الأحد  24 تشرين الثاني 2024

"من أرشيف محمد زفزاف"

2023-05-22 01:51:00 AM
غلاف الكتاب الصادر عن دار فضاءات للنشر والتوزيع

تدوين- حسن العاصي

صدر حديثاً عن دار فضاءات للنشر والتوزيع كتاب "من أرشيف محمد زفزاف" لجميلة حمداوي، وسعيد الزياني، بإشراف ومراجعة وتقديم الأكاديمي والناقد المغربي الدكتور محمد الداهي الذي سبق له أن أحرز السنة الماضية على جائزة الشيخ زايد العالمية للآداب ( فرع الفنون والدراسات النقدية)، وخصص جزءا من مساعيه و مبادرات العلمية للتعريف برموز الأدب المغرب، ورد الاعتبار إلى الذاكرة المغربية الحية (نذكر أساسا مؤلفاته الجماعية عن محمد برادة، وعبد الله العروي، ومحمد عابد الجابري، ومحمد مفتاح، ومحمد بنطلحة).

يقع الكتاب في 358 صفحة، ويتألف من خمسة أقسام (المقالات، والمسرحية، والترجمة، والقصة القصيرة، والرسائل).

محمد زفزاف كاتب عظيم، مثقف مثير للقلق والفضول، أديب مجدد ومفعم بالتحدي، رائد من رواد الرواية والقصة القصيرة المغربية، فارس من فرسان المقالة الأدبية بمختلف أنواعها. أطلق عليه البعض لقب الروائي الروسي "فيودور دوستويفسكي" بدعوى أنه اقتدى به في استرسال اللحية، وفي التشبث بأهداب الواقعية لتمثيل القضايا المعيشة. عُرف محمد زفزاف باتشاح "الكوفية الفلسطينية" في معظم الأوقات دفاعاً عن القضية الفلسطينية ونُصرةً لمساعيها التحررية. تُعتبر كتاباته من أبرز التجارب الروائية في المغرب التي هتكت حجاب "التابوهات"، مُستمدةً نسغها من التفاصيل الواقعية اليومية.

يقول محمد الداهي في تقديمه للكتاب ما يلي:

"شاركت-بدعوة من الصديق العزيز أحمد المديني- في تخليد الذكرى السادسة عشرة لرحيل محمد زفزاف (لقاء الوفاء) بالمكتبة الوطنية يوم الجمعة 2 مارس 2018 م، وآثرت حينها جملة من الأسئلة حول اهتماماته المتعددة (القصة القصيرة والرواية والشعر والترجمة والمسرحية والنقد والأدب الشخصي والحوارات)، وحول أعماله الكاملة القصصية والروائية التي صدرت عن وزارة الثقافة بالمملكة المغربية سنة 1999م ثم عن المركز الثقافي للكتاب سنة 2017 م دون أن تستوعب الأرشيف جميعه الذي ما فتئ مرقونا أو مبثوثا في المجلات والصحف العربية. بادر محمد زفزاف قبيل رحيله بنشر الجزء اليسير منه".

عُرف محمد زفزاف باتشاح "الكوفية الفلسطينية" في معظم الأوقات دفاعاً عن القضية الفلسطينية 

بيّن د. محمد الداهي أن محمد زفزاف قبل وفاته بسنوات معدودات قام بطبع جزء من أرشيف منجزاته الثرية (ترجمة مسرحية "رسم على الخشب" لإرنست إنغمار برغمان، دار البوكيلي 1998م، و"نقد الكتابة دراسة في الأدب"، دار البوكيلي،1999)، واضطلع د. محمد الداهي بتكليف طالبين باحثين بجمع أرشيف محمد زفزاف ودراسته، ثم أضاف إليه عينة من الترجمات والرسائل التي وفاه بها ثلة من الكتاب، ويوسف محمد شفقي وزوج نجلة محمد زفزاف (سهام زفزاف).

تضمن الكتاب في البداية- علاوة على تقديم د. محمد الداهي- كلمة باسم عائلة الراحل محمد زفزاف، أعدها نيابة عنها/عنهم يوسف محمد شفقي لشكر المبادرين على صنيعهم بجمع إرث الراحل محمد زفزاف، ولبيان قيمة الكتاب وراهنيته في الدفاع عن المقهورين والمهمشين دون الاستناد إلى سقف إيديولوجي، واعتماد الأدب أداة لإثارة النقاش العمومي حول الوضع البشري وأشكال الحياة المحلوم بها.

يشتمل القسم الأول من الكتاب على المقالات التي كتبها الأديب الراحل محمد زفزاف في الصحف الوطنية المغربية وخاصة جريدة "العلم". والقسم الثاني تضمن ستة عشر نصاً من القصص القصيرة. والقسم الثالث المسرحيات. وخُصص القسمُ الرابعُ للترجمة، فيما يستوعب القسم الخامس عينة من الرسائل التي تبادلها الراحل مع أصدقائه الكتاب في المغرب وخارجه. وهي – فضلا عن طابعها الحميمي- تعطينا فكرة عن طبيعة القضايا الاجتماعية والأدبية التي كانت تستأثر باهتمام الأدب وقتئذ.

تحلى الراحل محمد زفزاف بالجرأة في تمثيل أمراض مجتمعه وعيوبه ومشكلاته، وإبراز مظاهر الغرابة والاستلاب التي يعاني منها الإنسان المقهور في الأحياء الهامشية. كان-قيد- كاتباً حقيقياً صادقاً مهموما بتفاصيل الحياة والوضع البشري، ومتفرداً بأسلوبه الخاص في تمثيل الواقع والكتابة عنه بطرائق فنية مستوحاة من قمم الإبداع العلمي (السهل الممتنع، الابتعاد عن البهرجة، الحرص على الاقتضاب والسخرية والغرابة والكروتيصك Grotesque).

ترجمت أعماله إلى لغات عديدة. عندما قرأ ملك إسبانيا الراحل خوان كارلوس رواية "المرأة والوردة" المترجمة إلى اللغة الإسبانية، أرسل له رسالة تهنئة احتفظ بها محمد زفزاف معلقة في منزله.

يكتشف القارئ في هذا الكتاب "من أرشيف محمد زفزاف" جملة من القضايا أجملها فيما يلي:

1-جُمعت أعمال الراحل من قبل في الإعمال الكاملة، وهي بادرة تشكر عليها وزارة الثقافة للملكة المغربية ويشكر عليها المركز الثقافي للكتاب. وتدخل مباردة الباحثين الشابين تحت إشراف د. محمد الداهي في إطار جمع الأرشيف غير المنشور ضمن الأعمال الكاملة، وإعادة طبعه حتى تطلع عليه الأجيال الجديدة، وينقذ من طي النسيان والإهمال.

2- يدرج هذا العمل الهام في إطار تأثيث الذاكرة المغربية، والتعريف بمنجزات روادها وصُنَّاعها، والحفاظ على التراث اللامادي وصونه من الضياع والتلاشي. تحتاج هذه المبادرة إلى رقمنتها بالطرائق المهنية الحديثة خشية تعرض الصحف والمجلات والكتب بمرور الوقت إلى الخرم والتلف.

3- يتضح من محتويات الكتاب أن محمد زفزاف كل يحمل طاقيات متنوعة (الرواية، القصة القصيرة، المقالة، المسرحية، الرسالة، الترجمة) مؤديا دور المثقف العضوي والمستنير الذي يناصر القضايا العادلة بطريقة أدبية وفنية، ويشيع بين الناس القيم الإنسانية والجمالية النبيلة، وينفتح على الآداب العالمية (خاصة الأدبين الروسي والفرنسي) سعيا إلى تجديد جلد الأدب ومواكبة العصر.

4- استلهم محمد زفزاف البوهيمية في حياته ونمط عيشه، وفي عمله الفني وطريقته في تصوير الوضع البشري إلى أن أضحت فلسفة مُتأصِّلة في موقفه من الوجود. إن أجبرته على معاشرة الناس العاديين والمهمشين، والإصغاء إلى أنينهم وتوجُّعهم وألمهم، وتنبي أشكال حياتهم وأنماطها، لم تصرفه عن الانطواء في عوالمه الخاصة لإعادة النظر في الظواهر المعيشة، وتتْبيلها بمقادير فنية وجمالية، وإثارة النقاش حول محتوياتها ورهاناتها مع أصدقائه الخُلَّص، وفي مقدمتهم محمد شكري وإدريس الخوري.