تدوين- آراء ومدونات
فنكلشتين عالم سياسة يهودي أمريكي خسر موقعه في التدريس الجامعي منذ عشرين سنة بسبب مواقفه "المعادية للسامية" ويصنفه الصهاينة "يهودياً كارهاً لنفسه". من كتبه المهمة "صناعة الهولوكوست" و "غزة: بحث في استشهادها" والعديد من المقالات والمقابلات والمحاضرات المكرسة لحق الشعب الفلسطيني في مواجهة مشروع التطهير الإسرائيلي/الغربي.
قبل ثلاثة أيام قدم نورمان ومعين رباني تصورهما حول ما يجري في غزة حالياً موضحين أن دعم إدارة بايدن لإسرائيل لم يأت فقط من خلفية الدعم الأبدي لإسرائيل فحسب، وإنما من إحساس الأمريكي بأن هجوم حماس في السابع من تشرين وجه ضربة للهيمنة الأمريكية في المنطقة. لقد اتضح أن قلعة الولايات المتحدة العسكرية الأكبر ضعيفة إلى درجة مقلقة، ولذلك أسرعت الولايات المتحدة إلى إرسال حاملات طائراتها وغواصاتها النووية لاستعادة هيبتها بوصفها القوة المهيمنة العالمية الوحيدة. ولذلك من التبسيط بمكان الاعتقاد أن حب إسرائيل هو الدافع الأمريكي الوحيد ومن هنا صحة الرأي الذي أدلى به حسن نصر الله حول امتياز هذه المواجهة بأن الأمريكي شريك حقيقي مباشر فيها.
معين راباني يرى أن الرد الإسرائيلي/الأمريكي على هجوم حماس لن يصل إلى مستوى الاجتياح الكامل للقطاع، لأن الجيش الإسرائيلي يمتلك حقاً قوة تدميرية هائلة من الجو، ولكنه أثبت أنه ليس فعالاً تماماً في المواجهات البرية، مثلما اتضح في مواجهة 2006 أو مثلما يتضح الآن في غزة. لقد قامت إسرائيل بتدمير أحياء بأكملها وقتلت أعداداً هائلة من المدنيين. ولعل من الجدير بالملاحظة أن عدد من قتلوا من موظفي الأمم المتحدة قد يكون أكبر من عدد من قتل من المحاربين الفلسطينيين. وهكذا يبدو أن ما نراه هو عملية تدفيع ثمن السابع من تشرين من دماء المدنيين عوضاً عن القيام بحملة عسكرية حقيقية تهدف إلى مواجهة مقاتلي حماس.
وفي الاتجاه نفسه يرى فنكلشتين أن ما يجري يهدف أولاً إلى معاقبة لغزة على قدرتها على إذلال الماكينية العسكرية والاستخبارية الإسرائيلية: لا بد من إيقاع خسائر جسيمة بالفلسطينيين لمحو صورة النصر الساطع المحقق في السابع من تشرين. الهدف الثاني من الهجوم الإسرائيلي هو استعادة صورة الردع الإسرائليية في مواجهة العرب باعتبار ان ما جرى يقوض صورة إسرائيل المخيفة في عيون العرب. لقد قام حزب الله بهز صورة اسرائيل سنة 2006 على نحو مؤثر، ولكن قيام غزة بتكرار الفعل أمر لا يطاق لأن غزة صغيرة جداً، وقيامها بذلك فيه إذلال رهيب لإسرائيل، ولذلك لا بد من التعويض بقصف جوي رهيب يستهدف المدنيين ما دام الفعل على الأرض لن يحقق النتيجة المرجوة. أخيراً رأت إسرائيل أن هناك فرصة للتخلص من غزة التي حلم إسحق رابين منذ العام 1992 أن يبتلعها البحر. ولذلك حاول القادة الإسرائيليون في بداية العملية دفع سكان غزة باتجاه سيناء الأمر الذي أجهضه على ما يبدو موقف الرئس المصري.
إضافة إلى صمود مقاتلي القسام هناك شبح يخيم فوق المواجهة يمثله حزب الله الذي لن يسمح بحسب معين رباني بنهاية حماس. من الواضح أن نصر الله يلتزم بحسابات معقدة في لبنان خصوصاً، ولكنه أوضح أن هذه الحسابات ستذهب في حال سبيلها إذا لم تتوقف اسرائيل عند نقطة معينة تتصل بالتهديد الوجودي لحماس. وهذا يلامس وتراً حساساً لدى الولايات المتحدة التي تتصرف باعتبار أن الحرب حربها بالذات، ولكنها تخشى أن تتوسع الأمور. لهذا السبب نرى بعد فشل سياسية بايدن/بلينكين ظهور وليم بيرنز في الصورة لكي ليحاول تقديم رؤية أكثر واقعية.
في ختام اللوحة يبدو الآن جلياً أن حاملة الطائرات الأميكية الجافة التي تحدث عنها رونالد ريغن قد ذابت تحت حرارة ضربات حماس يوم السابع من تشرين، واليوم يتضح أن إسرائيل ستفقد الكثير من أهميتها بعد انجلاء المعركة، وأن الولايات المتحدة ستضطر إلى القيام بمهامها بنفسها. إن زمناً جديداً يولد في الشرق الأوسط لن يعود فيه لإسرائيل الدور الذي اعتادت على الاضطلاع به.