تدوين- تغطيات
ضمن فعاليات معرض فلسطين الدولي للكتاب، نظمت وزارة الثقافة ندوة بعنوان "الفن التشكيلي، سؤال الهوية" شارك فيها كل من: سليمان منصور، نبيل عناني، محمد الجالوس، وأدارها خالد حوراني.
وتمحورت الندوة حول مفهوم الهوية، سيما وأنها عند الفلسطينيين لها معنى خاص جدا، بحكم حكاية الفلسطينيين، إذ أن أسئلة الهوية قد تكون غير محملة بهذه الأسئلة الكبيرة عند شعوب أخرى، كما في فلسطين، بفعل النكبة التي لم تقتلع الشعب من أرضه فحسب، إنما خلقت حربا على أغانيه، ولباسه، وطعامه، ومطبخه، وفقا للفنان التشكيلي خالد حوراني.
وفي مداخلته قال الفنان محمد الجالوس إن موضوع الهوية يأخذ دلالة خاصة في البعدين السياسي والفني؛ لأن الشعب الفلسطيني مداهم ومطارد في هويته، ما يعني أنه يجب إعلاء صوت الرواية الفلسطينية، كي تبقى حاضرة، كي لا تلغى؛ لأن هناك من يحاول إلغاءها وإلغاء ديمومتنا وصدقيتها.
ويرى الجالوس أنه في الموضوع الفني الأمر يختلف إلى حد ما، لأن موضوع الهوية في الفن متشعب وشائك، ويمكن أن يؤلف عنه كتب كثيرة، لأن الهوية هويات، فهناك هوية إنسانية في الفن، مر فيها تاريخ الفن منذ اللوحة المسندية التي قدم فيها الفنان التشكيلي أعماله منذ مئات السنين، وهي هوية ممتدة، وحتى الهويات الأخرى التي تتفرع منها كالوطنية، كأن يكون هناك فن تشكيلي فلسطيني ذا هوية فلسطينية بعناصر ومكونات ودلالات فلسطينية، هو جزء من الهوية الإنسانية الشاملة التي تضم كل المجهود التشكيلي والفني العالمي.
واعتبر الفنان أن التراث الإنساني في الفنون تراث شامل، وهو الأوسع والأبقى، فحتى الهويات المتفرعة والبسيطة إذا لم يكن هناك رابط إنساني يربطها جميعها تكون مجزوءة وغير مكتملة وبالتالي سندها الهوية الكبرى الأم الإنسانية.
وفيما يتعلق بالهوية الفردية التي تعبر عن هوية الفنان الفردية، ومنها يتفرع كل أنواع الهويات المختلف والمتفق عليها، سواء الهوية الإنسانية أو الوطنية التي تهتم بوطن ما ومنجز شعب ما، وهذه الهوية الفردية إذا ما قدمها الفنان باقتدار وكان مخلصا لعناصر هويته الفردية التي هي غير مفصولة عن معاشه اليومي وتاريخ شعبه، وتراث أمته، ولغته التي يتحدثها، يستطيع أن يكون إنسانيا، إذا ما أخلص لمفهوم هويته الفردية التي هي هوية خاصة به كفنان، يقدم نموذج فني شخصي ينطوي على تقنيات معينة، وأساليب معينة، وفقا للجالوس.
من جانبه، اعتبر الفنان نبيل عناني أن ما ينطبق على فلسطين، ينطبق على الدول الأخرى، وتجربة الحركة التشكيلية في فلسطين كانت من أساسها قبل عام 1967 وما بعده، كلها معنية بالهوية والثقافة الفلسطينية والعربية، وأحيانا الإسلامية، إلا أنها مرت بتجارب مريرة ومليئة بالتحدي والعمل المتواصل، فمجرد أن تنجز لوحة ضاف إلى الهوية شيء، إذا كانت لوحة مبدعة.
ومرت الحركة التشكيلية في ظل الاحتلال بمراحل صعبة جدا، وفقا لعناني، كأن مُنع التشكيليون من رسم العلم الفلسطيني، والقضبان، والأسلاك والقبضات، وغيرها من الرموز المهددة التي تجسد الهوية الفلسطينية.
ولتغذية الهوية الفلسطينية، أقام التشكيليون الفلسطينيون عددا من المؤسسات كالواسطي للفنون في القدس، التي أسهمت في اجتذاب معارض أجنبية وعربية، بالإضافة إلى رابطة الفنانين التي عملت سنويا على إقامة معارض متجولة في كافة أرجاء الوطن، ما خلق نوع من التعاطف بين الفنانين والجمهور الفلسطيني، إلى جانب مؤسسات أخرى كالحلاج وأكاديمية الفنون التي شكلت جزءًا مهما من الهوية، وساهمت في إطلاق عشرات الفنانين الذين أصبح لهم دورهم اليوم في المجتمع.
أما الفنان سليمان منصور فاعتبر أن موضوع الهوية معقد، وهو موضوع تجريدي ليس له شكل معين، حيث أخذ الفنانون الذي يعملون في الفن البصري على البحث عن رموز للتعبير عن الهوية التي ينكر المحتل وجودها، ما يعني أن وجودنا أصبح مرهونا بوضع سياسي ورمزي.
ومن ضمن الرموز التي اتخذها الفنانون كتعبير عن الهوية الفلسطينية، وفقا لمنصور، الطبيعة بما فيها الأشجار، السلاسل، الطيور، والورود، بالإضافة إلى الأزياء الشعبية والتطريز.
ويرى منصور أن الفنانين اتخذوا دورا بارزا في إثبات الهوية ومحاربة الاحتلال من جهة، وإثبات وجوده على الساحة الدولية من جهة أخرى، كفنان جيد وليس بكاءً.
وفيما يتعلق بالتحديات التي تواجه الفن التشكيلي اليوم، بمعزل عما يفرضه الاحتلال على الهوية الفلسطينية، قال الفنان خالد حوراني، إنه بفعل ضغط العولمة والسوق المفتوح العابر للحدود والقارات، تغير مفهوم الدولة الوطنية التي تمتلك أدوات لتعبئة جمهورها والحديث معه عن الهوية بعيدا عن الأيدولوجيا، من النشيد الوطني للأخبار للمسلسلات والأفلام والكتب المدرسية المعينة، إلى عالم فيه هويات مهددة بالمحو.