الجمعة  15 تشرين الثاني 2024

ترجمة تدوين| ما هي الأمة؟

2023-08-09 09:09:57 AM
ترجمة تدوين| ما هي الأمة؟

تدوين- ترجمة مروان عمرو 

كتب الفيلسوف والصحفي البريطاني جوليان باجيني مقالا في مجلة prospect، بعنوان "ما هي الأمة؟"عرج فيها على تعريف الأمة، وأسباب تشكلها، بالإضافة إلى الحدود الصناعية ومحاور أخرى. 

وفيما يلي ترجمة المقال: 

الهويات القومية هي بنى اجتماعية - ولا تقل قوة بالنسبة لها.

الأمم تصوغ العالم وتصل إلى قلوب الناس الذين يسكنونها، فالأوكرانيون يدافعون بشجاعة عن بلادهم ويدفعون ثمناً باهظاً نتيجة لذلك. ويريد غالبية الأسكتلنديين إنهاء اتحاد سلمي وطوعي مع جار مزدهر، حتى لو أدى ذلك إلى جعله أكثر فقرًا، وبريطانيا تركت ناديًا أوروبيًا مفيدًا باسم السيادة الوطنية الأكبر.

وكما ذكرت عندما سافرت مؤخرًا من كاليه إلى هارلم في هولندا، أدركت أن الدول هي كيانات مصطنعة. عبرت الحدود بسلاسة، دون أن أرى أي علامة على مغادرتي بلجيكا. في العديد من الخرائط، الحدود هي الأشياء الوحيدة المشار إليها وهي ليست سمات أو هياكل مادية فعلية، وبما أن الحدود تعتبر تعسفية فهي بحاجة إلى تحديث دائم.

يخبرنا التاريخ والجغرافيا أنه لا يوجد شيء طبيعي في الأمم.

مع قنواتها والمتحدثين باللغة الهولندية فيها، يبدو أن مدينتي غنت وبروج البلجيكيتين تشتركان مع جيرانهما في هولندا أكثر من مدينتي مونس ولييج الناطقتين بالفرنسية، ومع ذلك فإن الأخيرة هي جزء من نفس البلد. حتى عند عبور الانقسام الطبيعي للقناة الإنجليزية، فإن عمليات الفحص الجمركي والطوابع على جوازات السفر كانت بمثابة تذكير مزعج بتصنع الحدود السياسية.

هناك مفارقة ظاهرية هنا؛ تعمل الأمم كما لو أن واقعها صلب وأساسي، لكنها تفتقر إلى الجوهر المستقر والذي هو عرضة للتغيير.

قد نقول إنها مجرد بنيات اجتماعية، لكن احذر من ذلك فقط؛ البنى الاجتماعية ليست أقل واقعية من الظواهر الطبيعية، وإن الإيحاء بخلاف ذلك هو ارتكاب لخطأ وجودي أساسي (علم الوجود هو فرع من الفلسفة معني بطبيعة الوجود).

البنى الاجتماعية بعيدة كل البعد عن الواقع الجوهري ولكنها من بين أكثر الأشياء الحقيقية التي نعيش معها، مثلا الموت طبيعي لإنهاء الزواج، لكن الطلاق يمكن أن يكون أكثر إيلاما. قد يقتل الناس من أجل الطعام والماء إذا اضطروا إلى ذلك، لكنهم يختارون الموت من أجل الحب والعدالة والحرية - والوطن.

الأمة ليست أي بناء اجتماعي قديم؛ إنها توفر لنا الهيكل والأمان الذي نحتاجه للازدهار عندما تكون قوانينها عادلة، فيمكننا أن نعيش بشكل كامل كما قال أرسطو "كحيوانات اجتماعية". أما إذا كانت فاسدة أو غير قابلة للتنفيذ، فهنا تنهار الحياة الاجتماعية بسرعة. كما جادل هوبز، فإن الدولة موجودة لمنع الحرب ضد الجميع، "حرب الكل ضد الجميع" التي اعتقد بتشاؤم أنها "الحالة الطبيعية للرجال، قبل دخولهم المجتمع".

السؤال الأكثر إلحاحًا بالنسبة لنا اليوم ليس ما هي الأمة ولكن ما يجب أن تكون عليه.

معظم المواطنين اليوم لا يتطلعون فقط إلى الدولة لتأمين حياتهم وممتلكاتهم، بل إنهم يريدون الأمن لطريقتهم في الحياة، والتي من الممكن أن تتطور ولكن لا ينبغي قلبها أو تغييرها بالقوة. في اسكتلندا، يكون الاستقلال مدفوعًا إلى الشعور بأن الثقافة الوطنية تختلف اختلافًا كبيرًا عن الثقافة البريطانية ذات الأغلبية الإنجليزية. وفي أوكرانيا، تكمن الرغبة في الدفاع عن الحرية والديمقراطية اللتين تم كسبهما مؤخرًا  وثقافة وتاريخ البلد الذي تنكر روسيا وجودهما على الإطلاق.

يمكن بناء الدول بطرق مختلفة،  فأصول الدولة القومية الحديثة تعود على الأغلب إلى معاهدة وستفاليا عام 1648، لكن الممالك والإمبراطوريات ودول المدن وما شابه كانت موجودة قبل ذلك الوقت. حتى في الحقبة القصيرة نسبيًا التي كانت الدولة القومية مهيمنة فيها، كانت طبيعتها شديدة التباين، وبالتالي، فإن السؤال الأكثر إلحاحًا بالنسبة لنا اليوم هو، ليس ما هي الأمة - ولكن ما يجب أن تكون عليه.

منذ وقت ليس ببعيد، توقع العديد من المراقبين زوال الدول القومية، مع قيام هيئات عابرة للحدود مثل الاتحاد الأوروبي واتفاقيات التجارة الدولية التي قوّضت السيادة المحلية. أظهرت ردود الفعل القومية التي لا حصر لها أن وجهة النظر هذه ساذجة، ويبدو من الواضح الآن أننا بصدد بناء عالم أكثر انفتاحًا وعولمة، نحتاج أيضًا فيه إلى الحفاظ على الهويات الوطنية والحكومات.

تتمثل إحدى طرق تسوية هذه الدائرة في تشجيع القومية المدنية التي لا تقوم على العرق "الدم والتراب". عادة ما يتم اعتبار كندا نموذجا، ففي الوقت الذي كان الحزب الوطني الأسكتلندي يدفع بهذا باعتباره رؤيته عن الاستقلال. البعض يرفضها على أنها مفهوم ضعيف ومحدود للأمة. لكن الكنديين، على سبيل المثال، لا يطالبون فقط بجواز السفر، إنهم يحتضنون اللغات والتاريخ والتقاليد والمأكولات والرياضة والمهام التقليدية لأمتهم. هذه القيم المشتركة مهمة، ولا يمكن للهوية الوطنية أن تكون شاملة حقًا إذا لم تكن أكثر من مجموعة من الهويات الفرعية المتنافية.

تقريبا كل ما يكون الأمة هو بناء اجتماعي، وتسوء القومية عندما ينسى الناس هذا ويسقطون في خرافات الدم والتراب. قد يتحدث السكان عن أهمية "وطنهم"، لكن الثقافة غير المادية إلى حد كبير التي تدعمها هذه الأرض هي التي تهم حقًا.