تدوين- آراء ومدونات
ترجمة: أحمد أبو ليلى
نشر في: The Nation
إن حق الشعب اليهودي في أرض إسرائيل أبدي ولا يقبل الجدل… لذلك لن يتم تسليم يهودا والسامرة لأي إدارة أجنبية؛ وبين البحر والأردن لن تكون هناك سوى السيادة الإسرائيلية. — منصة حزب الليكود، 1977
يبدو أن شعار "من النهر إلى البحر" يتمتع بقوة كبيرة، لدرجة أنه دفع مجلس النواب الأمريكي إلى توجيه اللوم إلى أحد أعضائه الذي قام باستخدامه، ودفع جامعة كولومبيا إلى إغلاق منظمتين طلابيتين ردد أعضاؤهما الشعار اليهودي، وهما صوت السلام وطلاب من أجل العدالة في فلسطين. وقد حذت جامعات أخرى حذوها منذ ذلك الحين.
وبينما انخرطت هذه الهيئات الموقرة في مداولات حول الانتهاكات الجسيمة التي ينطوي عليها التلفظ بهذه الكلمات، كان أكثر من 100 طفل يموتون يوميًا في غزة تحت وابل من عشرات الآلاف من القنابل والصواريخ والقذائف وقذائف المدفعية الإسرائيلية، والتي قامت بصنع العديد منها شركات أمريكية. والتي استثمرت فيها جامعة كولومبيا ودفعت تكاليفها من قبل دافعي الضرائب الأمريكيين.
بعيدًا عن كونها مجرد شعار، فإن هذه العبارة تجسد الطموحات الطويلة الأمد لليمين الإسرائيلي والواقع الذي فرضته إسرائيل على فلسطين منذ عام 1967.
وفي الوقت نفسه، كان الوزراء الإسرائيليون يتحدثون عن فرض "النكبة 2023" على غزة (وهو صدى للتطهير العرقي الذي قامت به إسرائيل عام 1948 ضد 750 ألف فلسطيني)؛ وتم إجبار أكثر من 1.7 مليون من سكان غزة على ترك منازلهم؛ وقُتل أكثر من 14000 شخص (حوالي 6000 منهم أطفال) وجُرح 30000 شخص؛ وخرجت معظم المستشفيات من نطاق الخدمة؛ وتعرضت نصف المباني في قطاع غزة للتدمير أو الأضرار. أبعد من هذه الأرقام، وبالنسبة للكثيرين، سنجد أنها كانت مجرد أرقام، وتختفي تحتها وحشية كبيرة، فكيف يمكنك توضيح الأسماء والوجوه والقصص الشخصية لآلاف الرجال والنساء والأطفال القتلى، خاصة عندما يقوم معذبوهم بقطع الكهرباء، وفي بعض الأحيان قطع الاتصالات عبر الإنترنت والهاتف، ومنع الصحفيين الغربيين من الحضور ليشهدوا محنتهم؟
منذ اليوم الأول لهذه الحرب، أمر وزير الدفاع يوآف غالانت، الذي قال إن إسرائيل تحارب "حيوانات بشرية"، بقطع ليس فقط الكهرباء، بل أيضا قطع إمدادات المياه والأدوية والغذاء والوقود، في انتهاك للمادة 23 من ميثاق الأمم المتحدة. واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، التي تنص على "حرية المرور لجميع إرساليات المخازن الطبية ومخازن المستشفيات و... جميع إرساليات المواد الغذائية الأساسية". وبينما دعا الرئيس بايدن إلى إيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة، فإن الولايات المتحدة لم تفعل حتى الآن الكثير لتحقيق ذلك، باستثناء إقناع إسرائيل بالسماح بدخول قدر ضئيل من إمدادات الإغاثة (باستثناء الوقود)، كما لو أن الولايات المتحدة قد قامت بذلك. فلا قوة لفعل أي شيء أكثر من ذلك.
ويشكل قطع هذه السلع الأساسية، وكذلك المياه والكهرباء والوقود، جريمة حرب، لا تقل عن جريمة قتل غير المقاتلين، سواء كانوا إسرائيليين أو فلسطينيين، أو الطرد الجماعي لـ 1.7 مليون شخص من أحد أجزاء القطاع غزة إلى جزء آخر في غزة. لكن إدارة بايدن وحلفاؤه الغربيين لا يرفضون فقط الدعوة إلى وقف القصف والتطهير العرقي. فهم لا يستطيعون حتى أن يطالبوا، تحت طائلة العقوبات، بأن تقوم إسرائيل بفتح صنابير الكهرباء والمياه، أو أن تسمح إسرائيل بتسليم مئات الشاحنات من الأدوية والغذاء والوقود يوميا اللازمة لتلبية احتياجات 2.3 مليون شخص، معظمهم من الأطفال. فالقائد العام غير راغب في أن يأمر الأسطول الأمريكي الضخم المتمركز بالقرب من البحر الأبيض المتوسط بإيصال الإمدادات المطلوبة إلى غزة وإجلاء العدد الكبير من الجرحى، وهو ما يمكن القيام به بسهولة، بغض النظر عن رغبات المحاصرين.
إنه يجسد الواقع الذي فرضته إسرائيل على فلسطين منذ عام 1967. إذ تسيطر إسرائيل على كل الأراضي الواقعة بين البحر أبيض المتوسط ونهر الأردن،
في مواجهة قسوة من هم في السلطة الذين يرفضون فرض وقف لإطلاق النار الإسرائيلي على قطاع غزة، يقف عدد قليل من أعضاء الكونجرس الشجعان، والمتظاهرين في الحرم الجامعي، وخلفهم أعداد كبيرة من المواطنين الغاضبين ضد مشاركة بلادهم في المذبحة والقتل، وفي العقاب الجماعي للسكان المدنيين في غزة. وبدلاً من الإشادة بشجاعتهم في المطالبة بالمحاسبة على القتل الجماعي والتطهير العرقي، فإن الكونغرس الوقح وإدارة الجامعة الضعيفة يحاسبونهم على استخدام عبارة تطالب بالحرية في كامل وطنهم لشعب عانى منذ عام 1917، وظل تحت الحكم الأجنبي ولم يسمح له بتقرير المصير. بطريقة ما، في "أرض الأحرار" تصبح الدعوة إلى الحرية الفلسطينية مطلباً كريهاً وبغيضاً.
المفارقة الكبرى فيما يتعلق بالادعاءات حول كراهية مثل هذه العبارة - وصفها أحد مديري الجامعة بأنها "إبادة جماعية" - هي أن هذه الفكرة هي أكثر بكثير من مجرد شعار بسيط عندما يتعلق الأمر بإسرائيل. بل إنه يجسد الواقع الذي فرضته إسرائيل على فلسطين منذ عام 1967. إذ تسيطر إسرائيل على كل الأراضي الواقعة بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن، وهي المنطقة التي تشكل بكل المقاصد والأغراض دولة واحدة تخضع لنظام أمني واحد وسيادة واحدة.
إن الدافع لإنشاء "أرض إسرائيل الكبرى" هو الهدف الأيديولوجي المركزي لحزب الليكود، الذي يهيمن على السياسة الإسرائيلية منذ عام 1977. وقد تم تكريس الالتزام بإسرائيل الكبرى في "القوانين الأساسية" للدولة الإسرائيلية في عام 2018 عندما أقر الكنيست قانون "الدولة القومية للشعب اليهودي". وينص هذا القانون على أن حق تقرير المصير الوطني في فلسطين "حق خاص للشعب اليهودي" وأن "الدولة تعتبر تطوير الاستيطان اليهودي قيمة وطنية، وستعمل على تشجيع وتعزيز إقامته وتعزيزه". وهذا الالتزام هو أحد "المبادئ التوجيهية" للحكومة الإسرائيلية الحالية، التي نصت على أن "للشعب اليهودي حق حصري وغير قابل للتصرف في جميع أجزاء أرض إسرائيل"، بما في ذلك "يهودا والسامرة".
وهكذا، فمن ناحية، لدينا طلاب وسياسي يمثلون مطالب عشرات الملايين من المواطنين الذين يطالبون بالحرية للفلسطينيين. ومن ناحية أخرى، لدينا قوة الدولة الأمريكية الداعمة للسياسات الأساسية للحكومة الإسرائيلية التي عملت على مدى العقود القليلة الماضية بلا توقف لضمان أنه "بين البحر ونهر الأردن لن يكون هناك سوى السيادة الإسرائيلية". وبدلاً من التركيز على جرائم الحرب الحقيقية المصممة لدعم سيادة إسرائيل الحصرية على كامل أراضي فلسطين التاريخية من النهر إلى البحر، فإن أولويات الكونغرس ونماذج من رابطة الأيفي [Ivy League] تكمن في مكان آخر، كما يتضح من أفعالهم المشينة الشبيهة بالليزر التي تركز على جرائم الفكر الزائفة تماما.