الإثنين  25 آب 2025

أحد جنود الثورة الفلسطينية ..المناضل المغربي سيون أسيدون في غيبوبة وغموض يلف الحادث

2025-08-25 10:55:09 AM
أحد جنود الثورة الفلسطينية ..المناضل المغربي سيون أسيدون في غيبوبة وغموض يلف الحادث
سيدون حاليا منسّق فرع المغرب في «حركة مقاطعة إسرائيل» (BDS)

تدوين- ناديا القطب

تعيش الأوساط الحقوقية والسياسية في المغرب حالة من الترقب والقلق الشديدين منذ الحادي عشر من آب/ أغسطس الجاري، إثر دخول المناضل اليساري البارز سيون أسيدون في غيبوبة بمستشفى في الدار البيضاء. أسيدون، الذي يُعرف بمواقفه الصارمة ضد الصهيونية ودفاعه المستميت عن القضية الفلسطينية، وجد مغمى عليه داخل منزله في ظروف وصفتها عدة جهات بـ "المريبة"، مما أثار تضاربًا في الأنباء بين كونه حادثًا منزليًا عارضًا أو تعرضه لاعتداء محتمل. 

تضارب الروايات: بلاغ رسمي وتساؤلات حقوقية

في أعقاب الحادث، أصدر الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف في الدار البيضاء بلاغًا رسميًا يوم الثلاثاء الماضي، أشار فيه إلى أن الأبحاث حول قضية أسيدون لا تزال جارية، مؤكدًا على اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة فور استكمال التحقيقات. وأوضح البلاغ تفاصيل العثور عليه، مشيرًا إلى أن شخصين تقدما لمصالح الشرطة في 11 آب 2025، وأفادا بانقطاع الاتصال بمشغلهما وتغيبه عن العمل. بعد التوجه إلى منزله، وجدوه مغمى عليه داخل الطابق الأرضي فوق أريكة، وتم نقله فورًا إلى المستشفى.

شدد البلاغ على أن التحريات الأولية داخل المنزل ومحيطه لم تكشف عن أي آثار اقتحام أو بعثرة، وأن أغراضه الشخصية والكتب كانت مرتبة بشكل طبيعي. هذه الرواية الرسمية، التي تميل نحو فرضية الحادث العارض، لم تُبدد المخاوف بل زادت من تساؤلات الحركة الحقوقية المغربية.

على النقيض، أصدرت "الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع" بيانًا حمل عنوان "غموض كبير يلفّ الحادث"، أثار شكوكًا حول هذه الرواية. فبحسب بيان الجبهة، تم العثور على أسيدون وعلى رأسه وكتفه "آثار إصابات وكدمات غير طبيعية". هذه التفاصيل تفتح الباب على مصراعيه أمام فرضية الاعتداء، خاصة وأن أسيدون "شخصية حقوقية وطنية وأممية بارزة، ومناضل صلب من أجل فلسطين وضد التطبيع"، مما يجعل احتمال الاستهداف أمرًا قائمًا يستوجب التعامل مع الواقعة بكل جدية ومسؤولية، بعيدًا عن أي استخفاف أو معالجة سطحية.

سيون أسيدون: مسيرة نضالية من اليسار الجديد إلى مناهضة الصهيونية

يُعد سيون أسيدون (مواليد أغادير، جنوب المغرب، 1948) قامةً نضالية فريدة، جسدت تحولات اليسار المغربي وعمق الارتباط بين النضال الوطني والقضية الفلسطينية. ولد أسيدون لعائلة يهودية أمازيغية، وانتقلت عائلته إلى الدار البيضاء بعد الزلزال المدمر، ثم هاجر إلى فرنسا حيث درس الرياضيات في باريس. هناك، تشرب أسيدون الفكر اليساري الثوري، ليعود إلى المغرب عام 1967، وهو العام الذي شهد نكسة حرب حزيران، ليكون جزءًا لا يتجزأ من حركة اليسار الجديد.

أسهم أسيدون في تأسيس منظمة "23 مارس" الماركسية-اللينينية، التي كانت إحدى أهم حركات اليسار الجديد المغربي. هذا الالتزام السياسي كلفه سنوات طويلة من عمره خلف القضبان، حيث قضى أكثر من 12 عامًا في السجن السياسي خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، تحديدًا بين عامي 1972 و1984. عن تلك الحقبة، يروي أسيدون كيف كان المحققون يستغربون مساره: "كان المحققون يوجهون إليّ سؤالًا معناه: ما الذي دفعك إلى هذا المسلك؟ كنت أريد أن أثبت لهم عكس ما يفكرون به؛ أي أنني برغم أصولي اليهودية، ومن عائلة بورجوازية، إلا أنني أتبنى أفكارًا ثورية اشتراكية." هذه الكلمات تلخص جوهر إيمانه بالعدالة الاجتماعية وتحرره من القوالب النمطية.

تحول فكري: من "التضامن الطائفي" إلى عمق القضية الفلسطينية

كانت رحلة أسيدون الفكرية نحو مناهضة الصهيونية عميقة ومعقدة. لقد أشار إلى ذلك بالقول "لم أُوْلَدْ مناهضاً للصهيونية"، موضحًا أن غياب الارتباط الشيوعي لوالديه جعل فهمه لحقيقة الأمور يمر بسنوات قبل، قما يقول، أن "أُصدم وأهتز وأخرج اضطراراً من قالب النظرة المكتسبة ومن الإحساس المبتذل للتضامن الطائفي".

يعزو أسيدون هذا التحول الجذري إلى خمسة ظروف محورية في حياته، وهي قناعته بـالفكر الماركسي الذي أظهر له أن الصهيونية ليست حلاً للمسألة اليهودية بل "أسوأ إجابة عليها"، والنكسة وعودته إلى المغرب عام 1967 التي كانت حاسمة في تكوين مواقفه من الاحتلال الإسرائيلي وأسهم نضاله الثوري فيها في فهم معاناة الفلسطينيين. بالإضافة إلى ذلك، كشفت له حرب فيتنام عن طبيعة الإمبريالية والصراعات الدولية، كما ألهمته الثورة الثقافية الصينية رؤى جديدة للتحرر والتغيير، وعززت لديه الانتفاضة الطلابية في مايو 1968 بفرنسا روح التمرد على الأنظمة القائمة

يُؤكد أسيدون أن "اليسار الجديد في المغرب، كما في باقي العالم العربي، هو مولود عام 1967، وقد شكّلت القضية الفلسطينية جزءاً لا يتجزأ من نضالنا". وببلوغه نضجه السياسي والوعي الكامل، صار أسيدون يُعَرِّف عن نفسه بكونه "مواطناً مغربياً، عربياً ــ أمازيغياً"، مؤكدًا على هويته المتعددة والتزامه بقضايا شعبه والعالم. ولم يتردد في التعبير عن مواقفه الصارمة، ففي فيلم وثائقي عام 2014، صرّح بأن "ليس الإسرائيليون مدنيين أبداً: فهم خاضعون جميعاً للخدمة العسكرية، وبالتالي فإنهم يقترفون جرائمَ حرب"، وهو ما يُظهر عمق قناعته وصرامتها.

صوت فلسطين في المغرب: قيادته لحركة BDS والجبهة المناهضة للتطبيع

بعد خروجه من السجن، أسس سيون أسيدون شركة معلوماتية في عام 1986. وهو متزوج من سيدة فلسطينية أميركية ولديه منها ابن، مما يعزز ارتباطه الشخصي بالقضية الفلسطينية. وكان يشغل أسيدون منصب منسق فرع المغرب في "حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات" (BDS) العالمية، وهي حركة دولية مؤثرة تهدف إلى الضغط على إسرائيل لإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني.

بالإضافة إلى نشاطه في حركة BDS، يُعد أسيدون عضوًا مؤسسًا لمنظمة الشفافية ومحاربة الرشوة "ترانسبرانسي المغرب" في عام 2005، وعضوًا في مجلسها الإداري الدولي، مما يعكس اهتمامه الواسع بقضايا الحوكمة ومكافحة الفساد. هذه الأدوار تُبرز مكانته كشخصية عامة لا تتردد في خوض المعارك على جبهات متعددة من أجل العدالة والكرامة.

الجبهة المغربية لدعم فلسطين تطالب بالشفافية والتحقيق المعمق

في بيانها الصادر، أعربت السكرتارية الوطنية للجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع عن قلقها البالغ من الحادث، مؤكدة على ضرورة كشف كل الحقائق والحيثيات المرتبطة به. وقد شددت الجبهة على أن غياب الشفافية في التعامل مع القضية يُثير الشكوك حول طبيعة الحادث، خاصة بالنظر إلى مكانة أسيدون ودوره الريادي في الدفاع عن القضية الفلسطينية ومناهضة التطبيع. وطالبت في بيانها بالكشف عن "كل الحقائق والحيثيات المرتبطة بهذا الحادث الأليم".

ختمت الجبهة بيانها بتجديد تمنياتها للرفيق سيون أسيدون بالشفاء العاجل، وعودته إلى ميادين النضال والتضامن ومناهضة التطبيع، مما يعكس عمق الارتباط الرفاقي والتضامن مع شخصية بهذا الحجم.

تداعيات الحادث وتوقعات المستقبل

يمثل حادث سيون أسيدون نقطة تحول مقلقة في المشهد الحقوقي والسياسي المغربي. ففي ظل تصاعد الجدل حول التطبيع والسياسات الإقليمية، يكتسب أي حادث يطال شخصية بهذا الثقل أبعادًا تتجاوز الجانب الفردي. إن المطالبات بالشفافية والتحقيق المعمق ليست مجرد رغبة في معرفة مصير فرد، بل هي دعوة إلى حماية الفضاء العام للمعارضة والنضال الحقوقي.

.