الثلاثاء  03 كانون الأول 2024

إياد استيتي: الموسيقي يحفر الموسيقى بأظافره وأسنانه كي يثبتها وفي لا وعيه يقصد تثبيت هويته

2023-06-03 01:05:31 PM
إياد استيتي: الموسيقي يحفر الموسيقى بأظافره وأسنانه كي يثبتها وفي لا وعيه يقصد تثبيت هويته
إياد استيتي

تدوين- سوار عبد ربه

ليس سهلا أن يثبت الإنسان حضوره في عالم مكتظ بمليارات البشر، خاصة وإن كان يتبع لمكان يعاني الاحتلال والحصار والعزلة التي تحول بينه وبين سبل التطور السريع، إلا أن نزعة الإنسان وتكوينه تجبره على أن يسجل حضوره في هذا العالم المليء بالإنجازات من جهة، ومن جهة أخرى بتعدد الهويات التي تعمل قوى عظمى على طمسها بشتى الطرق.

واحدة من بين الوسائل التي قد تكون متاحة أمامنا كفلسطينيين لإثبات حضورنا ووجودنا حول العالم، هي الموسيقى، تلك التي لا يمكن لأحد أن يمنع آخر من ممارستها، مهما بلغت قوته، وانطلاقا من هذه الفكرة، أخذت جمعية الكمنجاتي الفلسطينية على التجول في دول العالم المختلفة لإطلاع الشعوب على موسيقانا وقدراتنا الموسيقية أيضا من خلال عزف المقطوعات العالمية، مسجلة بهذا بصمة فلسطينية عريقة تكسر الصورة النمطية التي يحاول الاحتلال تسويقها عن الفلسطينيين.

وفي لقاء خاص مع تدوين قال الموسيقي ومدير جمعية الكمنجاتي إياد استيتي: "إن الموسيقي الفلسطيني يحفر الموسيقى بأظافره وأسنانه كي يثبتها وهدفه في اللاوعي يكون تثبيت هويته وموروثه".

وأضاف: "نحن فقدنا أرضنا وما عليها، لذا نحاول من خلال الموسيقى أن نثبت وجودنا، ويكون هذا من خلال العروض الخارجية التي نقدمها في دول العالم، والتي تهدف إلى تثبيت الوجود الفلسطيني وتحدي الخطاب السيئ بحقنا وروايتنا التاريخية".

وحققت جمعية الكمنجاتي بحسب مديرها، نتائج ملموسة في هذا الجانب، من خلال العلاقات والشراكات التي تمكنت من بنائها خارجيا، ومن خلال المشاركات العالمية لعازفين عالميين رفقة الجمعية".

وحول هذا قال استيتي إننا في الكمنجاتي عزفنا 9 سيمفونيات لبيتهوفن، وجاءت إلى مهرجان الكمنجاتي فرق من كل أنحاء العالم ومن خلالها تعرفوا على الشعب الفلسطيني المدني، واستطاعوا أن يفهموا أننا شعب لديه حياة اجتماعية حاضنة لكل أشكال الفنون، ناهيك عن الإنجازات العالمية الأخرى على الصعيد الشخصي، وكذلك إنجازات الطلاب في الجمعية.

ويرى استيتي أن الكمنجاتي استطاعت أن تمد جسر تواصل وعبور مع العالم، وكان لها إسهام كبير في تثبيت الهوية الفلسطينية، سيما من خلال الأفلام التي أنتجتها ومنها ما حصد جوائز عالمية وعرض في مهرجانات دولية.

كما يرى استيتي أننا كفلسطينيين لا ينقص وجود الاحتلال من دورنا ووجودنا شيئا، فالاحتلال عمل على سرقة أرضنا ومقدساتنا وبيوتنا وهواءنا وسمانا، إلا أنه بالرغم من هذا نحن موجودون وكاملون.

جمعية الكمنجاتي

وجمعية الكمنجاتي هي مؤسسة غير ربحية تعنى بتعزيز ثقافة الموسيقى لدى جميع أبناء شعبنا الفلسطيني في مكان تواجدهم. أسسها رمزي أبو رضوان ملحن فلسطيني، منظم، معلم، وفيولا ولاعب بازوق. وهو قائد «فرقة دالونا» و«فرقة فلسطين الوطنية للموسيقى العربية». أسس مركز الموسيقى الكمنجاتي وتعاون مع العديد من الموسيقيين العالميين والمشاهير. درس لأول مرة في معهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى، ثم في المعهد الإقليمي للمغاربة (فرنسا). تم صنع العديد من الأفلام الوثائقية عن حياته، بما في ذلك فيلم «ليس لها بندقية» (2005) و«اللعب فقط» (2012). هو الموضوع الرئيسي لكتاب أطفال الحجارة: قوة الموسيقى في الأرض الصلبة (الحجرية) للكاتب ساندي تولان (2015).

وبحسب الموسيقي إياد استيتي كان أبو رضوان معروفا بالانتفاضة الأولى بصورته الشهيرة وهو يرمي الحجارة على الاحتلال، وتعلم الموسيقى في معهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى، وحظي بفرصة من خلال المعرض للخروج إلى فرنسا وهناك درس الموسيقى وتولدت له رغبة في إنشاء جسم موسيقي تعليمي يتيح الفرصة لأطفال المخيمات للانخراط بهذا العالم، فأسس جمعية الكمنجاتي مع مجموعة من الأصدقاء الفرنسيين، وبعض أساتذته. وسميت الجمعية بهذا الاسم نسبة إليه، كونه يعزف على هذه الآلة.

الانتقال إلى المخيمات

تركز جمعية الكمنجاتي على الأطفال الفلسطينيين في المخيمات، انطلاقًا من الهدف الذي اتخذه مؤسس الجمعية رمزي أبو رضوان، ابن مخيم الأمعري في رام الله، والذي أصر على إنشاء جمعية تعنى بالاهتمام بالذين يشبهونه، كونه عاش طفولته في المخيم، قبل أن ينطلق في عالم الموسيقى ويتعلمها في معهد للموسيقى في فرنسا.

وحول كون الأطفال هم العنصر الرئيس في الجمعية، قال استيتي لتدوين إنه بشكل عام من يبدأ بالموسيقى هم الأطفال، ومن يريد تعلم وامتهان الموسيقى يبدأ من سن الطفولة، لتصبح جزءا من حياته وجزءا من مكونه، فالموسيقى هي وسيلة تعبير وتواصل بين الناس.

مخيمات لبنان

عام 2008، انتقلت تجربة الكمنجاتي من فلسطين ومخيماتها، إلى المخيمات الفلسطينية في لبنان، استكمالا للهدف الذي وضعه رمزي أبو رضوان نصب عينيه، ورغبة منه في إشراك هؤلاء الأطفال الذين يعيشون في ظروف ليست طبيعية في هذا العالم.

وحول هذا قال اياد استيتي إن تجربة الكمنجاتي في لبنان كانت مهمة، ذلك بسبب الظروف الاجتماعية والمعيشية الصعبة التي يعاني منها الفلسطينيون في المخيمات.

وأوضح استيتي أن التجربة هناك بدأت عام 2008، بالشراكة بين الجمعية وأصدقائها داخل المخيمات، وجرى إعداد برنامج موسيقي في مخيم برج البراجنة، وهناك لمسنا الظروف المعيشية الصعبة للناس في تلك المخيمات، على كافة الأصعدة، إذ تتشارك خطوط الماء والكهرباء والبعض يتعرض لصعقات بفعل هذا التشابك، إضافة إلى الفقر المستشري في تلك المناطق، والبطالة وغيرها.

وهدفت جمعية الكمنجاتي منذ تأسيسها للوصول إلى الناس الذين لا تصلهم الموسيقى، فكانت نقلة بالنسبة لهؤلاء الأطفال الذين التحقوا بالجمعية، والذين يتبعون بالأساس لمؤسسة بيت أبناء الصمود وهي مؤسسة عريقة في لبنان، وبدأوا بتعلم الموسيقى من خلال التجربة التي انتقلت إليهم عبر أكاديميين ومختصين بهذا المجال.

وأشار استيتي إلى أنها تجربة جميلة يعتد بها بالمجال الثقافي للاجئين الذين كبروا اليوم وباتوا بعمر الـ 15 عاما كما أنها أسهمت في حضور ثقافي موسيقي للمخيمات في المجتمع اللبناني، وأعطت مساحات وفرص عمل للشباب الذين قاموا بتطوير أنفسهم ليصيروا مدرسين.

عودة إلى المكان الذي اقتلعنا منه

ويرى مدير الكمنجاتي أن تجربة لبنان كانت مهمة وملهمة، داعيا كافة المؤسسات الفلسطينية لنقل تجربتها إلى اللاجئين الفلسطينيين خاصة في المخيمات، ذلك لأن أطفال المخيمات الذين يعيشون في ظروف صعبة، وينتظرون تحرير فلسطين حتى يعودوا إلى أرضهم، بحاجة إلى أدوات قوة، وأدوات تواصل مع العالم الخارجي، والموسيقى شكلت جزءًا من أدوات الخروج من هذه المساحة الجغرافية الضيقة.

وبحسب استيتي، فإن الموسيقى التي مورست في لبنان مرتبطة كلها بالعودة والرجوع، ذلك لأن الأجيال التي ولدت بعد النكبة في الشتات لا تعرف فلسطين، ويأتي دور الموسيقى هنا كأداة للتعبير عن الحب والانتماء لهذا الوطن المسلوب الذي يصبح ملموسا من خلال الأغنية والتراث وغيرهما.

وأشار مدير الكمنجاتي إلى أن الفلسطيني الذي يعيش في ظروف غير طبيعية ويعزف الموسيقى، هذا بحد ذاته تحديا للطبيعة، ذلك لأن الموسيقى بحاجة إلى استقرار اجتماعي وسياسي، وبلد يسوده القانون والاستقرار.

عرض الأستذة.. آخر عروض الكمنجاتي

وقاد إياد استيتي مؤخرا عرض الأستذة، الذي عرض ضمن المهرجان السنوي للكمنجاتي، وهو عبارة عن معزوفات لما لحنه الموسيقار محمد عبد الوهاب لنفسه في العشرينات وحتى عام 1959، قبل انتقاله للتلحين لمطربين آخرين.

وحول هذا العرض، قال استيتي إن الكمنجاتي يحب أن يقدم مستوى عالٍ في الموسيقى العربية الكلاسيكية، ومحمد عبد الوهاب موسيقار خطير وجميل، وتفاصليه الموسيقية ممتعة للجمهور، وكان عرضا جميلا قدمه موسيقيون فلسطينيون من مختلف المدن الفلسطينية ما يدل على التطور في مستوى القدرات الموسيقية، خاصة وأن المغني شاب في العشرينات من عمره.

وحول اختياره لعبد الوهاب، أوضح استيتي أنه لا توجد للموسيقى قومية أو قطرية إنما باخ وموزارت وبيتهوفن وسيمون شاهين، وروحي الخماش، كلهم موسيقيون وينتجون موسيقى للعالم، وهذا جزء لا يتجزأ من فكرة الموسيقى.

أما عن جيل الشباب والمادة الموسيقية لعبد الوهاب، قال استيتي إن العرض كان فرصة لجيل الشباب للاطلاع على هذه الموسيقى، سيما وأن أسلوبه صالح لسنوات قادمة أيضا.

ولاحظ استيتي أن معظم الحضور كان من الجيل الشاب، ورغم أن العرض استغرق ثمانين دقيقة إلا أن أحدا لم ينسحب منه، ذلك لأنهم تنبهوا إلى وجود أغان كلاسيكية عربية جميلة.

لمشاهدة المقابلة كاملة عبر الفيديو التالي: