تدوين- يحدث الآن
شهد مهرجان البندقية السينمائي في دورته الثمانين التي تتواصل حتى التاسع من سبتمبر الجاري، سابقة عالمية مع عرض فيلم “تاتامي”، وهو ثمرة تعاون غير مسبوق بين سينمائيَّين متحدّرَين من بلدين عدوّين، إيران وإسرائيل. اللافت في الفيلم هو ما أشار إليه مخرجه الإسرائيلي الذي قال "إن الفيلم قد صور بالسر حتى لا تتدخل فيه إيران".
يروي الفيلم، الذي عُرض في فئة “آفاق” الموازية، للمخرجة الإيرانية زار أمير والمخرج الإسرائيلي غاي ناتيف، قصة لاعبة جودو إيرانية تُدعى “ليلى” ومدّربتها “مريم” اللتَين ترفضان خلال بطولة العالم في جورجيا الامتثال لطلب حكومتهما الانسحاب من البطولة تفاديا لمواجهة لاعبة إسرائيلية.
وحاول النظام الإيراني دفع “ليلى” بالتظاهر بالإصابة وعدم خوض المباراة وإلا تهددها باتهامها بالخيانة.
ولا تعترف إيران بحق إسرائيل في الوجود ومنعت رياضييها من اللعب أمام إسرائيليين. وفي واقعة ألهمت منتجي فيلم “تاتامي” الفكرة، قرر الاتحاد الدولي للجودو في عام 2021 إيقاف إيران لمدة أربع سنوات بسبب الضغط على أحد لاعبيها حتى لا يواجه إسرائيليا.
وقالت زار أمير (42 عاما)، واسمها الحقيقي زهراء أمير إبراهيمي، المشاركة في إخراج العمل الذي تلعب فيه أيضًا دور “مريم” لوكالة فرانس برس الأحد “تعلّمت في المدرسة أن إسرائيل غير موجودة”.
وأضافت “لذلك، لا يُسمح لنا بالعمل سويًا أو الالتقاء أو نسج صداقة أو منافسة هذا العدو الوهمي”.
وتعيش زار أمير المولودة في طهران في المنفى بفرنسا، لذلك فهي “حرّة في اختيار هذه المواضيع” التي تتحمل “مسؤولية” سردها، وفق قولها.
وتابعت “سيحمل الفيلم أيضًا بعدًا سياسيًا لكن هذه ليست مشكلتي”.
وفازت زار أمير بجائزة أفضل ممثلة في مهرجان كان السينمائي في العام 2022 عن دورها كصحافية مشاكسة في فيلم التشويق “عنكبوت مقدّس” حول قاتل متسلسل لعاملات الجنس في مدينة مشهد الإيرانية.
وقالت أيضًا “في إيران، لا يمكن للسينمائيين قول الحقيقة فعليًا، يمكنهم معالجة هذه المواضيع لكنها ستُظهر دائمًا نصف الحقيقة”.
وسبق أن احتجزت طهران مخرجين اتّهمتهم بالدعاية ضد النظام مثل جعفر بناهي ومحمد رسول آف.
وحُكم على المخرج سعيد روستايي ومنتج فيلمه “إخوة ليلى” بالسجن ستة أشهر لعرض الفيلم (الممنوع عرضه في إيران) في مهرجان كان السينمائي في العام 2022 “من دون إذن”. وندّد هذا الأخير بـ”اعتداء خطير على حرية التعبير للفنانين والسينمائيين والمنتجين والفنيين الإيرانيين”.
ولا يترّدد السينمائي الإسرائيلي المشارك في إخراج فيلم “تاتامي”، ومخرج فيلمَي “سكين” (2018) و”غولدا” (2023) الذي تؤدي فيه الممثلة هيلين ميرين دور رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير، في رسم مقارنة جريئة بين إيران وإسرائيل.
وقال، جالسًا إلى جانب زار أمير على مقربة من قصر السينما في جزيرة الليدو “في ما يشبه المعجزة، يحصل ما يمكن وصفه بالثورة في إسرائيل وإيران. في إسرائيل، الثورة ضدّ ما يفعله رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بحقّ الديمقراطية”.
وأضاف “نحن بلدان متشابهان بعض الشيء ويعيشان العملية نفسها بطريقة ما”.
من جهتها، قالت الممثلة الإيرانية إلى جانبه إنها “مغمورة بالأمل والإيجابية” حيال الحركة الاحتجاجية التي بدأت قبل عام بعد وفاة الشابة مهسا أميني (22 عامًا) بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق في طهران لعدم امتثالها لقواعد اللبس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.
وأضافت “أعتقد أن النساء يعملن على تغيير الوضع وأن العودة إلى الوراء غير ممكنة. تأثرتُ بشجاعتهنّ، خصوصًا شجاعة الأجيال الشابة”.
وتابعت “إنها ثورة مستمرة (…) أحبّ فكرة أن باستطاعتنا أخيرًا اختيار ما سنرتدي وكيف سنتصرّف”. وقالت أيضًا “الرجال باتوا يدعمون النساء، وهذا جديد”.
ووُزّع فيلم “تاتامي”، الذي سيُعرض في العام 2024، في دول أوروبية عدة.
وأشار المخرج ناتيف إلى أن الفيلم أثار ردودًا كثيرة في إسرائيل لأن “الناس يرون هذا التعاون فعلًا ثوريًا”. وتابع “آمل أن يمهد ذلك الطريق لتعاون آخر بين الإسرائيليين والإيرانيين في مجالات أخرى مثل الموسيقى”.
وأكد المخرج الإسرائيلي أيضا أن أول فيلم من إخراج إيراني – إسرائيلي مشترك جرى تصويره سرًا لمنع تدخل محتمل من طهران.
وصورت زهراء وناتيف الفيلم في جورجيا التي كانت ذات يوم جزءا من الاتحاد السوفييتي السابق ويمكن للإيرانيين زيارتها بسهولة. وأقام الاثنان في فندقين منفصلين وتحدثا الإنجليزية ولم يعلنا أنهما كانا يصوران مثل هذا الفيلم المشحون سياسيا.
وفرّت زهراء الحائزة على جائزة أفضل ممثلة في مهرجان كان عام 2022 عن فيلم “العنكبوت المقدس” من إيران عام 2008 خوفا من السجن والجلد بعد تسريب فيديو خاص لها.
وقالت إنها اضطرت للتفكير مليا في العواقب المحتملة قبل قبول عرض ناتيف لإنتاج الفيلم الذي صور بالأبيض والأسود على غرار البرامج التلفزيونية القديمة.
وأضافت أن إسرائيل ينظر إليها باعتبارها عدوا عنيدا يُزرع في أطفال إيران. وقال ناتيف إن نفس الشيء يحدث أيضا في بلاده التي تصور إيران على أنها تمثل تهديدا وجوديا.
وكشف ناتيف أنه ساعد زار على زيارة إسرائيل سرا، وهو الأمر الذي تحظره طهران تماما على مواطنيها.