تدوين- نصوص
ننشر في تدوين عبر سلسلة من الحلقات رواية "الوارث"، هذه الرواية التي تعتبر أولى الروايات الفلسطينية والتي فقدت في أعقاب نكبة 1948، وعثر عليها في إحدى الجامعات الإسرائيلية بعد 63 عاما على فقدانها.
وفيما يلي نص الحلقة الثالثة عشر:
ومرّت الأيام بعد ذلك والشيخ نعمان يتقدم في الصحة. وعزيز ينتهز الفرصة بعد الفرصة للاجتماع باستير. ولكنه لم يعد يجسر أن يذهب إليها ليلاً إلا بعد أن ينام جميع من في المنزل. وقد بقي على جفائه مع نجلاء ونفوره منها.
فلم يكن يجتمع بها إلا نادراً. وكانت هي لا تسعى لمقابلته ولا تظهر اهتماما بأمره بخلاف والدتها فإنها كانت تتوسل بكل وسيلة لاستمالته إلى ابنتها.
وكانت استير في هذه الأيام قد انتقلت إلى منزلها الجديد ورتبت الأثاث الذي ابتاعه لها عزيز وكانت شهرتها تزيد مع الأيام وقد كثر المعجبون بها والتف حواليها رهط من تبعة الملاهي وعبدة الشهوات وكانوا يترددون عليها إلى منزلها الجديد وفي مقدمتهم الكولونيل.
وكانت هي تظهر للجميع المودة والشغف وتقبل منهم الهدايا والتحف ولا ترفض دعواتهم إلى المآدب التي كانوا يقيمونها من حين إلى آخر. واتفق أن عزيزاً زارها في ذات يوم فرأى على مائدة في مخدعها
طبقاً من الفضة عليه دزينة من الفناجين الفاخرة فسألها عنها فقالت: إن صديقاً للكولونيل قد قدمها إلي أمس. فظهرت على وجه عزيز لوائح الكمد والاستياء وقد أخذت منه الغيرة مأخذها وقال: ولكني قلت لك يا عزيزتي مراراً أن لا تقبلي من أحد شيئاً لأني لا أقصر في تقديم كل ما تطلبين.
قالت: ولكنك نسيتني هذه المدة. ولعلك شغفت بعروسك الجديدة فلم يعد يهمك أمري فاضطررت أن اقبل ما يقدمه الغير.
قال: أنا لا أشغف بأحد سواك وأنت الحبيبة الوحيدة التي أحبها وأعبدها وأرجو أن ترفضي بعد الآن كل تقدمة تأتيك من غيري.
قالت: سأفعل ما تريد بشرط أن تقدم لي الآن هدية جديدة قال: ما عليك إلا أن تأمري وما علي إلا الطاعة والانقياد قالت إن الكولونيل وعد أن يقدم لي مع نفر من أصدقائه فراشة جميلة من الألماس. قال وهل وعدته بقبولها؟
قالت: لا. لم أعده بعد. قال: غداً تكون لك هذه الفراشة وستكون من الأنواع التي لا يستطيع الكولونيل ولا عشرة من أمثاله أن يقدموا مثلها.
قالت: قدم لي غداً الفراشة وادفع أجرة المنزل عن سنة كاملة ولا أريد شيئا غير ذلك الآن. فوعدها وجلس وإياها بعد ذلك في مخدعها يتطارحان من
حديث الهوى ما كان أرق من النسمات وأشجى من تغريد الأطيار. وقد سألته استير في أثناء ذلك عن حاله مع عروسه فقال: إنها عروسي بالإسم وستكون زوجتي كذلك. لأن لا عروس ولا زوجة ولا حبيبة لي سواك. وأنا أفضل صحبتك على كل ما في العالم من دواعي المسرة واللذة.
فضحكت استير ثم قالت ولكن لم تقل لي ماذا كانت هدية الخطبة لنجلاء. قال: حلي من عمي بقيمة ثلاثة آلاف جنيه. وكم كنت أتمنى لو كانت هذه الهدية لك لا لها. قالت: وهل أعطاها عمك بائنة (دوطة)؟
قال: نعم وقد أعطاها عشرة آلاف جنيه. قالت إنه كريم جداً وليس بخيلاً كما كنت تدعي. قال: إنه بخيل إلا في بعض أحوال لا يريد أن يظهر فيها إلا بما يليق بمقامه من الوجاهة والنبل.
وطال جلوس عزيز عند استير. وقد تناول وإياها طعام الغداء وشربا من الخمور المعتقة الفاخرة حتى سكرا. ولم يعد عزيز إلى المحل إلا العصر. وقد عاد وهو هائم الأفكار شارد اللب. واغتنم فرصة أخرى في اليوم التالي فذهب واشترى لاستر فراشة من الألماس من أحسن الأنواع وأثمنها وذهب فقدمها إليها. وكان سرور استير بهذه الهدية عظيماً جداً وقد قدرت
ثمنها بما لا يقل عن المئة جنيه. وكان تقديرها صحيحاً.