الأحد  22 كانون الأول 2024

نَبوءةُ النهدِ الأخيرة

2023-08-23 01:58:37 PM
نَبوءةُ النهدِ الأخيرة
لوجة للفنانة التشكيلية الأمريكية سيلفيا هيريروا بعنوان "تجدد"

تدوين- فراس حج محمد

ارفعي النهدَ على العرشِ يتلُ الجمالُ حكمتَهُ الفريدةْ

تسمعِ الكائناتُ سفرَ الجموحِ لتُهدى

يا أحسنَ القَصصِ التي تعلو على مهد السماءِ

لكيّ نشفَّ ونشفى

نهدكِ هذا اللغويُّ المنقوعُ بالألفاظ، بالحلماتِ، المتبجّحُ في الرؤيا، الراقصُ في لهبِ النار كمعنى الحدسِ، الساطعُ مثلُ القبّةِ، ضوءَ الشمسِ، هذا المحتدّ كحدّ السيفِ، كأنّ هذا النهدَ نهرٌ في القصيدةِ، كنزٌ كنزيّ الأرضِ، تخطّيْ فيه العتباتِ ودلّليه وحوري، وازرعيه كحبّة قمحٍ ينبتْ منه مائةُ نهدٍ يضاعفه الله إلى سبعمائةِ نهدٍ، ألفِ نهدٍ، ليشفع للنقّاد وللقرّاء، وتبردَ فيه العينُ، يُغْلَقَ  المنفى على قاطنيه فلا نعود لمنفى.

نهدكِ هذا حرباءُ الشهوةِ والخَطْفِ

الغارقُ في مكرِ الطرفِ

المتسلّل فينا بين القسوةِ والرأفةْ

بين النقمةِ والعطفِ

ارفعيه على العرش يخرّوا له سجّداً

غرقى

ومبتهلين وصرعى

والشاهدينَ على مسارحِ كَشْفِ

تُبَثُّ على الخلائقِ صِرْفا

نهدك هذا ثروة للمساكينِ، ثورة للعاطلين عن الحبِّ، وفروة للفقراءِ الحزانى الباحثينَ عن الدفءِ، قلباً وسقفا، وفيلسوفُ الصاعدين إلى سدرة المحتفى، الذائقينَ على نشوةٍ قطفتينِ، وزهرتينِ مغموستينِ برعشة جدولٍ يُفيض عليهمُ العسلَ المصفّى.

نهدك هذا الملاك المشبع بالغناء الإلهيِّ العاطفيِّ

المحمّل بالحظوة العارمةْ

عرّفيه على نوايانا الخبيئةِ تصفُ القلوبُ

وتخشعْ في تبتّلها

ليرضى الله عن هذا الوجودِ المرفّل حرفاً فحرفا

نهدكِ هذا النبيّ الجديدُ إلينا، كلّما أوحى لنفسهِ آية من آيِ حَلْمَتِه تعرّفْنا علينا وعرّانا من مساوئنا، نرتّل في صوامعنا في خلوة الإيمان هذه السورَ الجليلةَ، إذ صرنا الأتقياء، الأنقياء، وأصفى.

أيّها النهد المكثّفُ في ملامسنا، ملابسنا، وفي ملاسننا، محاسننا، تجلّ اليوم في محرابنا لتكتمل الصلاةُ، وأخرجنا من الظلمات إلى النور البهيِّ، لعلّنا نهدأ في تَقَلّبنا، فنُعْفى.

أيّهذا النهدُ قلْ: "بدأ العهدُ الجديدُ، فإنجيليَ هذا الذي أتلوه في حضرتكم مكتوب على صفحات صدري، فتغنّوا بي بما شئتم، وأنّى، ألا عِمتم بي صباحاً ومساءً، وعلى براحيَ الممتدّ عُمتمْ، لستُ أنفَدُ، أو أجفُّ، ولا أخِفُّ وأخفى، ولست أحفُّ ولستُ أحفى، ولستُ أيضاً أعفّ ولستُ أُعْفى، كلّما بادرتموني بخاطرة أو نظرةٍ، وسؤالٍ، يستلذّ اللانهائيُّ ويولد في المحاني ألف مرفى".

صدق النهد في نبوءته؛ فيا أيّها العطاشى الجائعينَ، السكارى الملحدينَ أقام هذا الإلهُ حجّته، فحجّوا إليه يكرمْ وفادتكم بأطيب ملفى، ويطعمكم من بعد جوعٍ، تأمنونَ، وتنضجونَ، وتأملون بأجرٍ من النعيم مُوَفّى.