السبت  04 أيار 2024

المقاومتان العسكرية والثقافية.. علاقة تكاملية يردعها العدو

مدير مسرح الحرية في جنين: الاحتلال حوّل المسرح من مركز ثقافي إلى مركز احتجاز وقصف محيطه

2023-07-04 11:10:04 AM
المقاومتان العسكرية والثقافية.. علاقة تكاملية يردعها العدو
مدخل مسرح الحرية بعد الاستهداف

تدوين- سوار عبد ربه

ضمن بنك الأهداف الذي استهدفته قوات الاحتلال في اجتياحها لمخيم جنين الذي بدأ فجر الاثنين 3 تموز؛ قُصفت الطائرات الحربية مسرح الحرية في جنين، بعد أن حوله الاحتلال من مركز ثقافي، إلى مركز اعتقال واحتجاز، ثم مساحة للقصف والدمار، كجزء لا ينفصل عن المشهد في المخيم كاملا.

البندقية التي لا ثقافة خلفها تقتل ولا تحرر

في عين العدو، لا فرق بين مقاوم مسلح، أو مدني أعزل، أو مسرحي مفرغ من كل شيء إلا من أدواته التمثيلية التي في ظاهرها لا تشكل خطرا على أمن العدو بحسب الذريعة التي يتخذها عند كل عدوان يمارسه ضد الفلسطينيين. وليست هذه الضربات التي وجهت نحو المسرح عشوائية أو عبثية، إنما هي إجابة واضحة على سؤال العلاقة التكاملية بين المقاومة العسكرية والمقاومة الثقافية، والآلية التي ينظر بها المحتل إلى كلتيّ الحالتين، حيث يسعى بكل الطرق الممكنة إلى ردعهما، وكبح جماح ممارسيهما، أما الرؤية الفلسطينية لهذه العلاقة، يمكن فهمها من خلال مقولة جوليانو مير خميس، مؤسس مسرح الحرية في جنين الذي قال: "البندقية التي لا ثقافة خلفها تقتل ولا تحرر".

جوليانو مير خميس في مسرح الحرية

وفي لقاء خاص مع تدوين قال مدير مسرح الحرية مصطفى شتا: "بالنظر إلى الأحداث التي جرت أمس في مسرح الحرية ومحيطه، هناك اعتداء واضح على المسرح، إذ عملت قوات الاحتلال على تحويله من مركز ثقافي إلى مركز اعتقال واحتجاز".

ويرى شتا أن هذه الممارسات من قبل الاحتلال ليست عشوائية، لأن دور المحتل الأساسي هو تشويهنا وتشويه عقليتنا، لأنه لا يرغب في أن نعيش حياة طبيعية، لذا يستهدف المراكز الشبابية، الثقافية والرياضية، لأنها مساحات تعبيرية تؤثر بشكل مباشر عليه وعلى مستوى الحوارات واللقاءات الجماهيرية حول العالم.

لم يقتصر الاعتداء على المسرح بأحداث الأمس فحسب، إنما استشهد من ممثلي المسرح طفلين اثنين، وهما سديل نغنغية (15 عاما) ومحمود السعدي (17 عاما). كما اعتقل رئيس مجلس إدارة المسرح السابق بلال السعدي خلال أحداث 2022، على حاجز زعترة لأسباب غير مفهومة، وهو الآن يقضي محكوميته في الاعتقال الإداري، وفقا لشتا، الذي يمنعه الاحتلال من السفر بسبب نشاطه الثقافي.

وفي هذا الجانب أوضح مدير مسرح الحرية أن القطاع الثقافي عموما ومسرحه خصوصا يتعرضان لانتهاكات ليست مباشرة في بعض الأحيان، إذ لا يمنع الاحتلال تقديم الأعمال المسرحية، إنما يعمل على تعطيل كل أدوات العمل الثقافي والفني.

ويرى شتا في سلوكيات الاحتلال هذه، محاولة لاسترجاع صورته أمام مجتمعه، لذا يستهدف كل مظاهر الحياة، ومن ضمنها المسرح والشارع والشجر، بشكل مجنون.

تفاصيل الحدث

بدأ اجتياح مخيم جنين منتصف ليلة الاثنين، بإطلاق صواريخ على ثلاث مواقع في مخيم جنين، تبعها دخول لجيش الاحتلال بأعداد ضخمة جدا، رفقة مجنزرات وآليات عسكرية مختلفة، كما يروي مصطفى شتا، ابن مخيم جنين.

ويتابع: اقتحم الجيش فور وصوله منزل لعائلة نغنغية واعتلوا سطحه ووضعوا القناصة، ثم أخذوا جميع رجال العائلة إلى الساحة الأمامية التي يتواجد فيها المسرح، وقاموا بفتح أبوابه واقتحامه، واحتجزوا الأهالي في داخله.

وأكمل: بعدما توالى القصف على مخيم جنين، لجأ الناس إلى المسرح ظنا منهم أنه مكان آمن للاحتماء بداخله، فقابلهم جيش الاحتلال بالاعتداء والضرب والطرد من المكان، ولاحقا أطلق صاروخ على ساحة المسرح ما خلف عددا من الإصابات، إضافة لقيام قوات الاحتلال بحرق 3 سيارات بالكامل لعائلة السعدي، كانت في المكان.

وحتى لحظة كتابة التقرير، لا يملك شتا معلومة حول الأضرار التي خلفها الاحتلال داخل المسرح، لأن محاولته بالوصول إليه باءت بالفشل، ذلك لأن الاحتلال قام بمنعه وتهديده، كما أن زميله أحمد طوباسي، الذي يسكن بمحاذاة المسرح، تتعذر عليه رؤية الأوضاع من حوله لأن الاحتلال يضع "بلدوزر" أمام منزله لإعاقة حركة المواطنين بشكل طبيعي.

هدم في اجتياح 2002 وقصف محيطه في اجتياح 2023

تأسس المسرح عام 1989 وسط مخيم جنين على يد آرنا مير خميس وسميرة الزبيدي، باسم مسرح الحجارة، لاعتبارات متعلقة باستخدام الفلسطينيين للحجارة في مواجهة الاحتلال، واستمر في العمل حتى عام 2002، حتى هدمه الاحتلال خلال اجتياح نيسان.

لاحقا، أعاد كل من المخرج والممثل الفلسطيني جوليانو مير خميس والأسير والقائد العسكري في كتائب شهداء الأقصى زكريا الزبيدي نجلي آرنا وسميرة، بناء المسرح في مكانه الحالي وأطلق عليه مسرح الحرية.

وحول نمط الأعمال التي ينتجها المسرح، قال مصطفى شتا في لقائه مع تدوين إنه منذ العام 2006 ركز المسرح على أن تكون إنتاجاته سياسية جريئة تعالج القضايا الملحة في الساحة الفلسطينية.

ويضم المسرح، مدرسة للفنون الأدائية، إضافة إلى برنامج الطفولة والشباب، وإنتاجات مختلفة، ويشارك بشكل تنافسي مع المسارح الفلسطينية المختلفة، وكذلك على المستوى العالمي، كما أنه يخرج كل ثلاث سنوات ممثلين محترفين يشاركون في أعمال فنية مهمة في فلسطين.

ويرى شتا في مسرح الحرية، المركز الثقافي الأبرز في منطقة شمال الضفة الغربية، وهو عضو في شبكة الفنون الأدائية الفلسطينية التي تدير الفعل الثقافي في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وقالت شبكة الفنون الأدائية الفلسطينية في بيان إدانة إن مسرح الحريح أنتج عبر سنوات طويلة في مخيم جنين الكثير من العروض المسرحية الوطنية التي تسلط الضوء على القضية الفلسطينية ومثلت فلسطين دولياً، ونعتبر الهجوم الذي تقوم به الآن قوات الاحتلال يقع ضمن سياسات التطهير العرقي الممنهجة والمستمرة منذ عقود طويلة ضد أبناء الشعب الفلسطيني وضمن محاولاته المستمرة لطمس الهوية الثقافية الفلسطينية.