي.
وتلى كلمة المركز عرضا لفرقة بنات القدس، قدمن فيه أغنية شادي من كلمات عبد الله لحلوح، المهداة إلى نجل مؤسس الفرقة سهيل خوري في سجون الاحتلال شادي خوري وكافة الأسرى، ثم أغنية للقدس سلام، التي أنتجت في أعقاب هبة الشيخ جراح قبل عامين، وختمت ب" تبقى شيرين" المهداة إلى روح الشهيدة وعائلتها وذويها.
ثلاث أغنيات قدمتها بنات القدس، فيهن موضوعات ثلاث مختلفة، القدس، الأسرى، الشهداء الممثلين بشيرين، وليس في هذا عشوائية اختيار، بل هكذا كان رحيل شيرين، جامعا، موحدا للكل الفلسطيني، ففي رحيلها توحدت الأديان، والطوائف، والأحزاب، والمناطق، حتى الأسرى في سجون الاحتلال لم يتوانوا عن كتابة كلمات التعازي والرثاء في شيرين التي لطالما كانت صوتا لهم.
وبعدها، قدم شقيق الراحلة أنطون أبو عاقلة كلمة تحدث فيها عما مرت به العائلة خلال العام، وعن نضالهم المستمر لمحاسبة قتلة شيرين، المتروكين حتى الآن دون محاسبة، تبعها كلمة لوليد العمري، مدير مكتب قناة الجزيرة في فلسطين، حيث كانت تعمل الراحلة، قال فيها "عام مضى وزميلاتك وزملائك وأنا نتلوع حسرة الفراق، والدمعة في المقلة نار تنفجر في القلب بركان، عام ولم تغيبي عنا هنا، نذكرك ونتذكرك في كل واقعة وموقع ووقيعة، وفي كل حدث وحديث وحادثة، لا أخفيك سرا يا شيرين كلما سقط شهيد على درب الحرية وكلما فقدت عائلة عزيزا أسأل نفسي وأتساءل كيف تستمر الحياة بدونه، وكيف يواصل العيش من فقد عزيزا أو عزيزة، الآن وقد أصبحنا في شبكة الجزيرة، عائلة ثكلى نسأل أنفسنا كيف سنواصل الحياة بدونك؟".
وعلى وقع الأغاني والرقصات الشعبية، قدم مركز بلدي للثقافة والفنون عرضا أدائيا طوعوا فيه أجسادهم لمحاكاة قصص الشهداء، منذ الاغتيال حتى التشييع، وبحركات تعبيرية عبروا عن ألم الفقد الذي يحل بذوي الشهداء بعد رحيلهم.
ومن لبنان، شقيق فلسطين الأبدية، حل أنطون وديع الصافي ضيفا على الشاشة التي توسطت المسرح، ليقدم أغنية خاصة من كلمات المقدسي جبريل عبد الله، قدمها لروح الشهيدة شيرين أبو عاقلة، تلتها لوحتين خاصتين لمجموعات مركز الفن الشعبي.