الإثنين  29 نيسان 2024

الفنان محمود عباس: ناجي العلي أسس لمدرسة اللاسقف وأثره باقٍ فينا

في ذكرى اغتياله ال 36.. شواهد على استثنائية ناجي العلي

2023-08-29 11:17:56 AM
الفنان محمود عباس: ناجي العلي أسس لمدرسة اللاسقف وأثره باقٍ فينا
36 عامًا على اغتيال ناجي العلي

تدوين- سوار عبد ربه 

قبل 36 عاما رحل ناجي العلي تاركا وراءه مدرسة استثنائية في الفن والنقد، ما زالت قواعدها تؤثر في جيل رسامي الكاريكاتير الحاليين، يقول رسام الكاريكاتير الفلسطيني محمود عباس إن "النقطة التي وقف عندها ناجي العلي بدأ من عندها جميع رسامي الكاريكاتير الحاليين".

وفي ذكرى اغتيال ناجي العلي السادسة والثلاثين، التقت تدوين برسام الكاريكاتير محمود عباس، للحديث عن فنه واستثنائيته، وكذلك المدرسة الفريدة التي صنعها الراحل في قطاع الرسم الكاريكاتيري، والتي نقلت هذا الفن من موضع إلى آخر أكثر جدية وتأثيرا، وقيمة، بلغ حد الموت.

شواهد تضعنا أمام شخصية استثنائية

يقول محمود عباس، إنه "على مدار فترة القضية الفلسطينية، وحتى ما قبل فترة ناجي العلي وما بعدها، ظهر رسامو كاريكاتير كثر، وكذلك شعراء وكتاب ونقاد وفنانون، قدم كل منهم في مجاله ما يخدم القضية الفلسطينية، وحاول التعبير عن مأساة الشعب الفلسطيني بطريقته، إلا أن ليس بينهم أحد كناجي العلي.

وما يجعل العلي شخصية استثنائية بحسب عباس، كونه تميز بالنقد اللاذع، وكان متعمقا في جذب الانتباه والوعي من خلال رسوماته، بالإضافة لابتكاره شخصية حنظلة وهو طفل صغير يحلم في يوم من الأيام أن يعود إلى بلدة الشجرة في فلسطين المحتلة لا يبكر ولا يدير رأسه إلا بتحرير البلاد، كما أن ناجي العلي رسم ما يزيد عن 40 ألف رسم كاريكاتيري، الأمر الذي لم يصل إليه أي فنان في هذا المجال رغم الطرق المعاصرة التي تمكن الرسامين من إتمام أعمالهم في فترة زمنية وجهد أقل.

وبحسب عباس، فإن "هذه الشواهد كلها تضعنا أمام شخصية رائدة لم ولن تتكرر في قضيتنا الفلسطينية أو حتى عالميا، إذ لا يوجد رسام كاريكاتيري وصل إلى هذا القدر من الإبداع كما ونوعا".

توقعات حصلت

ومن الأشياء التي تنبأ ناجي العلي بوقوعها، وفقا لعباس؛ "التطبيع العربي مع الاحتلال الإسرائيلي، فعندما بدأ الراحل بلفت الانتباه إلى هذه المسألة، كان الرئيس المصري أنور السادات وحده من وقع اتفاقية تطبيع مع الاحتلال، ليلحق بها الأردن، وصولا إلى موجة التطبيع الأخيرة التي شملت الإمارات والمغرب والبحرين والسودان".

وبمعزل عن التطبيع، توقع ناجي العلي أيضا طريقة قتله، فكان كثير الرسم عن كاتم الصوت الذي قتله، كما تنبأ بالدور الذي لعبه مخيم بلاطة في الانتفاضة الثانية، وفي السكاكين كسلاح رئيس في الانتفاضة الأولى، يقول عباس: "كان ناجي العلي يستقرئ الأحداث من حوله، فتوحي له بما يمكن أن يحدث مستقبلا".

تمتع الراحل بهذه القدرة والندرة في استشراف المستقبل وحده، إذ يرى رسام الكاريكاتير محمود عباس أن رسامي الكاريكاتير الحاليين يمكن أن يرسموا عن أشياء ستحدث في المستقبل لكن ليس كناجي العلي، وقد يعود هذا إلى كثرة الأحداث من حولهم في الفترة المعاشة حاليا، مضيفا: "لا أتوقع أن يصل أحد منا إلى ما وصل إليه ناجي العلي حتى لو رسمنا عشرات الرسومات يوميا".

لو كان بيننا! 

"فترة ناجي العلي" ليست مرحلة قابلة للتجاوز، إذ ما زلنا نعيد نشر رسوماته المرتبطة بالأحداث الآنية، وربما في المستقبل أيضا، فهذه الرؤية المستقبلية التي انفرد بها صاحبها، جعلت منه ومن فنه محطة اقتباس نعود إليها بين حدث وآخر.

يقول محمود عباس: برحيل ناجي العلي خسرنا الكثير، فلو كان موجودا بيننا لكنا كرسامي كاريكاتير تواصلنا معه في فترة تسهل فيها عملية التواصل، ليكون مرجعا نعود إليه ونحاول أن نستمر على النهج الذي بدأه". 

ويضيف: "ناجي العلي ليس المدرسة الوحيدة في هذا المجال، إنما المدرسة الفريدة من نوعها، ففن الكاريكاتير تعود جذوره إلى آلاف سنين خلت، إلا أن ناجي العلي انفرد بمدرسة يمكن أن نسميها " مدرسة ناجي العلي"، أبرز خصائصها أنها تميزت بالنقد اللاذع، واللاسقف، إذ كان يوجه نقده للجميع، وعلى إثر هذا تلقى العديد من التهديدات بالقتل والتعذيب، بسبب رسوماته.

أما عن النقد اليوم في هذا المجال، أكد عباس على وجود العديد من الرسامين الحاليين واسعي الحدود، ذلك لأن النقد يأتي بسبب أخطاء وممارسات القيادات والأنظمة العربية أو المحلية الفلسطينية، وبما أن الأخطاء موجودة سيظل النقد لصيقا لها، إذا لم تكن الريشة مأجورة وغير مسيسة".

هذا ما تعلمه رسامو الكاريكاتير الحاليين من مدرسة ناجي العلي، الذي قال: "أنا لست محايدا"، وقال أيضا: "أنا ضد كل هذه الدكاكين السياسية".

اغتيال ناجي العلي بسبب رسوماته ومواقفه، لم يمنع رسامي الكاريكاتير من المضي في هذا المجال، ولا حتى من خفض سقف النقد، بجرأة وقوة، سيما وأن ما قبل ناجي العلي لم يعرف أحد أن الفنان قد يقتل أو يهدد بالتعذيب بسبب أعماله، ومن يكمل مسيرته بذات الطريق يعني أنه يمتلك القوة والجرأة، لأنه أصبح مدركا لمصيره، بحسب عباس.

وأشار عباس إلى أن عديدا من رسامي الكاريكاتير الفلسطينيين والعرب، تعرضوا للتعذيب، ومنهم من هدد بالقتل ومنع من دخول العديد من الدول العربية، كما حدث معه، إلا أنهم ماضون على درب العلي، الذي وضعه مرتين، الأولى بحبر قلمه والثانية بدمه.

"اللي بده يرسم عن فلسطين بده يعرف حاله ميت" بين الثمانينيات واليوم

"اللي بده يرسم ويكتب عن فلسطين بده يعرف حاله ميت"، الجملة الأشهر على لسان ناجي العلي، وقياسا للمعنى الذي ما زالت تحمله هذه العبارة في وقتنا الحالي فيما يتعلق بالاحتلال، أوضح محمود عباس أن المسألة جدية جدا، إذ يوجد صحفيون إسرائيليون مهمتهم فقط متابعة رسامي الكاريكاتير ورسوماتهم المنشورة، ليقوموا هم بدورهم بإعادة نشرها والكتابة عن تفاصيل شخصية متعلقة بصاحبها، بهدف التحريض عليه.

كما أن التقارير الإسرائيلية، دائما ما تربط المسألة بمعاداة السامية، الأمر الذي أفردت له إحدى الصحف تقريرا خاصا شمل رسومات عربية وفلسطينية، إلا أن الفنان أكد أن عبارة ناجي العلي بدأت به لكنها لم تنته عنده".

_______________________________________________________________

محمود نعيم عباس رسام كاريكاتير فلسطيني ولد في مخيم الوحدات للاجئين الفلسطينيين في الأردن وتعود أصوله إلى قرية حمامة جنوب فلسطين. وهو عضو في نقابة الصحفيين السويديين، والاتحاد الدولي للصحفيين، وشبكة الكرتون الدولية وفاز بالجائزة الفخرية World Humor Awards- البرتغال 2021، امتلك محمود عباس موهبة الرسم منذ الصغر، واشتهر في انتفاضة الأقصى برسم اللوحات المناهضة للاحتلال الإسرائيلي على الجدران في مخيمات ومدن قطاع غزة.

وبين عامي 2006-2007 استشهد والده وشقيقه، ما دفعه إلى البدء برسم الكاريكاتير، حيث وجد فيه في البداية وسيلة للتعبير عن الفقد، وانطلق بعدها لرسم آلاف اللوحات التي ارتبطت بمناسبات أو أحداث وطنية.