تدوين- نصوص
خصصت مجلة الكواكب في 29 -10-1968ملفا للشيخ إمام في العدد 900، وجاء الملف بعنوان "مرحبا بالشيخ إمام" شارك فيه عدد من الفنانين والمثقفين، ومنهم الشاعر أحمد فؤاد نجم الذي كتب مقالة بعنوان "الشيخ إمام وأنا".
فى عام 1962 م التقى الشيخ إمام عيسى بأحمد فؤاد نجم رفيق دربه، وتعارف الثنائى عن طريق زميل لابن عم نجم كان جاراً للشيخ إمام، فعرض على نجم الذهاب للشيخ إمام والتعرف عليه، وبالفعل ذهب نجم للقاء الشيخ إمام وأعجب كلاهما بالآخر.
وعندما سأل نجم إمام لماذا لم يلحن أجابه الشيخ إمام أنه لا يجد كلاما يشجعه، وبدأت الثنائية بين الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم وتأسست شراكة دامت سنوات طويلة.
وكان الدور المباشر الذى لعبه الشاعر أحمد فؤاد نجم فى حِراك الشارع العربى إنما بفضل عبقرية الشيخ إمام، وفى رأي أحمد فؤاد نجم كان الشيخ إمام مثل عبد الوهاب مغنيًا عظيمًا ومتفردًا.
ذاع صيت الثنائى والتف حولهما المثقفون والصحفيون خاصة بعد أغنية: "أنا أتوب عن حبك أنا؟"، ثم "عشق الصبايا"، و"ساعة العصاري"، واتسعت الشركة فضمت عازف الإيقاع محمد على، فكان ثالث ثلاثة كونوا فرقة للتأليف والتلحين والغناء ساهم فيها العديد، ولم تقتصر على أشعار نجم فغنت لمجموعة من شعراء عصرها أمثال: فؤاد قاعود، وسيد حجاب ونجيب سرور، وتوفيق زياد، ونجيب شهاب الدين، وزين العابدين فؤاد، وآدم فتحى، وفرغلى العربي، وغيرهم.
جاء المقال على النحو التالي:
صديقى سعد الموجى ابن الحارة المصرية الذى خطف رجله ذات مرة إلى بلاد برة ليعود من هناك محملا ليس بالهدايا والبضائع ولكن بعدة دبلومات وماجستير فى علوم السياحة حصل عليها جميعا بامتياز ،وذلك بعد جولة خاطفة فى بريطانيا وأيرلندا وبعض البلاد الأوروبية الأخرى التى لا تحضرنى الآن، وهذا الصديق هو واحد من هؤلاء الأبناء الذين تعتز الحارة المصرية بإنجابهم.
وفى عام 1962 وعقب عودته من الخارج دعانى سعد لزيارته لأول مرة فى منزله بحاره حوش قدم بالغورية، ثم اتبع الدعوة بالعبارة التالية "عشان كمان عايز أعرف رأيك فى راجل فنان اصيل محدش عايز يعترف بيه.. قال إيه دقة قديمة".
وفى المكان والزمان المحددين كنت أجلس أمام شيخ ضرير يحتضن عودا قديما وسرعان ما راحت أنامل الشيخ تداعب أوتار العود وانساب النغم حلوا واضحا يصل إلى القلب مباشرة وغنى الشيخ إمام لمشايخ الملحنين وجهابذة الطرب والنغم وأدهشني أنه يعطى الألحان القديمة العظيمة إضافات لا تقل غنى وأصالة عن الألحان الأصيلة نفسها، وزادت دهشتى بتكرار المقامات، اذ تبينت أن تلك الإضافات هى مادة ثابتة فى أداء الشيخ إمام، ولكن بشكل دائم التغير والتنويع، وهكذا تأكد لى تماما أننى أمام فنان مبدع.
سألته: لماذا لا تلحن يا مولانا.
مش لاقى الكلام الكويس
طيب أنا عندى الكلام
هات
خذ
وحاول الشيخ إمام أن يبدا متحمسا ولكنه لم يفعل شيئا، ومر شهران ولا شيء وأيقنت أن الكلمات لم تعجب مولانا، وآثرت الصمت، وذات يوم كنت أقرا نصا على الصديق سعد الموجى، ولم أكد انتهى من قراءه النص حتى فوجئنا بصوت الشيخ إمام يردد المقطع الأول من الأغنية ملحنا كأعذب ما يكون التلحين، وصرخنا استحسانا وطلبنا المزيد، وفى خلال خمسه دقائق تمت ولادة أول ألحان الشيخ إمام.
وهو أيضا أول عمل مشترك بيننا وبعدها – خد عندك – انبثق النبع المتدفق ليغرقنا في بحر من الألحان المصرية الأصيلة النغم الشجي النابع من أعماق بيئتها الشعبية الخصبة الفنية .
لقد كنت محظوظا بالفعل حينما اختارتني الصدفة المحضة لأشارك وأتعاون مع الشيخ إمام وأن يكون لكلماتي المتواضعة نصيب الأسد في ألحان هذا الفنان الكبير مع تقديرى لجهود الزملاء الذين تعانوا معه بإخلاص وصدق وهم الأساتذة الشعراء فؤاد السبكي ومحمد جاد وحسن الموجي أما الزميل والصديق فؤاد قاعود فقد كان ظهوره في حياتنا حدثا هاما أضاف إلى تجربة الشيخ إمام إضافات غنية وعظيمة منها تلحين الشعر الحر.
وأخيرا إنه إذا كان لا بد من إبداء رأيي فني في الشيخ إمام فأنا أقول أن الفنان الذ ينتج هذه الكمية الهائلة من الألحان الرائعة في مثل صمت وتواضع وفقر الشيخ إمام، هو بغير شك فنان قدير.