الخميس  21 تشرين الثاني 2024

ملتقى فلسطين للرواية العربية: الساردون الشهداء

2024-08-13 05:57:07 AM
ملتقى فلسطين للرواية العربية: الساردون الشهداء

تدوين- يحدث الآن 

تحت شعار "الساردون الشهداء.. الساردون الحقيقيون"، أطلقت وزارة الثقافة الفلسطينية أمس الأحد، فعاليات الدورة السابعة من "ملتقى فلسطين للرواية العربية" بمدينة رام الله.

وزير الثقافة الفلسطيني، عماد حمدان، قال خلال افتتاح الملتقى إنه "يأتي في ظروف استثنائية، فتعقيدات الاحتلال ألقت بظلالها على تنظيم فعالياته، إلا أن العزيمة والإرادة المستمدة من صمود شعبنا وتضحياته، كانت حافزاً لنواصل الطريق نحو تعزيز سرديتنا، حيث يقدم نخبة من الكتاب الفلسطينيين والعرب في هذا الملتقى، شهاداتهم على ممارسة الكتابة في زمن الإبادة، وذلك في خصوصية منقطعة النظير، تؤسس لمستقبل روائي ينبني على ما يقوله الساردون الحقيقيون، النازفون ألماً في الميدان، في الخيام، في البيوت المهدمة وتحت الركام، من فقدوا أطرافهم وأعينهم وقدراتهم على الكَلام… الساردون الشهداء".

وعقدت في اليوم الأول من الملتقى "ندوة السرد وألم الإبادة"، بمشاركة إيهاب بسيسو، وأكرم مسلم، وعبد الكريم أبو خشان، وعيسى قراقع، تلتها الندوة الثانية، تحت عنوان "الذاكرة والرواية"، بمشاركة أحمد رفيق عوض، ورجاء بكرية، وصافي صافي، بينما اختتم اليوم الأول بلقاء مفتوح مع عماد حمدان، الذي أكد أن أهمية الملتقى في دورته الحالية تأتي في ذكرى مئوية الشاعر الشهيد كمال ناصر ابن مدينة بيرزيت والمولود في غزة.
وشارك في الندوة الأولى كل من الكاتب والأكاديمي إيهاب بسيسو ، والروائي والصحفي الفلسطيني أكرم مسلم، والناقد والأستاذ في الأدب العربي في جامعة بيرزيت عبد الكريم أبو خشان، والكاتب ورئيس المكتبة الوطنية عيسى قراقع .
وتحدث بسيسو عن العلاقة بين الذاكرة والأدب فهي حيوية وضرورية من أجل خلق هذه المساحات للإبداع، ولعل ما حدث في عام 1948 حفز كثيراً من الأقلام الفلسطينية للكتابة عن النكبة، ما يحدث اليوم في غزة لا يقل بشاعة عما حدث عام 1948 وكان تكرار الإبادة يحدث وفق آليات تكنولوجية جديدة يتفنن من خلالها الاحتلال في سياسات المحو، فكما فعل من إبادة قرى وقتل المئات، يفعل الآن في غزة، علينا الانتباه لهذه اللحظة التاريخية، كما انتبه رواد الأدب الفلسطيني خلال القرن العشرين في كيفية كتابة الرواية ومواجهة سياسات المحو التي يقوم بها الاحتلال من خلال الكتابة، فنحن بحاجة لعقد النقاش للحديث عن الذاكرة والتاريخ وسياسات الاحتلال للمحو، وكيف يمكننا كمثقفين وكتاب لمواجهة ذلك.
من جهته تناول عيسى قراقع تاريخ أدب الحركة الأسيرة في سجون الاحتلال كأدب مقاومة، إذ استطاع الأسرى من خلال تمسكهم بالحياة الثقافية بالسجون تحدي الاحتلال الذي لاحق الثقافة والقلم والكتاب، فبالإرادة والإضراب انتزعوا حقهم بالحصول على القلم والكتاب، إذ انتظمت الجلسات الثقافية والقراءة في السجون، مضيفاً أن فوز الأسير الفلسطيني، باسم خندقجي، بالجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) لعام 2024 عن روايته "قناع بلون السماء"، هو دليل على مدى تمسك الأسرى بهويتهم وحريتهم، إذ زخزت المكتبة الفلسطينية بأشعار وكتابات الأسرى، رداً على الرواية الاسرائيلية.
بدوره قال أكرم مسلم إن هذه الحرب هي محاولة لإبادة الحكاية أيضاً، فالحكاية تنزف كأنها إنسان، إذ أجاد الفلسطيني مهارة أفادته كثيراً، تمثلت بكفاءته في تحويل مأساته إلى حكاية حياة، لقد حدثت نكبة عام 1948 قبل شيوع الكاميرا، أما مجزرة صبرا وشاتيلا فوصلتها الكاميرا سريعاً، لكن في غزة الآن القتل يتم أمام الكاميرا تماماً. من عادة الحروب والمجازر أن تنفل عادية الأشياء وتفكك نظام الحياة، وتقترح خسارت غير مألوفة وغير مقروءة، وإن بدت كذلك، وبهذا تتأزم الكتابة، وتجاوبه أسئلة الجدوى فيما الكاتب في محنة، أما الناجون والرواة، والشخوص فليسوا في مأمن أبداً.
وفي مداخلته قال عبد الكريم خشان :"لم يكن ميسوراً على الكاتب في فلسطين، أن يستعيد الحدث ليفترسه، ويخرج منه بقناعة الإحاطة دون مكابدة، فلطالما استطالت الحكاية على الخيال، وغدا السرد تناولاً مختزلاً بفعل هذه المكايدة، ولأن الأمر متعلق بحلقات متواصلة من تجاهل لإنسانية الإنسان، ومراكمات لرواية عديمة المصداقية، فإن فاجعة اكتشاف حجم التشويه تجعل من مغامرة الكتابة المضادة، وسردية المواجهة أمراً بالغ الصعوبة.
وتمحورت الندوة الثانية حول الذاكرة والرواية، حيث شارك فيها كل من الروائي صافي صافي ، والروائي أحمد رفيق عوض، والناقد الأدبي تحسين يقين.
تحدث فيها صافي صافي عن أن الذاكرة تشمل المكان والأشخاص والأحداث والشعور والتخيلات، وإذا كانت الرواية هي فن السرد، فكلنا كتب نفسه، وما الرواية إلا سيرة ذاتية، أو جزء منها، بالمعنى الواسع للمصطلح، بما يشمل فهم المجتمعات، والفلسفات وعلوم النفس، والسياسة، فالذاكرة ليست ما مضى، ولا ذاكرة الحاضر، ولا الذاكرة القصيرة والمتوسطة، فنحن نصنعها، نحن نبحث عنها".
بدوره تحدث الروائي أحمد رفيق عوض عن الرواية الفلسطينية وعلاقتها بالذاكرة من حيث الاشتباك مع هذه الذاكرة ونقدها وهل الرواية أضافت أو حذفت من الذاكرة؟ فنحن نتحدث عن شعب هويته مجروحة، لذلك الفلسطيني الروائي عندما يكتب عن وطن وشعب، فهذه ذاكرة انتقائية فيها إرادة للكتابة، فالرواية أعادت تشكيل هذه الذاكرة.
وفي مداخلته قال تحسين يقين إن الأعمال الأدبية الفلسطينية في معظمها تحلت فيها ساهرة الذاكرة، بما يتعلق بكونها زمناً فلسطينياً خاصاً بدءاً من عام النكبة، وفي تقديمه أشار إلى تحربة الكاتب الروائي صافي صافي كونه يحمل مشروعاً روائياً يرتكز على الذاكرة في رواياته جميعها، وتم تذكر الأعمال الإبداعية للكاتبين وكتاب آخرين، داعياً للاهتمام بالزوايا المفصلية للأدب المعاصر.

وتشمل فعاليات الملتقى الذي يستمر حتى 13 الجاري مشاركات عربية من الكويت ومصر وسوريا والأردن والجزائر.

وشكل فوز الروائي الأسير، باسم خندقجي، بجائزة بوكر العربية للعام 2024، خير مثال على قدرة الفلسطينيين على التحمل ومواصلة النضال رغم المعاناة.

كما يحيي الفلسطينيون في هذا الشهر أيضاً، ذكرى العديد من كتابهم مثل محمود درويش وعلي فودة وسميح القاسم وغيرهم.

أما اليوم الثاني للملتقى فيتضمن ندوة عن (العمل الروائي ومفهوم الهوية في ظل التحولات الراهنة) مع عرض فيلم (جَنين جِنين) للمخرج محمد بكري إضافة إلى ندوة أخرى بعنوان (الكتابة في زمن الحرب.. غزة بين البوح والتوثيق).
وشارك في الندوة الأدبية التي جاءت تحت عنوان "العمل الروائي، ومفهوم الهوية، في ظل التحولات الراهنة" الكاتب والشاعر سامي مهنا.
وتحدث مهنا عن الهوية الوطنية الفلسطينية، في الرواية الفلسطينية والعربية، فالكلمة والأدب والفنون لها دور هام في تكريس وترسيخ الذاكرة، والتطلع لمستقبل يسود فيه الحرية والاستقلال للشعب الفلسطيني.
وأضاف مهنا:" الكلمة يجب أن تشير إلى البوصلة، نحو فلسطين الموحدة، فالرواية عليها أن تصحح أخطاء تاريخية، وقعنا بها، أصبحت أمراً شائعاً، إذ أن الأدب الفلسطيني، يحمل الهم والتطلع ويسعى لمصير واحد لهذا الشعب، وهو الخلاص من الاحتلال.
من جانب آخر عرض فيلم "جَنين جِنين" للمخرج محمد بكري، في مركز خليل السكاكيني في مدينة رام الله.
وقال المخرج محمد البكري :"هذا الفيلم نابع من فيلم جنين جنين الأول، واجبي الانساني والتاريخي، أن أوثق هذا الفيلم لإيصال رسالة بأن الاحتلال لم ينته، بل يزداد بشاعة، ولكشف رواية الاحتلال الزائفة التي تحارب الرواية الفلسطينية، فمن خلال هذا الفيلم نؤكد أن الرواية الفلسطينية هي الرواية الصادقة، فالفرق بين الاجتياح الأول والثاني ع مخيم جنين بأنه لم يتغير شي بل يزداد فظاعة، فالأطفال في الفيلم الأول أصبحوا الآن شباب، فرض الاحتلال عليهم أن يقاوموا هذا الاحتلال بكل الطرق.
وقالت الكاتبة والمخرجة ليلى عباس :"مشاهدة هذا الفيلم كانت مهمة لما يتعرض له مخيم جنين حاليًّا وغيره من مخيمات الضفة من هجمات، خاصة في ظل تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي أن مخيم جنين يجب أن يعامل كما تعامل غزة.
وأضافت :" هناك إبادة واضحة، ومحمد بكري وثق هذا الحدث مرتين بتفاصيله، بطريقة لا تغطيها نشرات الأخبار السريعة التي تختصر حياتنا كفلسطينيين بأرقام وتقارير سريعة.
في الاجتياح الأول محمد بكري دخل بكاميرته بيوتهم وقلوبهم ومشاعرهم ومأساتهم، وعاد بعد غياب أكثر من عشرين عامًا ليخوض التجربة مرة أخرى بعد اجتياح عام ٢٠٢٣ للمخيم، ولم ترهبه المحاكم ولم توقفه، وهكذا يجب أن يكون الفنان".

وفي اليوم الثالث والأخير تقام ندوة بعنوان (الكتابة وأثرها على الخطاب الثقافي زمن الحرب والعدوان)، كما يستمع المشاركون في الملتقى إلى "شهادات من غزة". فيما تتضمن الجلسة الأخيرة لقاء مع الفائزين بجائزة غسان كنفاني بعنوان (شهادات إبداعية).