تدوين- ترجمة: سعيد بوخليط
*السبت 19 يوليو 1947
نيلسون حبيبي،
اكتسحتني البارحة موجة خوف، كلما اقتربتُ من مسرح ''السهم الذهبي''، بعد أن سيطر عليّ هاجس احتمال عدم مصادفة إحدى رسائلكَ في صندوق بريد فندق "بيجونيي''، فإذا بي أظفر برسالتين! ماذا حدث لآليات نظامكَ على مستوى التراسل؟ لقد غيَّرتَ كل شيء، وأنا سعيدة لهذا التغيير.
رسالتان طويلتان تنبضان بالحبِّ أشعرتاني بأني قريبة جدا منكَ: خلال نفس لحظة تساؤلكَ: ''هل تشعرين بتقاربنا أكثر من أيِّ وقت مضى؟"، أكتبُ إليكَ: ''نحن قريبان أكثر من أيِّ فترة سابقة''.
نعم، صحيح، بعد افتراقنا وقع شيء ما، لقد أدركنا بأنَّ التجربة التي اختبرناها، تسمى غراما. عقب ذلك، استوعبتُ ما جرى باندهاش. أيضا، تيقنتُ بأني أمتلك قلبا.
متيقِّنة حبيبي، عدم تخييب أحدنا لأملنا المشترك.
حبيبي، ستحيط ذراعيكَ بخاصرتي، تحضنني ثم نصبح زوجان مرة أخرى.
مكثتُ يوما إضافيا في لندن، أتجول بين أحياء هذه المدينة العتيقة.
تابع الجمهور، يوم الخميس ليلا، تقديم العرض الأول لمسرحية سارتر داخل قاعة مسرحية صغيرة للفن في هامرسميث، أحد أجمل الأحياء اللندنية.
التقيتُ ريتا هيوارث (ممثلة أمريكية)، التي تحظى حقا بجمال متوهِّجٍ كبريق نجمة ليلا.
أستحضر حقيقة وصف المذبحة للتعليق على التقديم الإنجليزي الأول لمسرحية ''أموات بلا مدفن''. لقد تطلع سارتر كي يحظى نصه المسرحي بإخراج يسلط الضوء على أفراد ميليشيات فرنسيين يعذِّبون ويقتلون مقاومين فرنسيين: فرنسيون بين طرفين، جماعة تبنَّت الاختيار السيئ، بينما انحاز آخرون إلى الموقف الصائب. ينطوي ذلك على حقيقة قاسية، نيِّئة وغير مألوفة.
خلاصة حديثي، أنَّ المخرج الإنجليزي انعدمت لديه الشجاعة، فحذف تقريبا جلَّ المعطيات التي تتعلق بأوغاد أفراد الميليشيات، ثم احتفظ فقط في غضون ذلك بالمقاطع التي لم يستوعب معناها؛ لم يبق إذن سوى على تاريخ بطولي لمقاومين فرنسيين رائعين لا يناضلون ضد أحد. شعرتُ بالغضب رغم الدور الرائع للممثلين.
أما بخصوص مسرحية ''العاهرة المحترمة" (جان بول سارتر)، فقد تحول النص إلى الخشبة بكيفية جيدة، يتعلق الموضوع بعاهرة شابة يتم التلاعب بوعيها من طرف أشخاص ينحدرون من الجنوب الأمريكي، يثرثرون ببراعة، أقوياء وأمريكيين مائة في المائة، بحيث أرغموها على تقديم شهادة زور ضد شخص أسود مسكين، بريء.
اصطفت أمريكا إلى جانبهم، أو على الأقل الولايات الجنوبية.
بما أنَّ الإنجليز يحبون مثلما يكرهون الأمريكيين، على طريقة أخوين توأمين، فقد استهواهم المنحى الساخر للمسرحية؛ بمجرد إصغائهم للنَّبرة الأمريكية عبر منصة معينة يجعلهم غاضبين، بالتالي فهموا المغزى جيدا واعتبروا ذلك انتصارا شخصيا حقيقيا.
استدعوا سارتر نحو الخشبة، فتسمَّر واقفا عند أقصى الجهة اليسرى، خجولا وصامتا.
جرى استقبال بعد ذلك، لم نتوقع أن يكون مميَّزا، في خضم الصدام بين دماغ سارتر وجمال ريتا هيوارت، وفعلا حطمت الأجواء رقم الكآبة القياسي، فكان الوضع مدعاة للسخرية.
احتشدنا تحت سقف قاعة للأكل دنيئة، توزعنا بين طاولات صغيرة، انزوى سارتر وحيدا عند زاوية يمضغ عابسا لحما معلَّبا، في حين جلستُ قبالة ريتا هيوارت، سعيتُ جاهدة للحديث معها، وأنا أتملَّى ذراعيها وثدييها الرائعين اللذين سيثيران أكثر جنون رجل لو كان جالسا في موضعي.
تقبع ريتا في مكانها لكن ملامحها تبدي انزعاجا صارما، نفس الأمر بالنسبة إلى سارتر، بل استحوذ الضجر على الجميع. لذلك، غادرنا بأقصى سرعة ممكنة.
البارحة، وأنا في طريق عودتي إلى فضاء السهم الذهبي، وعبور بحر المانش ثانية، أسرع إلى صحبتي ذاك الشخص الشبيه بضفدعة، المندفع جدا نحو النساء على امتداد السفر مع أنه يثير الاشمئزاز.
حبيبي،
تشير الساعة الآن منتصف الليل، اشتغلتُ كثيرا اليوم، التقيتُ أصدقاء، ثم منزوية حاليا بين زوايا غرفتي الوردية حيث أتيتُ على إعادة قراءة رسالتكَ. يمكنني، وهذا يحدث باستمرار، استنساخها ثانية كلمة بعد كلمة واكتشاف مشاعري: ''لا أظن بوجود شخص يمكنني الاشتياق إليه بقوة جدا، مثلما الأمر معكَ. لو أمسكتُ بك حاليا، فسأبكي جراء الألم والسعادة''.
أقبل هذا الوجع من طرفكَ، أستسيغ افتقادكَ بقوة ما دمتَ بدوركَ تفتقدني، كما لو نجسِّد كائنا واحدا. صدِّقني مثلما أومنُ بكَ، لذلك لن نشعر قط بالابتعاد، مهما حدث.
لن يجمع بيننا سوى الحب.
أنتظركَ، أشتهيكَ، احضني، عانقني واجعل مني زوجتكَ.
_______________________________________________________________________________
المصدر:
Simone de Beauvoir :un amour transalantique(1947 -1964) ;Gallimard1997.PP : 72.74.