تدوين-ذاكرات
نشرت مجلة الذخيرة في عددها الأول الصادر في 6 تشرين أول من العام 1946، مقالة للشاعر ميشيل إسكندر حداد عن لهجة أهالي مدينة الناصرة ومصطلحاتهم، وفيما يلي نص المقالة:
من الناصرة.. لهجات واصطلاحات
بقلم: ميشيل إسكندر حداد.
الغرض من كتابة مثل هذا المقال هو التعرف على اللهجات والاصطلاحات التي تستعمل في كل بلد من البلدان الفلسطينية خاصة وفي كل قطر من الاقطار العربية عامة.
ولقد نجد في هذا البحث شيئاً من اللذة خصوصاً إذا حاولنا التنقيب في كتب اللغة عن أصول اشتقاق تلك المصطلحات أو عرفنا المناسبات التي تقال فيها.
أما وأنا من أبناء الناصرة فقد رأيت أن ابتدئ ببلدي وأهلي وأتحرى عن الطريقة التي نتحدث فيها فأخذت أحاول جمع بعض الكلمات التي -حسب معرفتي- يستعملها الناصريون دون سواهم فاللهجة الناصرية القديمة تظهر واضحة جلية في حديث أبناء الناصرة الذين قلما يخرجون منها.
ويلاحظ القارئ فيها كثيراً من الثقة بالنفس الأمر الذي يصل أحيانا في البعض إلى مرتبة الغرور والخيلاء كذلك فيها كثير من عدم التكلف واللا مبالاة حتى أنها تبتعد أحيانا عن حدود اللباقة والكياسة.
ولعل أبرز ما في هذه اللهجة استعمال حرف النداء (يا) فيقولون مثلا: كيف الحال يا؟. وين رايح يا.. الخ. أما القاف الناصرية العريقة فهي القاف المرفقة وتلفظ كافا مضخمة وتظهر واضحة في إعادة حديث ونقله إلى آخر حيث يكثر ترديد: قال لي وقلت له: أما القاف في (أقدر) فتلفظ غينا (اغدر) فيقولون في حالة النفي (بغدرش) ومش غادر بدل مش قادر كذلك الكاف في المخاطب تلفظ مضخمة كالقاف المخففة مثل: قال لك تلفظ القاف والكاف كحرف واحد (قلق) كذلك في أمك، شايفك (امق، شايفق) وهناك ضمير الغائب تقلب الميم فيه نونا فبدل أن يقال قلت لهم يقالـ قلت لهن دارهم - دارهن، عندهم عندهن.
أما الهمزة في الألوان فتلفظ دائما مكسورة بدل أزرق - إزرق، أبيض إبيض، وهكذا وبعض الكلمات يزيد عليها الناصريون أحيانا (أني) فيقال بدل تحت - تحتاني، أول أولاني، وإذا شيء أن يدل على شيء بعيد يقال: المقد الغيداني والدار الغيدا أو الغيدانية ولعل أشهر الكلمات التي يرددها. الناصريون هي خيا) خيتا) أي أخي أختي. كذلك (إسا) مشتقة من هذه الساعة أي الآن. وتستعمل النساء كلمة (عزا) أي عزاء استعمالا مطلقاً حسب ويشدد حرف الزاي وتمد الألف درجة التعجب كما أنها تكرر في حالة الاستهجان.
وكلمة (امبلي) بمعنى بلى زيدت عليها (إم) وقد كان أصلها أي بلى. كذلك (ول) واصلها وبل وتقال حالة التذمر والشعور والمضايقة وهناك جملة فنية تقال عندما يسقط جدار الحديقة وهي) كمرت السنسلة). وإذا أراد أن يتخلص أحدهم من شيء برمته يقول (بديش إياه شيله بيله (ويحتج أحدهم على آخر إذا مار به مسافة طويله فيقول ( حاجي تجرجر فينا ) وإذا دار في حديثه حول موضوع قاصداً من وراء ذلك امراً وفطن إليه المستمع قال له : ليش بتلوفك أو ليش بتمغمت في الحكي ؟) ويقال بدل إكسر البطيخة (اشقحها) وعندما يصل الإنسان تعباً يقولون (بلاهت) ويقال (بالأندري الفصيح أي بصراحة. كذلك نضرب مشوار بدل نخرج للتنزه.
وأما لوازم البناء فيطلقون عليها اسم (الكرستة) وعندما لا يريح التاجر بصفقة ما يقول مش. وفيه وإذا شاء صديق أن يوصل صديقه إلى بيته قال له: (خليني اقلطك). أما (الحزيط) فمعناها المسكين وقد أخذت من كلمة حزين، والدراجة النارية تسميها العجائز (العفريتة). وللمشاجرات اصطلاحات كثيرة فالمشاجرة تسمى (غوشه) وإذا ضرب أحدهم الآخر كفا يقال لخمه أو لطشه أو لطخه کف وإذا تقدم أحد ليفصل بين المتشاجرين يقال: (اجا يحمش بينهن) أي جاء يفصل بينهم.
ومن يهضم حقه يسمى (مطبه) وإذا ضاق أحدهم بآخر قال له (حل عنا قلعطتنا أي ابتعد عنا فقد لوثتنا بالافذار والبيت القديم في الناصره لا يخلو من (يوك الفراش) واليوك هو الفجوة الواسعة في الحائط حيث يرتب فيها الفراش وتسدل عليه ستاره بيضاء تزركش بالخرج) المشغول من الخيوط البيضاء بواسطة الصنارة. ولبعض أدوات البيت أسماء خاصة (فالفهرة) هي مدقة الكبة (والسواتي) الصحون (والهشه) الشربه (والزلفة) الملعقة (والمعسفة) هي جريدة النخل التي يكنس بها سقف البيت وجدرانه والشفتيان هو أشهر الألبسة الناصرية القديمة وتلبسه النساء العجائز وتعتز به والدتي كثيراً وهو واسع يحتاج إلى عشرة أذرع من القماش له ثلاثة أحزمة الوسط وللرجلين تحت الركبتين وللباس السفلي اسم آخر (نص كسوة)
ويوم السبت في الناصرة مشهود فيه لنشاط النساء إذ هو يوم الشطف والتعزيل والغسيل والضب والضب هو ترتيب البيت بعد تنظيفه والوجبة المصطلح عليها يوم السبت هي (المجدرة) كما أن العرق هو المشروب المصطلح عليه في الناصرة.
وتتعرى المرأة يوم السبت أي أنها تلبس أقدم ما عندها (وتقرص) شعرها أي تغسله إذا لم تشأ أن تغتسل وتقرص (أي تغسل الطرف الملوث من ثوبها أما اللبنة (فتقدرها) ربة البيت وتضعها في (خابية) والتقدير هو تكوير اللبنة إلى كتل بحجم البيضة وشكلها والخابية هي الإناء الفخاري المطلي من الداخل بمادة تشبه الزجاج. وتقول الأم لابنها (قدرتني) أي عذبتني وأزعجتني وتشجعه ليتناول الدواء فتقول له: انغده نغده وحده) أي إشربه دفعة واحده.
كذلك (الجغمة) هي الجرعة أو القطعة التي تؤخذ بالاسنان من الفواكه اللحمية. ولغير الفواكه يستعمل كلمة (نقشه) فيقال (نتشني نقشه) هذا شي مما يتردد على ألسنة بعض الناصريين من اللهجات والاصطلاحات وأنا على يقين بأنني قد سهوت عن كثير منها ولهذا فإنني أحيل حضرات القراء الكرام إلى أصدقائهم من الناصريين الذين تربى السيد المسيح بينهم فما كان منهم إلا أن (زقلوه) أي رموه عن جبل القفزة دون أن يصاب بأي ضرر.