تدوين- نصوص
أمام ذكرى رحيل الشاعر زكريا محمد الثالثة، نقف اليوم لنستذكر قامة أدبية فريدة أثرت المشهد الثقافي الفلسطيني والعربي. زكريا محمد لم يكن مجرد شاعر يكتب الشعر، بل كان يعيشه. كانت كلماته تنبع من حياته اليومية ساخرا جادا، يائسا أملا، مستخدما لغة بسيطة، لكنها عميقة في آنٍ واحد، وكأنها مرآة تعكس روحه بكل تناقضاتها.
لم يكتفِ زكريا محمد بالشعر، بل كان أيضًا كاتبًا ومثقفًا ومناضلًا، يشارك هموم شعبه ويدافع عن قضيته ووعيه وثقافته.
واليوم، بعد ثلاث سنوات على رحيله، لا يزال صوت زكريا محمد يتردد في أرواحنا. لم يرحل جسدًا فقط، بل ترك لنا إرثًا شعريًا لا يموت. إن كلماته ستبقى تعزز الإيمان بأن الشعر يمكن أن يكون ناقوسا لا يصدأ في معركة الذاكرة والهوية.
فيما يلي نصوص من ديوانه "كشتبان" الصادر عن دار الناشر عام 2014.
*****
تبدأ القصيدة بالرغبة.
لا تكون هناك فكرة ولا كلمات ولا إيقاع.
فقط رغبة غامضة ليس لها اسم.
ثم تصعد أنت درجا معتما، كأنه غير موجود، أو كأنه
لم يُبن بعد.
تصعد وأنت تخشى أن تزل بك قدمك فتكسر
كاحلك. لكن حين تضع قدمك على الدرجة الأخيرة
ينبثق النور، كما لو أن بابا مغلقا فُتح فجأة على
الشمس، فترى الدرج الذي صعدته، الدرج الذي بنيته
ثم تنزل فرحا كي تعد الدرجات التي صنعتها
وصعدتها
(29-7-2013)
*****
كل ما فعلته غير الشعر كان ذنوبا. عبدت آلهة كثيرة.
غنيت لها بالبوق عند طلوع الشمس، وبالمزمار عند
غيابها.
آه يا ما تبقى لي من ليال، ما كان أحمقني! أنا البحر
الأحمق المتوسط. البحر الذي لعبت به الآلهة
والأساطيل، الآلهة والأساطير.
لكنني في نهاية الأمر وصلت إلى ما أريد. لقد غُفر
لي، وعثرت على صخرتي. وعلى الصخرة صعدت
وأنشأت أغنيتي.
ويا للأغاني التي غنيتها، يا للبذور التي نثرتها فقو
كتف الصخرة وتحت كتفها.
للحماقة مزمارها، وللفطنة مزمارها. أونا عبرت
بينهما، وغنيت فوق الصخرة.
(14-8-2013)
*****
أردتُ دوما أن أختصر الكون إلى عناصره الأولية.
فوصلت إلى أنه مكون من نخلة وشيئين آخرين:
الحب، والشعر.
وكما ترون، فالنخلة هي الحقيقة الثقيلة في هذا
الثالثوث. أما الباقي فكلمات.
غير أنني لم أكن متأكدا من هذا في البدء. لذا ظللت
أبذر الشعر في مستطيل خشبي مملوء بالطين معتقدا
أنه سينب في النهاية قمحا أو حبا. وانتم تعرفون
أن القمح والحب هلكا من عهد عاد. لكنن كنت
حاولت استعادتهما في مستطيل الشعر الخشبي.
لكن هذا لم ينجح. فالكلمات ظلت كلمات، وطل
رأسي أقرع تحت الشمس الممتازة.
إذن، لم يتبق غير النخلة. سعفها سقف بيتي، وطلعها
الأشقر في يدي.
وفوق هذا كله، ثمة طيور تحط كي تأكل ثمرها، فتظل
لي قرعتي.
(2-9-2013)