تدوين- تغطيات
ضمن فعاليات معرض فلسطين الدولي الثالث عشر للكتاب، نظم المجلس الملي الأرثوذكسي الوطني- نادي حيفا الثقافي ضمن برنامج "عشق الوطن يجمعنا" و"ثقافة فلسطينية واحدة"، بالتعاون مع وزارة الثقافة الفلسطينية، ندوة بعنوان "الرواية وتاريخ المدن" شارك فيها كل من: رياض كامل، جوني منصور، صباح بشير، لبابة صبري، وأدارتها أسمى وزوز.
وفي مداخلته التي حملت عنوان "المدينة الفلسطينية في رواية ما قبل النكبة"، قال الناقد والكاتب الفلسطيني رياض كامل، إن الرواية ليست مصدرا تاريخيا ولم تكن ولن تكون مصدرا للتاريخ؛ لأنها في صلبها عمل تخييلي فلا نستطيع أن ننظر إليها على أنها مصدر تاريخي، لكنها تستطيع أن تقدم للقضية الفلسطينية ما لا يقدمه التاريخ، لأن التاريخ ودوره الكبير يقدم زوايا معينة بلغة تقريرية، لكن الرواية لها لغة أخرى شاعرية.
وأضاف: "استعت دائرة الرواية الفلسطينية التي تستمد أحداثها من التاريخ الفلسطيني منذ العصر العثماني مرورا بالاستعمار البريطاني، والصراع العربي اليهودي منذ أكثر من مئة عام ولذلك من الطبيعي أن أتوقف عند هذا الجانب.
وأردف: "إن الفضاء الروائي الفلسطيني هو العنصر الأهم في عناصر الرواية العربية؛ لأنه تعرض للسلب ولا يزال، وهناك خشية حتى مما بقي؛ لذلك الفضاء الروائي من فضاء المدينة نالت قسطا وافيا من هذا العمل الكبير، حتى لو نظرنا إلى الرواية التي كتبت عام 1929، سنجد أن هنالك تخوفا من مصادرة وضياع فلسطين لدى المثقفين".
وتابع: "للمدينة الفلسطينية دور هام في تاريخ القضية الفلسطينية، وجورها الريادي في عجة مجالات قبل النكبة، وذلك لأسباب عدة، أهمها نشأة فئة من المثقفين في داخل المدينة، نظرا لتوفر المدارس فيها، وانعدامها في القرى، كما توفرت الكهرباء فيها، مما أتاح إمكانية إقامة مسارح ودور سينما ومطابع تساهم كلها في نشر الوعي".
كما أتاحت الحياة في المدينة لأهلها التواصل مع المدن العربية الأخرى في مواقع أخرى، حتى مع مناطق أخرى خارج الوطن العربي، ومن المدن التي قامت بدور ريادي على المستوى الفكري والاجتماعي والسياسي: يافا، القدس، وحيفا، بالإضافة إلى مدن أخرى لاقت اهتماما في الرواية مثل عكا، طبريا، الناصرة، بيت لحم، بيت ساحور، واليوم نجد أن هناك دورا لنابلس ورام الله في الراوية الحديثة"، وفقا لكامل.
وتطرق الناقد في مداخلته إلى أول روايتين فلسطينيتين، وهما الوراث لخليل بيدس وفضاؤها الرئيسي القاهرة، والحياة بعد الموت لإسكندر الخوري البيتجالي وفضاؤها الرئيسي في القدس، نطلع من خلالها على معلومات غنية عن القدس وبيئتها الاجتماعية والفكرية والسياسية، وعلاقتها بالمدن العربية، وتوفر المنتديات الأدبية فيها، وما جلبته الحرب العالمية الأولى من متاعب ومشقات لأهل القدس، جعلت بعضا يخسر أمواله وأملاكه، وهروب الشباب العربي من الجيش العثماني ومقتل بعض الفارين، وغيرها. بالإضافة لمجموعة روايات أخرى.
أما الكاتبة صباح بشير فعرجت في مداخلتها على نشأة الرواية، ودورها، وعن الحيز المكاني فيها، وظهور الرواية التاريخية في الغرب، والوطن العربي.
وفي الحالة الفلسطينية، قالت بشير "إن مفهوم المكان ارتبط بالكاتب بأبعاده الجغرافية والتاريخية والثقافية والاجتماعية، وشكل المكان بعدا أساسيا من أبعاد النفوس الروائية الفلسطينية، بشكل عام، من ذلك البعد يتكون السرد وينمو، فالمكان ليس مجرد خلفية تدور حولها الأحداث الدرامية في أي عمل روائي فلسطيني، بل هو مكون فعال من مكونات النص، يساهم في تطور الشخصيات ويؤثر في سلوكها، من خلاله يشيد الكاتب، ذلك الفضاء النصي الذي ينبض بالحركة والحياة والدلالات والصور الأدبية، الجمالية الثرية".
وهذا يمنح الفلسطيني هويته، يسترجعه للحنين والتذكر منسوج هو بالذاكرة الجمعية والتخيل، يحمل خصوصية ودلالة عميقة في أعمالنا الأدبية المحلية، لذلك فقد أولى الأدباء اهتماما خاصا بالمدن الفلسطينية، كشفوا عن ذخائرها وأسرارها ومساراتها المتقلبة عبر الزن، جعلوا منها مركزا محوريا في أعمالهم وقاموا بتوثيق أحداثها ووصفها بدقة، لتغدو تلك الأعمال ذاكرة أمينة تحفظ للأجيال القادمة ملامح الهوية والتاريخ"، وفقا للكاتبة.
أما المؤرخ والباحث الفلسطيني جوني منصور، فبدأ مداخلته بالقول: "الرواية هي حلقة وصل وبط قوية جدا بين النص التاريخي الجاف، وبين رغبة الإنسان في أن يعرف تفاصيل تربط بين كثير من القضايا والأحداث وما شابه".
وتحدث منصور عن المكان، الهوية، وأهمية المركبات المتعلقة فيهما، من خلال رواية عائد إلى حيفا لغسان كنفاني، ورام الله لعباد يحيى، مشيرا إلى أن المكان بشكل عام هو هوية الإنسان، وفي حال فقدانه تتشوه الهوية وتكون ناقصة، والمكان في هذا السياق هو الأشخاص المكونات المادية الملموسة والمعالم العمرانية بوجه خاص".
والمكان في الحالة الفلسطينية والرواية التاريخية الفلسطينية وفقا للمؤرخ، يلعب دورا جوهريا؛ لأنه مكان حلت عليه حالة من الاغتراب، إما كلي، أو مرحلي وجزئي، أي أنه لم يتم تطهيره من أهله الأصليين ومن الوافدين إليه من تشكلات حديثة للمدينة، إنما حالة الاحتلال المستمرة، هذه الحالة لعبت دورا في تاريخ المدن الفلسطينية في الداخل، والضفة الغربية، وقطاع غزة.
وفي الخلاصة، قال منصور: "صحيح أن المدن تتغير وتتبدل لكن ذلك يتماشى مع محور زمني يأخذ بعين الاعتبار مكونات عدة، منها الحفاظ على الموروث العمراني وهو الذي يشكل هوية المدينة، في حالة "عائد إلى حيفا" تم تدمير قطاعات وأماكن كثير ضمن مشروع الاحتلال الاقتلاعي التدميري الذي انتهجته الاحتلال لبناء هوية جديدة للمكان، وتسيير عجلة التاريخ وفقا لها بعد توقف عجلة تاريخها الطبيعي عام 1948، أما في "رام الله" فالتدمير والتغيير الحاصل في المدينة هو بفعل أصحابها ومالكيها الجدد لتكون جديدة غير تلك التي عرفناها، إذن تأتي كل رواية على تصوير وكتابة تاريخ المجن برؤية مختلفة في التفاصيل لكنها متشابهة في كونها أيقظت الإنسان منها بهذا الفعل وبذاك الفعل".
وأخيرا، قدمت الباحثة والمحاضرة لبابة صبري قراءة نقدية لرواية "الملاحق المسيحي الأخير"، الصادرة حديثا للكاتب هاني السالمي والتي تتحدث عن الحياة الاجتماعية في غزة.
ومما جاء في القراءة: "يقوم الكاتب بإثارة اهتمام القارئ من خلال التكنيك المستخدم في نص الرواية، وذلك بابتداع قصة بطلها ميشال عواد، ويقوم الكاتب بالتحدث مع البطل لكتابة رواية يكون فيها البطل نفسه، ولكن باسم آخر هو نضال الرجعي، ويحدث جدالا بين الكاتب والبطل حول طريقة خلق شخصية نضال الرجعي حيث يعيش البطل ميشال عواد الوحدة والقلق في غزة، ويكون قلقا من الأحداث التي سيواجهها والتي سيؤول إليها شخصه نضال الرجعي. ويسأل الراوي إن كانت نهايته الموت، لتضحى شخصية نضال الرجعي من الخيال، ويقوم الكاتب في نهاية الرواية بتوحيد مصير شخصية البطل ميشال عواد ونضال الرجعي وهو التوجه إلى المقاومة والقتال ثم الموت، وبهذا يواجه القارئ نصا يبتدعه الكاتب بحيث يعالج السرد فيه، ويخلق نصا يلبي متطلبات الشخصيتين الموجودتين، واللتان تعبران عن البطل نفسه الغزاوي المسيحي".
لمتابعة الندوة كاملة: