الأحد  04 أيار 2025

الغرفة الزهراء: حيث نبتت العقول من تربة الألم

2025-05-04 02:39:44 PM
الغرفة الزهراء: حيث نبتت العقول من تربة الألم
الكاتب وليد الهودلي

تدوين - سوار عبد ربه

صدر حديثا عن دار يافا للنشر والتوزيع رواية "الغرفة الزهراء" للكاتب الفلسطيني وليد الهودلي. تأتي الرواية، التي تمتد على 286 صفحة، كعمل أدبي يتجاوز السرد الروائي التقليدي، متخذة طابعا توثيقيا دقيقا يجسد معاناة الأسرى الفلسطينيين. من خلال التفاصيل الدقيقة، تُسلّط الرواية الضوء على هذه المعاناة المستمرة في ظل السياسات القمعية والممارسات السادية المتصاعدة منذ السابع من أكتوبر 2023 ضد الأسرى الفلسطينيين، مما يجعلها شهادة حية مشتبكة مع المرحلة الراهنة.

والهودلي، هو أسير محرر قضى في السجن ما مجموعه 14 سنة، له عدة روايات ومجموعات قصصية وأعمال أدبية، وهو من مؤسسي مركز بيت المقدس للأدب ونائب رئيس مجلس إدارة المركز.

يختار الكاتب أن يسرد هذه التجربة عبر أربع شخصيات رئيسية: نائل البرغوثي، نضال زلوم، علاء البازان، وعبد الرحمن عيسى. من خلال هؤلاء الأربعة، يقدم الكاتب حوارات غنية ومعقدة تتناول قضايا متنوعة مثل الألم والأمل، الصمت والمقاومة، الإيمان الراسخ، والتساؤلات الوجودية التي تلاحق الأسرى في ظل التعذيب المستمر. تكشف الرواية أيضا عن التوتر بين العقلانية والعاطفية لدى الأسرى في تعاملهم مع محنتهم. كما تفتح الرواية أفقا للتأمل في أهمية الدين والإيمان في تجاوز الأزمات الروحية والجسدية التي يمر بها الأسرى.

إضافة إلى ذلك، تبرز الرواية "غرف التحليل الإخباري" التي يؤسسها الأسرى داخل السجون، لتكون ميدانا للنقاشات السياسية والتحليل العميق للأحداث. تتداخل في هذه الغرف الأخبار مع التحليلات والتكهنات السياسية، حيث تتحول إلى أدوات فكرية وعملية لتنسيق المواقف مع العالم الخارجي، مجسدة بذلك نموذجا لما يمكن أن ينتجه الوعي الجمعي الفلسطيني تحت وطأة القهر والتعذيب، والذي يتبلور لاحقا في صورة صمود ومقاومة متجددة. ناهيك عن الاسترجاع المتكرر لشخصيات قيادية شكلت علامة فارقة في النضال الفلسطيني والعربي بما يعزز ترابط الذاكرة النضالية، ويجعل منها بنية موحدة ومتشابكة، تنمو وتتغذى من بعضها البعض.

ورغم المشاهد الصادمة والمؤلمة التي توثق ممارسات التعذيب والانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها الأسرى الفلسطينيون، من خلال الوصف الدقيق والمتكرر لها في أكثر من موضع، حيث تحتشد وحدات القمع لتبدأ بضخ الغازات الخانقة التي تثقل الصدر وتعطل وظائفه الطبيعية، ما يؤدي إلى تشوش الرؤية وضغط جسدي شديد. يتبع ذلك تقييد الأسرى بطريقة قسرية ومؤلمة، حيث يُربطون بأيدٍ خلف ظهورهم وأرجلهم ببعضها البعض تمهيدا للمرحلة التالية من التعذيب بالهراوات، والتي تُوجَّه إلى الرأس وسائر أنحاء الجسد. كما تُستخدم الكلاب البوليسية كأدوات ترهيب وتنكيل، حيث تُضرب رؤوس الأسرى بشكل متعمد. ويصل هذا العنف إلى ذروته في تجريد المعتقلين من ملابسهم بالكامل، وإرغامهم على تقبيل علم الكيان، في محاولة واضحة لتحطيم كرامتهم والنيل من إنسانيتهم. لكن الرواية لا تغفل الإشارة إلى أن هذه الممارسات القمعية تمثل، في جوهرها، حالة من العجز والضعف، نتيجة الإخفاق الكبير الذي تعرضت له المؤسسة الأمنية والعسكرية الصهيونية في السابع من أكتوبر 2023. ومن خلال هذا السياق، تبني الرواية فكرة أن تكثيف استخدام الوسائل القمعية وتفعيل فرق القمع هو انعكاس لحالة القهر التي يعيشها المستعمر.

التقت تدوين بالكاتب وليد الهودلي وأجرت معه الحوار التالي:

تدوين: في سياق الحرب الراهنة، برز اتجاهان فكريان في تناول قضية الأسرى: الأول يفضّل الامتناع عن الخوض في تفاصيل معاناتهم، تجنبا لإثارة مزيد من الألم لدى ذويهم في ظل انقطاع الأخبار، والثاني يرى في التوثيق التفصيلي وسيلة لحماية القضية من التغييب والتهميش. رواية الغرفة الزهراء تنحو بوضوح نحو الاتجاه الثاني، من خلال تقديم سرد دقيق لتجربة الأسر. كيف تنظر إلى هذا التوتر القائم بين البعد التوثيقي والاعتبارات الإنسانية والعاطفية في تناول مثل هذه القضايا؟

الهودلي: لا بدّ من كتابة ما يجري في السجون، ليس فقط للتوثيق رغم أهميته، وإنما لفضح الجرائم التي يرتكبها الاحتلال في سجونه، ولتعزيز إدانته عالميًا في حرب الإبادة، وانتهاكات قوانين جنيف الخاصة بالأسرى. وهذه الفوائد المترتبة على كشف ما يجري، أعظم من السلبيات المترتبة على الخيار الأول، وهو مراعاة مشاعر أهالي الأسرى وذويهم، وحجم القلق الكبير على أبنائهم الأسرى.

ثمة مسألة كانت في غاية القسوة، وهي: كيف تتحدث من تعرّضت للاغتصاب من الأسيرات الفلسطينيات؟ وأمام الادعاء الذي ثبت كذبه في الاعتداء على أسيراتهم عند المقاومة، كان لا بدّ من إثبات هذه التهمة على مرتكبها، وكان لا بدّ من أن تدلي الضحية بشهادتها.

تدوين: ورد على لسان الأسير نائل في الرواية قوله: "ظاهر الأمر عذاب وفي باطنه صناعة الرجال". إلى أي مدى يمكن اعتبار هذا القول توظيفا دلاليا يوجّه القارئ للتأمل في عملية تشكل الهوية المقاومة، بما تحمله من تحولات نفسية وفكرية، في سياق التجربة الفلسطينية الأوسع؟

الهودلي: ما ورد على لسان نائل في الرواية يؤكّد ظاهرة تُسجَّل للحركة الأسيرة، وهي تعميق وتجذير الانتماء للقضية الفلسطينية، والثبات -رغم حجم المعاناة الكبير الذي استمر لسنوات طويلة في زمن السجن- على فكرة المقاومة. في الغالب، كانت جميع التحوّلات إيجابية، تصبّ في صالح تثبيت هوية المقاومة، مع ازدياد حجم الوعي والتأصيل لهذه الفكرة. وكانت الشخصيات المركزية في الرواية تؤكّد، بطرق مختلفة، على هذه الروح العالية المحلّقة في سماء هذا المشروع التحرّري المقاوم والمشتبك مع المحتلّ.

تدوين: في الرواية يُشار إلى الزنزانة الزهراء على أنها مكان قهري، لكنه أيضا كان سببا في تفتح الوعي، كما في القول: "لا تنسوا فضل هذه الزنزانة الزهراء، فكم من العقول مرت بها وأزهرت". فهل يُفهم من هذا أن نضج الوعي الفلسطيني مرهون بالظروف القاسية والاستثنائية، أم أن الفلسطيني يمتلك القدرة على تحويل المحنة إلى منحة وتطويع القهر لصالح بناء الذات الثورية؟

الهودلي: نعم، لقد أثبتت الكوادر والكفاءات العالية التي مكثت في السجون، طويلًا كان أمدها أو قصيرًا، أنها نجحت في تحويل المحنة إلى منحة. فقد كانت الظروف القاسية في السجون تشكّل تحديًا للإرادة، ودافعًا من دوافع السير في الخط المعاكس لإرادة السجّان. وقد شكّل هذا التحدي وقودًا لتلك الإرادات الحرّة، التي أدركت هدف ومراد السجّان، مما دفعها إلى أن ترسم هدفها بوضوح، وتبذل كل جهدها في إبطال هدفه فيها، مع السعي لتحقيق هدفها الذي اختطّته لنفسها.

لذلك، وعلى الرغم من قسوة الزنزانة، إلا أنها كانت تزهر فيها الأفكار، وتنبت فيها إرادات الرجال. ومن المعروف أن السجون قد خرّجت قادة، ومفكرين، وأدباء، وشعراء، وأئمة، ودعاة.

تدوين: جاءت عملية العبور الكبرى في السابع من تشرين كحدث مفاجئ، وأثارت دهشة فلسطينية توازي الدهشة الصهيونية، بفعل عامليّ السرية والنجاح. في ضوء مقولة الرواية: "يستبعدون على العقل الفلسطيني أن يتغلب على العقل الصهيوني"، هل تعكس هذه الدهشة فجوة بين ما يدركه الفلسطينيون عن قدراتهم، وبين ما يُمكن أن تحققه المقاومة فعليا على الأرض؟

الهودلي: في الرواية، تدور نقاشات كثيرة حول موضوع العبور في السابع من أكتوبر، من زوايا متعددة، ولعلّ أهمّ هذه الزوايا ما أثبته هذا الحدث من قدرة العقل الفلسطيني على التفوّق على العقل الصهيوني والغربي، مهما بلغ من تقدّم في الخبرات والإمكانات. ولم يقتصر هذا التفوّق على العقل الفلسطيني فحسب، بل فتح شهية العقل العربي أيضا، ممّا دفع كثيرًا من المفكرين الصهاينة إلى القول بأن ما حدث يُلهم الشعوب التي تحيط بهم، وتنظر إليهم بعين العداء.

وبقدر ما منحنا هذا العبور ثقة واعتدادًا بالنفس، فقد منحهم في المقابل خوفًا وقلقًا وتوتّرًا. وفي خضمّ ذلك، تلاشت كثير من الأوهام التي رُوّجت في إطار الحرب النفسية، مثل قدرتهم على "هندسة الشرق الأوسط"، أو فكرة "الجيش الذي لا يُقهر" صاحب الحروب السريعة، الحاسمة، الخاطفة... لقد تبدّدت كثير من تلك التصوّرات، وأثبت الواقع عكس ما كان يُقال.

تدوين: قدّمت الرواية الزنازين بوصفها فضاءات تفكير وتحليل، رغم عزلتها الفيزيائية، وأظهرت الأسرى كخبراء يدرسون ويحللون قبل اتخاذ أي موقف، كما في قولهم: "دراسة الجدوى لأي معركة من ضرورات العمل الناجح". إلى أي مدى يمكن للإنسان المعزول والمقهور أن يواصل التفكير العقلاني والقراءة الواعية للمشهد السياسي والوطني؟ وكيف يتم التعامل مع هذه الرؤى خارج السجون؟

الهودلي: فيما يتعلق بالأسرى، والقراءة الواعية، والقدرة على التحليل وتحديد المواقف داخل السجون، فقد حققوا قدرات عالية من خلال تعمّقهم في الدراسة، خاصة دراسة المشهدين الفلسطيني والإسرائيلي. أغلبهم يتقنون اللغة العبرية، ويتابعون الأخبار من خلال التلفاز، والصحف العبرية، وصحيفة القدس (وذلك قبل الحرب)، إضافة إلى المدارسة عبر ندوات التحليل السياسي التي تمتاز بها السجون، والنقاشات التي لا تتوقف في الزنازين والساحات. كل ذلك يطوّر مهارات التحليل والتفكير السياسي لديهم.

في الخارج، تحظى مخرجات السجون بالاهتمام والتقدير؛ ونذكر على سبيل المثال مشاركة الأسرى في "وثيقة الوفاق الوطني"، وكذلك ما يُنتج من دراسات سياسية، مثل "مشروع حضارات للدراسات الفكرية والسياسية" الذي كانت تتابعه ثلّة من الأسرى المخضرمين. كما شكّلت بعض السجون، مثل سجن "هدريم"، معاهد أبحاث ودراسات عليا. وساهم الأسرى أيضًا في كتابة مقالات سياسية كانت تخرج من داخل السجون.

وأعتقد أن كثيرًا من هذه الكفاءات التي خرجت في تبادل الأسرى الأخير، سيكون لها دور مميز خارج السجون في هذا المجال.

تدوين: مع تعدد الجبهات التي فتحها المستعمِر وتصاعد الهجمات علىمختلف الشرائح، لا سيما الأسرى، كيف يمكن تحقيق توازن إعلامي وإنساني وأخلاقي في تسليط الضوء على كافة هذه الملفات، -وهو ما لم يحدث كما أشرت في الرواية- دون أن تطغى مأساة واحدة على الأخرى مع الحفاظ في الوقت ذاته على مركزية ما يحدث في غزة كجريمة إبادة جماعية؟

الهودلي: من الضروري مأسسة الجهود الفردية وتحويلها إلى عمل جماعي منهجي، قادر على منح هذه الملفات ما تستحقه من اهتمام ومعالجة عميقة. ويجب أن يترافق ذلك مع الانتقال من الاكتفاء بالحديث مع أنفسنا إلى الانفتاح على عالمية هذه الثقافة، وتحريرها من أروقة السجون إلى الفضاء الخارجي بكل آفاقه، محليًا ودوليًا. ومن المهم كذلك الاستفادة من الوسائل الحديثة، مثل الإعلام الرقمي، والإنتاج الفني، وتفعيل حركة الترجمة، حتى تصل رسالتنا إلى شعوب العالم كافة.

تدوين: في ظل السادية المفرطة التي واجهت بها إدارة السجون الأسرى بعد السابع من تشرين، ومحاولات الأسرى التغلب على ذلك إما بالصمت أو بالمواجهة، كيف يمكن فهم العلاقة الجدلية بين الجسد الفلسطيني المنتهك والروح الفلسطينية المقاومة؟ وكيف يتشكل الوعي بهذه الثنائية لدى الأسرى، كما ظهر في حواراتهم المنقولة في الرواية؟

الهودلي: تتجلى العلاقة الجدلية، في مواجهة الإجرام السادي للمحتل، بين الجسد الفلسطيني المنهك والروح الفلسطينية المقاومة، في أمرين أساسيين: أولًا، الاعتقاد الجازم بأحقّية القضية الفلسطينية وعدالتها، وثانيًا، الإيمان الديني في الغالب الذي يزوّد الروح بما يعزّز قوّتها، ويشكّل دعائم صبرها وجلَدها، وقوّة صمودها. وفي كثير من الأحيان، تزداد هذه الروح قوّةً وصلابةً وإصرارًا مع تصاعد القمع والمعاناة.

تدوين: بين الواقعية الثورية التي يمثلها علاء والرومانسية الكفاحية الحالمة التي يجسدها نائل، أي من المنهجين كان له تأثير أكبر ونجاعة أكثر في مسيرة الحركة الأسيرة؟

الهودلي: ما بين علاء ونائل حالة تكاملية، رغم غلبة الرومانسية على نائل، وغلبة العقلانية الثورية على علاء، كما وُصفا بدقة وعمق. يصعب تمييز الخيط الأبيض من الأسود بينهما، فهما متداخلان، ولكلٍّ منهما نصيب مما يمتاز به الآخر. هذه العلاقة هي ما يُحيي الأمل، ويمنحهما قدرة عالية على الوقوف في وجه العاصفة؛ إنها مثالية واقعية، وواقعيةٌ ترنو إلى تحقيق ما في النفوس من طموح، وعنفوان، وسموٍّ روحي عالٍ، رغم أن السماء ملبّدة بالغيوم السوداء.

تدوين: هل يُعد الحضور الديني في الحوارات الروائية للأسرى انعكاسا مباشرا للهوية الأيديولوجية للكاتب، أم أنه يُوظف كخيار فني يهدف إلى إضفاء بعد روحاني على النص، وبالتالي تخفيف وطأة الواقع القاسي على المتلقي؟

الهودلي: الحضور الديني وتناصّه في النص هو حضور واقعي، يعكس عمق الثقافة الفلسطينية ذات الجذور الدينية، كما أنه يُجسّد شخصيات موجودة فعليًا في واقعنا، تتشكّل معالمها ضمن بقية الأبعاد التي تُكوِّن هذه الشخصيات. ويُعدّ هذا الحضور أيضًا أحد أشكال التنوع في السرد، يسهم في كسر حدّة المشهد المؤلم والقاسي، كما ذكرتَ، بشكل صائب. إلى جانب ذلك، فإن ما يتضمّنه النص من رسائل متبادلة عاطفية يُسهم في إضفاء الطابع الإنساني على النص وشخصياته، ويجعل القارئ أقرب إليهم.

تدوين: كيف يمكن تفسير الربط بين شخصيتي "آدم" و"عداس" في سياقين تاريخيين مختلفين داخل الرواية؟ وما الدلالة الرمزية لهذا التوظيف السردي في استحضار الذاكرة الدينية وربطها بتجربة الأسر؟

الهودلي: في استحضار شخصيتي آدم وعدّاس، يُوظَّف التشابه التاريخي بشكل مقصود، ليُعزّز البعد المعنوي في صياغة دعائم هذه الروح المقاومة. هذا الربط يُؤكّد على دعم الله لعباده المؤمنين، وهو أمر يتكرر في كل زمان ومكان، ويُستلهم منه المعنى والعبرة. كما يُشكّل هذا الاستحضار تطمينًا نفسيًا وتثبيتًا في زمن الشدّة، لا سيّما عندما يتعاظم البلاء، ويشتدّ الخطب.

تدوين: في ظل الاعتبارات الأمنية الدقيقة داخل السجون، ما مدى مشروعية تضمين تفاصيل حساسة كالتعاون بين الشرطي آدم والأسرى في العمل الروائي؟ وكيف يمكن الموازنة بين ضرورات السرد الروائي والتوثيق الأدبي من جهة، وبين الواجب الوطني الذي يقتضي الحفاظ على سرية المعلومات وحماية مصالح الحركة الأسيرة من جهة أخرى؟

الهودلي: يُذكر هذا في الرواية من باب ما هو ممكن ومعروف في حياة السجون من اختراقات قد تحدث من جانب الأسرى. كما أن هناك اختراقات لصالح السجّان داخل جسم الحركة الأسيرة.

تدوين: في ظل حالة الترهل العام التي يمر بها الشارع الفلسطيني، وانسداد الأفق السياسي، إلى أي مدى أسهم تراجع الحراك الشعبي في خذلان قضية الأسرى؟ وما الآليات الفاعلة الممكنة لإعادة تنشيط هذا الحراك، باعتباره "الرئة التي يتنفس منها الأسرى" كما عبّرت إحدى شخصيات الرواية، لضمان استمرارية القيام بالواجب الوطني والإنساني تجاههم؟

الهودلي: من المعروف أن الشارع الفلسطيني وقوة حضوره مع أسراه هو الرئة التي يتنفس منها الأسرى. إن تراجع هذا الحضور يؤثر سلبًا على معنويات الأسرى وعلى قدراتهم في مواجهة السجّان. أما كيف يتم تحريكه، فهذا سؤال مفتوح على جميع القوى الفاعلة في الحياة السياسية الفلسطينية. كما أنه نتاج لثقافة المجتمع، وانعكاس للمستوى الثوري فيه.

تدوين: رواية الغرفة الزهراء تضاف إلى سلسلة من الروايات التي كتبتها وتناولت أدب السجون من جوانب متعددة. باعتبارك أسيرا محررا وكاتبا متمرسا في هذا المجال ما الذي تراهن عليه في هذا النوع من الأدب ويحفزك للاستمرار في الكتابة؟ وهل تعتقد أن هذا الأدب قد يصل إلى مفترق طريق بحيث يصبح غير قابل للإضافة، أم أن هناك المزيد من الخبايا التي لم تُكشف بعد عن واقع الأسر والتي تستحق أن تُكتب وتُروى؟

الهودلي: ما يحفزني للكتابة هو أن الثقافة هي مقاومة، وفيها ما يعزز السردية الفلسطينية المحقة ويفنّد السردية الإسرائيلية الباطلة. شعوري بأن دور الكلمة في طوفان الوعي مهم جدًا، وأن العمل الأدبي فيه صيانة للروح وتثوير للمعاني والقيم المطلوبة لتحقيق الذات الثورية القادرة على الصمود والرباط والانتصار. كما أن الأدب هو من متطلبات الاشتباك بروح عالية وإرادة قوية، مشحونة بالأدب القوي والجمال الذي يسمو بالروح ويرتقي بالمعرفة. ولا حدود لهذا الأدب، فهناك مساحات كثيرة لم تُغطَّ بعد، وتحتاج إلى أقلام كثيرة لتكتب ولتحلّق عاليا في سمائه الواسعة والمديدة.