تدوين- تغطيات
عقد في مؤسسة عبد المحسن القطان لقاء مع الشاعر والكاتب إبراهيم نصر الله، ضمن حوارية سيّرها أ. معتصم الأشهب، حول مشروعه الروائي "الملهاة الفلسطينية".
وجرى على هامش الحوارية توقيعا لأحدث إصداراته، "شمس اليوم الثامن" و"طفولتي حتى الآن".
وفيما يلي ما جاء في الحوارية:
-هل لك أن تصف لنا شعورك وأنت على أرض الوطن بعد غياب استمر 7 سنوات وبعد عودة للتو من جنين؟
أن تغيب 7 سنوات عن فلسطين لا يعني أنك غبت عنها في أي يوم من الأيام، وخلال هذه السنوات كانت فلسطين حاضرة ضمن الكتابات التي أنجزتها، سواء ثلاثية الأجراس التي أنجزت بعد عام 2016، وطفولتي حتى الآن وشمس اليوم الثامن، وديوان حب شرير، ولذلك لا أظن أنه بإمكاننا تحت أي ظرف من الظروف أن نكون غائبين عن فلسطين نحن في فلسطين وفي قلبها وفلسطين في قلبنا وهي التي تعطينا هذا المعنى الحقيقي والعميق لجدوانا كبشر ليس فقط ككتاب، ما تزرعه فينا فلسطين من معنى عميق هو ما يؤكد إنسانيتنا، ووقوفنا مع كل تفصيله من تفصيلاتها ما هو إلا امتحان يومي لضميرنا.
وكما قلت ذات يوم نحن لا نقف مع فلسطين لأننا فلسطينيون وعرب ولكننا نقف معها لأنها امتحان يومي لضمير العالم.
نحن لا نقف مع فلسطين لأننا فلسطينيون وعرب ولكننا نقف معها لأنها امتحان يومي لضمير العالم
-هل لنا أن نتوقع إبداعا جديدا يخرج عن هذه الزيارة إذ أننا اعتدنا على أن كل لقاء لك بالحبيبة فلسطين كان يكاد يحمل مسبقا عنوانا جديدا؟
منذ عام 2014 أعد لرواية ستنقل هم الأسرى وتجربة الأسر، وأنجزت الكثير من التحضير لها، وأيضا هناك رواية جديدة أحضر لها، وآمل أن تكون هذه الزيارة هي الخطوة الأخيرة نحو السطر الأول فيها، ودائما السطر الأول سطرا مخيفا للغاية ومرعب للغاية، ودائما تكتشف أنك حينما تتقدم باتجاهه تحس كما لو أنك لم تكتب أي شيء على الاطلاق، لكن في هذه الزيارة كانت هناك تفاصيل لا بد من أن أراها وأحسها عن قرب وأظن أنها أكملت تقريبا هذه الدائرة للتحضير لهذا العمل وربما البدء به في هذا الخريف.
-بئرك الأولى كانت مخيم الوحدات، هل تعتقد أن المعاناة تشحذ الموهبة؟ وهل هي من يقف خلف إبداعاتك؟ وأين تموضع الشقاء؟
بالتأكيد معاناة الإنسان جزء من التجربة لكن هذه المعاناة لا تكفي أن تنتج أدبا، لأنها بحاجة ربما إلى العمل الطويل لكي تعبر عنها بشكل جيد، لكي ترى أبعاد هذه المعاناة وتنقلها من معنى الحزن العادي إلى ذلك الحزن العميق أو الفرح العميق أو الحس العميق بالحياة.
أن تأخذها من تلك المحلية الصغيرة التي تعيشها فيها إلى الدائرة الإنسانية الواسعة بحيث يكون هذا الكتاب حيثما وجد هو جزء معبر عن إنسانية الطرح، والآن نحن كتبنا لا تكتب فقط لقارئ فلسطيني ولا لقارئ عربي، فهناك قراء في كل أنحاء العالم.
تترجم هذه الأعمال وتنتقل إليهم هذه الروايات، ودائما أقول إن من حقهم أن يقرؤوا روايات جيدة لأنه حينما يقرؤون روايات جيدة معنى ذلك أنهم سيحبون فلسطين أكثر، لكن إذا ما قرؤوا روايات متوسطة أو قليلة الجودة أو غير جيدة فأعتقد أن هذا التعلق بفلسطين سيفتر.
من حق القارئ في أي مكان حينما يدخل إلى مكتبة ما ويشتري هذا الكتاب أن يشتري كتابا موازيا ومساويا أو يطمح لأن يكون موازيا ومساويا لكل الكتب الأخرى الموجودة على الرف، أريد أن يتعاملوا معنا باعتبارنا كتابا جيدين بالدرجة الأولى، لكن بالعودة إلى المعاناة، أنت بحاجة إلى الكثير من العمل والثقافة والتحضير.
أحيانا في القضايا العادلة نحتاج لأن نقف معها ونعبر عنها بشكل أساسي وأن ندافع عنها حتى تنتصر. المعاناة وحدها لا تنتصر والقضايا العادلة وحدها لا تنتصر.
المعاناة وحدها لا تنتصر والقضايا العادلة وحدها لا تنتصر
-في الملهاة تأخذنا في ملحمة روائية طويلة تؤرخ فيها لمراحل واسعة جدا من تاريخ فلسطين.. كيف بدأت الفكرة وكيف تبلورت ومتى جاءت تلك اللحظة الحاسمة التي أطلقت هذا الاسم المبدع وربما الإشكالي على هذا المشروع؟
عام 1983-1984 كنت أبحث عن رواية تقول لي ما الذي حدث في فلسطين قبل عام 1948، ولكن أجد هذه الرواية فعلى رأي نزار قباني "الحب في الأرض بعض من تخيلنا لو لم نجده عليها لاخترعناه"، بالتالي كان لا بد أن أكتب هذه الرواية.
بالتأكيد هذه الرواية كان لا بد أن يكتبها أحد ثلاثة، غسان كنفاني، إيميل حبيبي، أو جبرا إبراهيم جبرا، لأنهم عاشوا ما قبل النكبة بدرجات متفاوتة من العمر، لكن لم توجد هذه الرواية بالتالي بدأت التحضير لها.
الحقيقة كان المشروع مرعبا لأنه أن تعبر عن مرحلة زمنية ممتدة إلى هذا الحد لم يكن سهلا، ولذلك كان هناك عمل طويل فعلا لإنجاز هذه الرواية. ما حدث أن الفكرة الأولى مع العمل الكثير أوجدت مجموعة من الأفكار منها أن القضية الفلسطينية هي قضية أكبر من أن تحيط بها رواية واحدة مهما كانت هذه الرواية عظيمة، ولذلك برز مشروع الملهاة الفلسطينية كأفكار.
-كيف عرفت التفاصيل الجغرافية وأنت لم تسكن فلسطين؟
أذكر بعد صدور قناديل ملك الجليل أن مجموعة من الأصدقاء ذهبوا لزيارة عكا ليقاربوا بين عكا في الرواية وعكا الحقيقية التي يعرفونها تماما، وفجأة أحد الأصدقاء وقف والتفت إليهم وقال إبراهيم بعرف عكا أكثر منا.
هل خرجنا نحن من فلسطين؟ لا أظن أبدا، لذلك تحس أنك تعبر، وهذه مسؤولية كبيرة لأنك لا يجوز أن تخطئ في هذا المجال.
عليك أن تعيد بناء العالم أن تجد العلاقة بين قرية نائية جدا في فلسطين وبين عاصمة فلسطين، بين حيفا وعكا وأي قرية أخرى في فلسطين لتستطيع الوصول إلى ذلك الجوهر الحقيقي من وطن وبشر وحلم ونضال وإنسانية وقصص حب.
وأنا أستمع إلى الشهادات كثيرا لأنني على يقين أن لا أحد يعرف العالم وحده مهما كانت التجربة لن تكون تجربتك أكبر من تجارب الناس كلها، لكن عليك أن تملك رؤية اشتقاق أطروحة ما من هذه الشهادات.
لمشاهدة الحوارية كاملة: