تدوين- ذاكرات
وليد الخالدي (1925 -) هو مؤرخ فلسطيني تلقى تعليمه في جامعة أكسفورد وكتب بإسهاب عن تهجير الفلسطينيين سنة 1948. وهو أحد مؤسسي مؤسسة الدراسات الفلسطينية، التي تأسست في بيروت في كانون الأول (ديسمبر) 1963 كمركز بحثي مستقل يركز على قضية فلسطين والصراع العربي الإسرائيلي، وكان أمينًا عامًا له حتى عام 2016.
ويُطلّ علينا وليد الخالدي، في مئويته، كشخصية طابقت حياتها التاريخ ذاته. لم يكن الخالدي مجرد كاتب للوقائع، بل كان مقاتلاً فكرياً ساهم بصياغة الوعي بالقضية الفلسطينية وتشكيل سرديتها.
تعتبر مئوية وليد الخالدي مناسبةً أكاديميةً لإعادة تقييم إسهاماته التي تجاوزت حدود التأريخ التقليدي. لقد كان الخالدي، بصفته مؤرخاً، يجسّد تقاطعاً فريداً بين المعرفة الأكاديمية والمقاومة الفكرية، مما جعله شخصيةً محوريةً في تشكيل الوعي الفلسطيني. فهو لم يكتفِ بتوثيق الأحداث، بل أسس منهجيةً نقديةً قائمةً على تفكيك السرديات الاستعمارية.
منهجية الخالدي: من التأريخ إلى التوثيق النقدي
تكمن أهمية عمل الخالدي في منهجيته الصارمة التي حوّلت التأريخ إلى أداةٍ معرفيةٍ في صلب الصراع السياسي. فهو لم يتعامل مع التاريخ الفلسطيني كـ "سرد" خيالي، بل كـ "واقع" مدعوم بالوثائق. فقد اعتمد الخالدي في منهجيته على الشمولية الوثائقية، حيث جمع مصادر أولية متنوعة لتكوين صورة متكاملة عن الوجود الفلسطيني قبل عام 1948. شملت هذه المصادر الوثائق الرسمية، والخرائط، والصور، بالإضافة إلى الشهادات الشفوية، مقدمًا بذلك دليلاً قاطعًا على التاريخ الفلسطيني. ولم يكتفِ بذلك، بل ذهب إلى قراءة أرشيف من مصادر متنوعة غربية وإسرائيلية ما مكّنه من كشف التناقضات الداخلية في السردية الصهيونية وتأكيد زيفها من مصدرها، محوّلًا بذلك البحث الأكاديمي إلى أداة مواجهة فكرية.
إرثه الأكاديمي والسياسي
إن الإسهام الأكاديمي للخالدي لا ينفصل عن أثره السياسي. فمن خلال مؤسسة الدراسات الفلسطينية، أرسى قواعد لإنتاج معرفةٍ فلسطينيةٍ ذات مصداقية دولية. تتجلى أهمية هذا الإرث في جانبين رئيسيين:
كسر احتكار السردية الصهيونية: أتاحت مؤلفاته باللغة الإنجليزية للأوساط الأكاديمية الغربية الوصول إلى سردية فلسطينية بديلة، قائمة على البحث العلمي بدلاً من الدعاية السياسية، مما أثر بشكل مباشر على المواقف الأخلاقية تجاه القضية الفلسطينية.
رؤية فلسفية للزمن الفلسطيني: يرى الخالدي النكبة ليس كحادث تاريخي منفصل، بل كـ "صدمة وجودية" مستمرة تُشكّل هوية الفلسطيني ومقاومته. إن رؤيته للتاريخ كمَسار نضالي نحو المستقبل، حيث تُكرس حق العودة كحقٍ أساسي لا يُنسى، تعكس عمق فهمه الفلسفي للقضية.
النكبة في فكر وليد الخالدي
لقد نظر الخالدي إلى النكبة ليس كحدث تاريخي فحسب، بل كـ"صدمة وجودية" تشكّل هوية الفلسطيني ومقاومته. ورأى في التاريخ مساراً نضالياً نحو المستقبل، تُكرّس فيه قضية العودة حقاً جوهرياً لا يُنسى. فكل جزئية في أعماله تُضخ فيها الحياة، ليُصبح التاريخ أداة مقاومة لا تنحصر في الماضي، بل تقاوم به الحاضر وتفتح أبواب المستقبل.
ويُعدّ المفهوم الذي طرحه وليد الخالدي حول النكبة باعتبارها "صدمة وجودية" من الأفكار الأكثر عمقًا في التأريخ الفلسطيني. فبخلاف النظرة التقليدية التي ترى فيها مجرد حادث تاريخي انتهى في عام 1948، يرى الخالدي النكبة كـ أزمة مستمرة تُشكل الهوية الفلسطينية المقاومة.