الأحد  02 شباط 2025

قصيدة البيت الواحد واختلاف الجهود فيها

2025-02-02 07:23:45 AM
قصيدة البيت الواحد واختلاف الجهود فيها

تدوين- فراس حج محمد

على هَدْيٍ من كتاب "قصيدة البيت الواحد"[1] للأديب الليبي خليفة محمد التليسي، وكتاب الشاعر السوري أدونيس "ديوان البيت الواحد في الشعر العربي"[2] أعدتُ قراءة ديوان الشاعر الأموي عمر بن أبي ربيعة[3]. تقع الطبعة في (514) صفحة، وتحتل القصائد الصفحات ما بين (33- 404).

أثارني في الديوان مسألتان: الأولى كثرة القصائد القصيرة؛ القصيدة البيت، والنتفة الشعرية، والمقطوعة أو القطعة، وهذه مسألة بحاجة إلى دراسة وتأمل لارتباطها بسيكولوجية الإبداع أو طريقة الكتابة، فهي تشير إلى أن الشعر أمر حياتيّ يوميّ معيش، فالشاعر دائم في التقاط الأفكار، فيصوغها بسلاسة دون أن يخضعها إلى منطق التفكير الإبداعي الواعي، لذلك ما إن تنتهي الفكرة المكونة في الوعي تنتهي القصيدة؛ بيتاً مفردا أو نتفة شعرية. هذه المسألة مختلفة عمّا شاع عند النقاد فيما بعد من ضرورة تكثيف العبارة الشعرية، وإنتاج النصوص القصيرة المحكومة برؤية إبداعية، هذا النوع الأخير من الشعر يحتاج إلى تأمل وتفكير كبيرين، وإمعان النظر في النص المنتج، وإعادة كتابته مرات متعددة ليخرج بسوية معينة، وتحتاج هذه العملية إلى صبر وجهد فكري كبيرين، وتحتاج إلى مزيد من الوقت على قاعدة "اعذرني من التطويل فليس لدي وقت للإيجاز"، فكل من يمارس الكتابة يدرك "صعوبة الإيجاز وسهولة التطويل"[4].

ويرى الناقد عبد الله الغذّامي أن وحدة البيت كان لها أثر في الصياغة الشعرية بعامّة، تعود إلى "نظام البيت المكتمل في مبناه ومعناه، بحيث لا يفيض التعبير إلى ما يزيد على البيت الواحد، ولا يدخل في جدلية ولا في برهنة منطقية، وإنما هو قول جامع بليغ ومختصر"[5]. ومن يجول في الأبيات المفردة في الكتب الثلاثة يرى أنّها تميل إلى اجتراح الحكمة أو الفلسفة، ما يؤكد صحة استنتاجات الغذّامي، وإن جاءت في سياق حديثه عن المتنبي، إلا أنها يمكن أن تعمّم على الشعر العربي، بما أنه كله محكوم ينسق واحد في الصياغة الشعرية.

وعليه، فإن هذه الأبيات (المفردة، والنتفة، والمقطوعة أو القطعة) تأتي عفو الخاطر نتيجة موقف ما، فتكون البديهة العامل الحاسم في إنشاء النص وتكوّنه، لما يتمتع به الشاعر من سرعة بديهة، وقوة في النظم، وسرعة الاستجابة لقول الشعر، كما حدث مع أبي نواس على سبيل المثال في حضرة الرشيد عندما راجعه في قوله: "لقد ضاع شعري على بابكم، كما ضاع درٌّ على خالصة"، فأسعفته قريحته ليغيّر الفعل ضاع إلى ضاء، فانقلب البيت من الشكوى وشبهة الهجاء، إلى المدح، "فاستحسن الرشيد مواربته، وقال بعض من حضر: هذا بيت قُلعت عيناه فأبصر"[6]، فهذه المهارة- إذاً- بنت الطبع لا بنت الصنعة.

وقد ساعدت مواقع التواصل الاجتماعي على توفّر هذا الشرط من الكتابة الشعرية القصيرة الآنية العفوية، وخاصة بين الشعراء خلال التفاعل اللحظي بينهم، كأن يكتب أحدهم ردا على الشاعر بيتاً أو بيتين من وحي اللحظة التي هو فيها. وبالمقابل ربما وجد الشاعر نفسه مجبرا لموقف صادفه، وهو يتصفّح تلك المواقع على التعبير بسرعة ببيت من الشعر، ينشره؛ ردا على ظاهرة ما أو شخص ما، أو إرفاق صورة معبرة ببيت شعر منفرد. كما أنتجت هذه المواقع لعبة شعرية يستفزّ بها الشاعر أصدقاءه، فيكتب بيتا من الشعر، ويطلب الرد عليه ببيت أو أكثر، وتتوالى الردود بأبيات منفردة، وتنجح هذه اللعبة، لا سيما إذا كان التركيز على صياغة الفكرة ببيت شعري متحرر قائله من الوزن والقافية، وبهذه الطريقة كذلك أنتجت الأبيات المنفردة عدة صياغات لمعنى واحد، ونادرا ما يلتفت هؤلاء الشعراء إلى أبياتهم المنفردة تلك، فتبقى دون جمع على صفحاتهم أو صفحات أصدقائهم، وتمتاز تلك الأبيات- عموماً- بأنها كاملة المعنى والمبنى ولا تحتاج إلى غيرها. وعلى إثر هذه الكتابة وجدتُ أنني كتبتُ العديد من الأبيات المنفردة التي تجسّد هذه الحالات، وضمنت بعضها قصائد بنيتها على فكرة المقاطع، فصار بعض تلك الأبيات مقاطع في نصوص متنوعة الصياغة، وما زال بعضها متناثرا، ينتظر الجمع والتنسيق.

عبد الله الغذامي

وفي أغلب الأحيان، إن لم يكن في كلها، فإن هذه الأبيات بسيطة تعتمد على صياغة المعنى مباشرة، فلا يلزم الشاعر سوى إتقان الوزن وسلاسة الجملة، ولا تعد مرهقة، لأنها لا تحتاج إلى قوافٍ كثيرة والتزام نحوي وعروضي كما تطلبه القصيدة، إنما هو بيت أو بيتان وربما وصلت إلى ستة أبيات[7] (الحد الأقصى للمقطوعة الشعرية)، فلا يتعلق بها شيء ذو أهمية خاصة، سواء في الصورة الشعرية أم في غيرها من التأنق في الأسلوب، من مثل قول أحد الشعراء هاجيا أحد النقاد في بيت منفرد: "ولو كان عبد الله مولىً هجوته، ولكنّ عبد الله مولىً مواليا"، فلم يسلم هذا القول من هنة وضعف ولحن، كما أوردت ذلك في الكتب ذات العلاقة[8].

ربما تشير هذه الأبيات إلى مدى تغلغل الشعر في حياة الشاعر وحسّه، إلا أنها لا تؤشر إلى عبقريته وزخم إنتاجه الشعري، لأن هذا النوع من الشعر بهذه الطريقة لم يكن هو مدار الشاعرية عند شعراء ذلك الزمن أو ما تلاه عند النقاد؛ إذ كانت المطولات هي المعيار الفني الأهمّ، أما أن تقول البيت أو البيتين والثلاثة، فكثير من العرب- نساء ورجالا- قادرون على فعله، لذلك فهو شائع وطبيعي، أما الشاعر فذو القصائد الطويلة الممتدة في موضوعاتها، والمتفرعة في أفكارها، والمتفننة في أساليبها، والمدهشة في صورها، واللافتة في معانيها الفلسفية والمنطقية، والطريفة الجديدة في إنشاء علاقاتها اللغوية، واجتراح استعاراتها وإمكانياتها التعبيرية. وكل هذه المميزات نتائج عملية التفكير الإبداعي الطويل، وليست نتائج البداهة والمواقف الطارئة، فالقصيدة لم تسمَّ قصيدة إلا لأن الشاعر يقصد إليها قصداً[9] ، فليس كل كلام موزون يعدّ شعراً، رأي يتفق على صحته القدماء والمعاصرون[10].

ويرتبط بهذه المسألة، مسألة أخرى لافتة في ديوان ابن أبي ربيعة، يوردها شارح الديوان ومحققه، إذ يورد قبل كل بيت مفرد، أو بيتين أو ثلاثة، في الغالب هذه العبارة "ومن الشعر المنسوب إليه قوله". هذه العبارة لم تسبق أية قصيدة من قصائد الشاعر المطولة. ما الذي دفع الدارس أن يشكّ في هذه الأبيات ليقول ما قال؟

أغلب الظن أن من أشرف على إعداد الديوان، وهو يجمع الأبيات من مصادر متعددة، وبين يديه نسخة أخرى من الديوان الذي خلا على ما يبدو من جُلّ هذه الأبيات وجدها منسوبة له في مصادر معينة، وفي مصادر أخرى منسوبة لغيره، وربما وجدها في أخرى لشاعر مجهول، وكثيرة تلك الأبيات التي تنطبق عليها هذه الحالات؛ تعدد القائل في مصادر مختلفة أو مجهولة القائل في مصادر أخرى، وأكثر ما تجد هذه الحالة مع الأبيات المفردة والنتف أو القطع الشعرية، وتصادف القارئ في كتب الأدب ككتاب الكامل في اللغة والأدب للمبرد، أو البيان والتبيين للجاحظ، أو أدب الكاتب لابن قتيبة، أو الأمالي لأبي علي القالي، عدا كتب أخرى كيتيمة الدهر للثعالبي، والعقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي، أو  كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب للنويري، وغيرها، ويجدها الدارس في كتب اللغة والمعاجم والشواهد النحوية، ووجد منها في كتاب التليسي على سبيل المثال (18) بيتا لشاعر لم يسمّه، أو لأعرابي، أو لأعرابية.

لقد شكلت هذه الأبيات بهذه الحالة ظاهرة في كتب التراث، ويشير ذلك إلى عدم اهتمام الرواة بها كما يهتمون برواية القصيدة، حالة شبيهة بفعل الشاعر المعاصر الذي لم يهتمّ بما ينثره من أبيات مفردة هنا وهناك في مواقع التواصل الاجتماعي.

عدا أن سرعة تلقفها ودورانها على الألسنة لسلاستها وعلوقها في الذهن في حالة الشعر القديم، تناهبها الشعراء والرواة والناس الحاضرون عند قولها، فنسبوها على الظن أكثر مما نسبوها على اليقين، ولعلّ هذا ما يفسّر قلة الشاعرات الممثلات في هذين الكتابين، فأورد التليسي بيتين أحدهما للشاعرة عُليّة بنت المهدي والآخر لأعرابية دون اسم، وأورد أدونيس بيتا للشاعرة ليلى الأخيلية. فالشاعرات لم يكنّ يشهدن مجالس الرجال، ولم يكنّ يدخلن في جدل اجتماعي أو ثقافي، ما يعني أنهن لم يكنّ يشهدن ظروف نشأة تلك الأبيات كما ألمحت إليها آنفاً، فما نقل عنهنّ- إذاً- نادر، وهذا لا ينطبق على القصائد الطويلة التي وجد من الرواة والنقاد من اهتمّ بها ونقلها وحفظها في كتب الأدب أسوة بالشعراء.

إن جامع ديوان عمر بن أبي ربيعة أراد لعمله أن يكون شاملاً قدر المستطاع، ولو بهذا الشكّ، بمعنى أن كل بيت يمكن أن يكون قد قاله الشاعر فمن الأفضل أن يكون في الديوان، وربما فكّر الشارح بهذه المسألة على نحو مختلف، فاحتمالية أن تكون الأبيات لابن ربيعة جعلت له الحق أن تكون في الديوان، مع العلم أنها يمكن ألّا تكون له، فما الذي ستخسره شاعرية ابن أبي ربيعة إن لم تكن هذه الأبيات في ديوانه؛ لا سيّما أن هذه الأبيات ليست مؤشرا للشاعرية والتفوق؟

بلغت أبيات الشاعر المفردة في هذه الطبعة من الديوان (20) بيتاً، وتستدعي هذه الملاحظة ما قام به كل من التليسي وأدونيس وما جمعه كل واحد منهما من أبيات مفردة، فيثبت خليفة محمد التليسي في كتابه (35) بيتا للشاعر عمر بن أبي ربيعة من صفحة (72- 77) مع إعطائه عنواناً لكل بيت، باعتباره قصيدة، أما أدونيس فقد أورد (7) أبيات في الصفحتين (35 و36) ورد منها بيتان في كتاب التليسي.

إن من بين السبعة أبيات مما ورد في كتاب أدونيس بيتين فقط ينطبق عليهما مفهوم "البيت القصيدة" أو "البيت المفرد" أو "البيت اليتيم"، أما الأبيات الخمسة المتبقية فإنها منتزعة من قصائد مطولة أو من نتف أو مقطوعات، وتراوحت ما بين أربعة أبيات وخمسة وسبعين بيتاً؛ بمعنى أنه لا ينطبق عليها مفهوم القصيدة البيت أو البيت المفرد، ومن ذلك قوله: "كلما قلت متى ميعادنا ضحكت هند وقالت بعد غد"، وهذا من قصيدة "ليت هندا" وهي قصيدة مكوّنة من (18) بيتا، وبيت "إِذا جِئت فَاِمنَح طَرفَ عَينَيكَ غَيرَنا، لِكَي يَحسِبوا أَنَّ الهَوى حَيثُ تَنظُرُ" منتزع من القصيدة المشهورة "أمن آل نعم أنت غادٍ فمبكرُ" وهي مطولة مكونة من (75) بيتاً، وقوله: "وَتَقَلَّبت في الفِراشِ وَلا تَعرِفُ إِلّا الظُنونُ أَينَ مَكاني" البيت الأخير من قصيدة مكونة من (15) بيتاً، ولم يسلم التليسي من هذا أيضا، فقد وردت في منتخباته بعض الأبيات المنتزعة من قصائد كما في البيت الوارد عند أدونيس "إذا جئت فامنح طرف عينيك غيرنا".

أدونيس

وعلى ما يبدو، فإن أدونيس لم يرد البيت المفرد الذي قيل منفردا، وربما أراد أن يقدّم أمثلة على أبيات شعرية مكتملة المعنى في ذاتها لا تحتاج إلى غيرها، وإذا أراد فعلا أدونيس هذا المقصد فإن أغلب الشعر القديم يقوم على وحدة البيت، ليكون المعنى مكتملا فيه، ما يعني وجود مئات الآلاف من الأبيات التي تحقق هذا الشرط، وقد انتبه النقاد القدماء والمعاصرون إلى هذا، ومنهم الناقد الدكتور عبد العزيز المقالح: "كان الشعر العربي إلى وقت قريب شعرا بيتيا، يستقلّ البيت الواحد فيه داخل القصيدة، ويكاد يشكل كل بيت فيها- أي في القصيدة- قصيدة أخرى مستقلة بذاتها وبصورها ومعناها. ولذلك فقد غدت القصيدة البيتية الواحدة مجموعة من القصائد"[11].

ولعل الأمر أشكل على أدونيس، في ما عاد إليه من مراجع ومصادر، وليس الأمر ببعيد، أو لعله خلَط بين المفهومين، ولم يوضح في مقدمة الكتاب أي الأمرين يريد أو إلى أي غاية يهدف من تأليف كتابه، في حين أن التليسي كان عمله أوضح وأبين في الرؤية الإبداعية، وإن شاب التطبيق بعض الهنات المنهجيّة.

وعند مقارنة الأبيات بين ما أثبته التليسي، وما أثبته أدونيس، وما أثبته معدّ ديوان ابن أبي ربيعة الدكتور فايز محمد، يتبين أن الثلاثة لم يتّفقوا، ففي الديوان عشرون بيتا مفردا، لم يرد منها سوى ثلاثة عند التليسي، وواحد عند أدونيس، وهذا البيت لم يوجد عند التليسي، وهو قوله: "سلام عليها ما أحبت سلامنا، فإن كرهته فالسلام على أخرى". وعلى ما يبدو لم يطلع أدونيس على هذه الطبعة من الديوان، إذ ينبغي أن تكون أحد مصادره الأساسية للبحث؛ فهي صادر قبل كتابه بما يقارب (14) عاماً، وربما لم يطلع كذلك على كتاب التليسي على الرغم مما قيل حول ذلك من جدل واتهام بالسرقة، لا داعيَ للخوض فيه.

وأودّ أن أشير إتماماً لموضوع البيت الواحد إلى تحوّل البيت المفرد إلى مشروع شعري مكتمل القصد والنية، كما هو عند الشاعر سعيد يعقوب في ديوانه "بيت القصيد"[12]، فقد جمع فيه صاحبه كل أبياته المفردة، واشتمل على "635 بيتا عموديا مفردا، ويمتاز كل بيت بوجود عنوان خاص به يسلط الضوء على محتوى الفكرة"[13]. لكنّ الشاعر يخالف القدماء في بيت قصيده في مسألتين؛ الأولى أنه قصد إلى إنشاء القصيدة البيت؛ ولم تكن خاضعة للظروف ولسرعة البديهة، والأخرى فإن هذا المشروع ابن الصنعة وليس ابن الطبع، ليأتي "هذا البيت مرتديا فخامة المفردات، وجزالة الألفاظ، مع ابتكار الصورة المُعبِّرة، الجميلة والمبتكرة"[14] .

غازي القصيبي

ومن باب آخر، يفارق هذا العمل ما عمل عليه الشاعر والناقد السعودي غازي القصيبي في كتابه "بيت"[15]، حيث اتخذ من فكرة "بيت القصيد" المعروفة في التراث العربي منطلقاً تأليفياً- لا كما وردت عند سعيد يعقوب، أو عند التليسي وأدونيس، بمعنى أن هذا البيت في القصيدة يمكن أن يكون هو البيت المجسّد للفكرة، وفي نظر من اختاره يغني عن بقية الأبيات، ولذلك كان كتابه مجموعة من الاقتباسات الشعرية العربية وغير العربية، ومن الشعر الكلاسيكي ومن شعر التفعيلة المستلة من قصائدها، وقد وسع القصيبي هذا المفهوم ليشمل الشعر غير العربي والشعر الحر، على الرغم من أن هذين النوعين من الشعر لا يقومان على وحدة البيت، تلك الفكرة الأساسية التي انبثق منها مفهوم "بيت القصيد". وعليه، فإن عمل القصيبي لا ينتمي لما قام به التليسي أو أدونيس، وإن تشابهت الكتب في ظاهرها إلا أن بينها فارقا واضحاً.

إن هذا الاختلاف طبيعيّ، نظرا للمصادر المبحوث فيها، والإحاطة والشمول المقصودين من العمل، والأهداف الإبداعية والبحثية التي يتوخاها كل باحث وأديب، ليبقى النقص أحد أهم الصفات التي لا يستطيع باحث مهما أجاد أو استقصى أن يعوّضه ويتلاشاه ليكون منتجه نهائيا، ذا كلمة أخيرة في أي مجال من مجالات البحوث، ولذا ستظل هذه القضايا وغيرها محل نظر واستدراك من الباحثين، فلا كتاب يغني عن آخر لأنه- كما تقرره كثير من الشواهد- لا كتاب متضمّن في آخر، فسبحان من قدّر النقص وجعله شيمة في كلّ عمل بشريّ.

الهوامش:

[1] دار الشروق، القاهرة، 1991.

[2] دار الساقي، بيروت ولندن، 2010.

[3] طبعة دار الكتاب العربي، بيروت، قدم له ووضع فهارسه وهوامشه الدكتور فايز محمد، الطبعة الثانية، 1996.

[4] العقاد، ساعات بين الكتب، مؤسسة هنداوي، القاهرة، 2014، ص 247.

[5] اللابس المتلبس- من أوراق أبى الطيب المتنبى، الدار البيضاء، ط 1، 2024، ص 163.

[6] خزانة الأدب وغاية الأرب، ابن حجة الحموي، تحقيق: عصام شقيو، دار ومكتبة الهلال- بيروت، دار البحار، بيروت، 2004، ج 1، ص 250.

[7] يعرّف د. عبد الله الطيب القصيدة بقوله: "هي في عرف النقاد القدماء ما كانت من عشرة أبيات أو سبعة". المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط 1، 1970، الجزء الثالث، ص 777.

[8] تاريخ العلماء النحويين من البصريين والكوفيين وغيرهم، أبو المحاسن التنوخي، تحقيق: الدكتور عبد الفتاح محمد الحلو، هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، القاهرة، ط 2، 1992، ص 154.

[9] يُنظر، المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها (مرجع سابق)، ص 832- 833، حيث يقول المؤلف في تعليل التسمية: "وأصل القصيد فيما أرى من التقصيد الذي هو التكسير. ألا تراهم يقولون: "قِصَد القنا"، جمع قِصْدة، أي ما يكون من الرماح المتكسرة بعد القتال. وما أحسبهم سموا القصيدة قصيداً إلا من أجل ما يقع في أوزانه من تقطيع الضربات الذي ينتهي عند معقد القافية"، ويضيف: "وكأن القصيدة إنما سميت قصيدة على سبيل التشبيه بالقنا ذي الكعوب والأنابيب المتناسبات الأبعاد، إذ القصيدة كالقناة وحدة من قطع الأبيات المتلاحقات تلاحق الأنابيب. والقافية تعقد آخر كل أنبوب بما يليه".

[10] يُنظر السابق، الجزء الأول، الكويت، ط 3، 1989، ص 18 وما بعدها.

[11] من البيت إلى القصيدة، دار الآداب، بيروت، 1983، ص 5.

[12] صادر عن دار أمواج للنشر والتوزيع، عمّان، 2016.

[13] نضال برقان، جريدة الدستور، عمّان، 2/5/2016.

[14] محمد سمحان، جريدة الدستور، عمّان، 16/1/2023.

[15] المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2002.