تدوين-تغطيات
في أمسية ثقافية شهدت حضورا لعدد من الأدباء والكتّاب والشعراء الفلسطينيين، وقّع الشاعر خالد جمعة مجموعته الشعرية الجديدة "واختلطت عليك الخيل"، التي صدرت حديثا عن دار طباق للنشر والتوزيع في 17 تموز الماضي، وتقع في 148 صفحة من القطع المتوسط، متضمنة لوحات للفنان الغزي ميسرة بارود، وتصميم غلاف للفنان أيمن حرب، فيما أهدى الشاعر عمله إلى الشاعر الشهيد سليم النفار.
وقدم الأمسية الشاعر وليد الشيخ، الذي تحدث بإسهاب عن التحولات الأسلوبية التي تجلت في نصوص جمعة، مشيرا إلى أن الشاعر قد اختار أن يتجه إلى قصيدة النثر، بوصفها "الابنة الشرعية والمطرودة من المتن"، واصفا خروجه من الأوزان الكلاسيكية بأنه فعل واعٍ ومدروس، أدرك فيه الشاعر أن هذا الشكل هو الأقدر على احتواء التمزق الداخلي والإنساني، الناتج عن تجربة غزة المستمرة مع القصف والفقدان والانكسار.
ولفت الشيخ إلى أن جمعة التقط يد القصيدة في شوارع غزة، وتعامل مع اللغة بذكاء ومعرفة عالية، فتخلى عن أدوات العروض التقليدية، لكنه لم يتخلَّ عن الشعرية ذاتها. بل على العكس، استثمر دهاءه الشعري في إنتاج صور جديدة، تنأى عن التكرار، وتخترق عمق الوجع الجمعي، مشيرا إلى أن الشاعر "أغلق الباب على اجتراحات الخليل بن أحمد"، وذهب بعيدا في تفكيك سلطة اللغة الرسمية وأدواتها الجاهزة.
في معرض الحديث عن البنية الجمالية للنصوص، أشار الشيخ إلى أن خالد جمعة مزج في مجموعته بين الصدق العاطفي والفطنة الفنية، حيث تناول مدينته وشوارعه، وكتب عن قصائد الطفولة، وعن الصواريخ التي حرثت الذكريات، وأخذت الأصدقاء والبيت والرائحة، وتركَت في الروح أثلاما وندوبا ظلت عالقة في الإيقاع واللغة والهواجس.
كما تطرق إلى شخصية جمعة في الحوارات والنقاشات الثقافية، موضحا أنه شاعر موسوعي الذاكرة، يبدأ حديثه بذكر أسماء شعراء طواهم النسيان المدرسي، ويستعرض مطالع قصائد تنبض بالحياة. ورغم الخلافات الفكرية التي قد تنشأ بينه وبين الآخرين، إلا أنه يحول الاشتباك إلى حوار حي، مستشهدا بلهجته الغزية التي تُسقِط القاف، وتمنح للكلمات طابعا محليا مميزا.
وأكد الشيخ أن الشاعر الذي عرف بالرصانة في بداياته، قد قرر أن يُفلت لغته بعد الحرب، ويذهب إلى مفردات خفيفة، وشقية، ومتقشفة، متخليا عن نَزَق الشاعر وغرور القصيدة، متسائلا في إحدى نصوصه: "إذا كانت الحنطة كلام الله للأرض، فمن بدّل كلام الله؟"، وهو سؤال يلخّص حالة التهتك الإنساني الذي يحياه الفلسطيني اليوم.
وخلص الشيخ إلى أن جمعة، بحكمة العارف، استطاع أن يلتقط اختلاط الخيول في ساحات الوجع، عارفًا أن الخيول الأصيلة لا تذهب إلى الماء بعد تعنيفها، وأن الخيول التي تبقى، هي تلك التي يمكن التعرف إليها من بياض نواياها.
كما قال إن غزة اليوم تعيش قيامتها قبل أن يُنفخ في الصور، لكن لا بد لها أن تنهض من جديد، وأن قصائد جمعة، رغم جرحها العميق، ستبقى تلهج بالمرارة والإدانة، وتحتفظ بصوت المذبوحين في وجه صمت العالم.
في ختام الأمسية، وقّع الشاعر نسخا من مجموعته للحضور، وتبادل النقاشات حول النصوص وأبعادها الجمالية والسياسية. وقد لاقت الأمسية تفاعلا من الحاضرين، الذين أكدوا على أهمية هذا العمل في اللحظة الفلسطينية الراهنة، وعلى خصوصية خالد جمعة في كتابة الألم بلغة تتجاوز المباشرة نحو عمق الشعرية.