الأربعاء  27 آب 2025

اعتقال شاعرة متضامنة مع فلسطين: مواجهة بين الفن والسلطة

2025-08-27 08:07:19 AM
اعتقال شاعرة متضامنة مع فلسطين: مواجهة بين الفن والسلطة
بالنسبة لأوزوالد، لم تكن مشاركتها مجرد عمل سياسي؛ بل كانت امتدادًا شخصيًا عميقًا لحياتها وعملها

تدوين- ناديا القطب

في قلب مدينة تعاني من الاحتجاجات وتغير التعريفات القانونية للمعارضة، ظهرت صورة صادمة في التاسع من هذا الشهر: اعتقال أليس أوزوالد، الشاعرة ذات الشهرة العالمية، أمام البرلمان البريطاني. أما جريمتها فكانت حمل لافتة كُتب عليها: "أعارض الإبادة الجماعية وأدعم أكشن فلسطين". صورة امرأة تبلغ من العمر 58 عامًا، يُحتفى بأعمالها لتأملاتها الشعرية في الطبيعة والأساطير، وهي تُقتاد إلى الحجز بسبب عمل احتجاجي سلمي، أثارت موجة من الجدل في الأوساط الأدبية والسياسية. هذا الحدث، أبعد من كونه حادثة معزولة، هو نقطة تقاطع مؤثرة حيث يتصادم الفن والضمير وسياسة الدولة.

أوزوالد، الحائزة على جوائز أدبية مرموقة مثل جائزة تي. إس. إليوت وجائزة غريفين للشعر، لطالما استخدمت عملها لإعطاء صوت لما هو غير مرئي، ومهمَل، ومقصود محوه. هذه الفلسفة التي عبرت عنها بكلماتها: "ليس الغياب ما نراه. إنه ما نختار أن نلاحظه". يبدو أن هذه الرؤية، التي توجه ممارستها الشعرية في لفت الانتباه إلى ما يُراد أن يُمحى، كانت الدافع وراء انضمامها إلى المظاهرة. لقد كانت هناك لتتضامن مع "أكشن فلسطين"، وهي منظمة أُدرجت مؤخراً على لائحة المنظمات المحظورة بموجب قوانين مكافحة الإرهاب في المملكة المتحدة - وهي خطوة أثارت انتقادات حادة من المدافعين عن الحريات المدنية الذين يجادلون بأنها تخلط بين النشاط والإرهاب.

لحظة اعتقالها، كما روت أوزوالد، كانت مشحونة بتعقيد إنساني غير متوقع. لاحظت صراعًا واضحًا في وجوه ضباط الشرطة المكلفين باحتجازها، توترًا بين واجبهم وما اعتبرته عدم ارتياح أخلاقي. قالت لاحقًا للصحفيين: "رأيت الارتباك في وجوههم". لم يكن ردها بمثابة تحدٍ لهم كأفراد، بل كان مناشدة لإنسانيتهم المشتركة. "قلت لهم في السيارة، 'اكتبوا إلى وزيرة الداخلية، وأخبروها أن هذا يجعل حياتكم مستحيلة'". كلماتها تلمح إلى صراع أعمق: ليس فقط بين المحتج والشرطة، بل بين الضمير الفردي والآلية الصلبة لسلطة الدولة. إنها قصة صحفية كلاسيكية، حيث يلتقي الشخصي بالسياسي، ويصبح الوجه الإنساني للقصة رمزًا قويًا.

بالنسبة لأوزوالد، لم تكن مشاركتها مجرد عمل سياسي؛ بل كانت امتدادًا شخصيًا عميقًا لحياتها وعملها. كشفت أنها تقدم دروسًا في الشعر عبر الإنترنت للأطفال والشباب في غزة، وهي تجربة جلبت واقع معاناتهم اليومية إلى حياتها بطريقة حميمة ومباشرة. هذا الارتباط يحول احتجاجها من موقف مجرد إلى استجابة مباشرة ومتعاطفة. إنه تذكير قوي بأن بالنسبة للعديد من الفنانين، فإن الفعل الإبداعي والموقف السياسي ليسا مجالين منفصلين بل وجهان لعملة واحدة - كل منهما مستنير بإحساس عميق بالملاحظة والمسؤولية.

ولدت أوزوالد عام 1966، ولطالما كانت حياتها وفنها متشابكين مع الطبيعة. بعد دراسة الكلاسيكيات في أكسفورد، عملت في البستنة، وهي مهنة أثرت بشكل عميق في شعرها. مجموعتها الأولى، "الشيء في فجوة صخرة ستايل" (1996)، التي فازت بجائزة فورورد، رسخت على الفور أسلوبها الفريد: مزيج من الأساطير الكلاسيكية، والتقاليد القديمة، والواقع الخام والملموس للعالم الطبيعي. شعرها لا يتعلق فقط بما هو مرئي، بل بما هو محسوس، ومسموع، ومذكور.

وصل هذا النهج المميز إلى ذروة جديدة مع "دارت" (2002)، العمل الذي فازت عنه بجائزة تي. إس. إليوت. تدمج القصيدة الملحمية أصوات نهر دارت والأشخاص الذين يعيشون على ضفافه، مما يخلق صورة جماعية للمنطقة وسكانها. في "تذكار" (2011)، حولت عدستها الشعرية إلى ملحمة هوميروس، ولكن بلمسة فريدة. بدلاً من التركيز على المآثر البطولية للشخصيات الرئيسية، ركزت السرد على الجنود المجهولين والشعور بالغياب العميق الذي خلفه موتهم. كان ذلك عملًا من "التنقيب الشعري" الذي، مثل احتجاجها الأخير، سعى إلى استخراج ما تم دفنه أو نسيانه.

استمرت أعمالها اللاحقة، بما في ذلك "غابات"، و"سقوط في اليقظة"، و"لا أحد"، في هذا المسار لجمع الأسطوري والعادي في حوار. في هذه القصائد، تتعايش القصص القديمة وواقع الحياة اليومية، وتصبح الطبيعة مسرحًا لأسئلة الوجود والذاكرة. إن قوة شعرها، مثل وقفتها أمام البرلمان، تكمن في قدرتها على الإصغاء باهتمام لما يتم إخفاؤه أو تهميشه. إنها حرفة الانتباه، عمل متعمد للملاحظة.

ومع ذلك، لم تكن أوزوالد صوتًا وحيدًا. ينضم اعتقالها إلى جوقة متزايدة من الشخصيات الثقافية الذين يستخدمون منابرهم للتعبير عن آرائهم في القضية. إنها تسير على خطى الروائية الأيرلندية سالي روني، التي دعمت علنًا "أكشن فلسطين"، مؤكدة أن العصيان المدني السلمي هو الملاذ الأخير لوقف ما تصفه بالإبادة الجماعية. إن تجمع هذين الصوتين الأدبيين القويين - أحدهما من بريطانيا، والآخر من أيرلندا - يخلق مشهدًا ثقافيًا لم يعد فيه الصمت خيارًا. إنها شهادة قوية على فكرة أن بالنسبة للعديد من الفنانين، فإن الكلمة ليست مجرد أداة للتعبير بل مسؤولية أخلاقية. في عصر تغمرنا فيه المعلومات ويتشتت الانتباه، فإن هذه الأعمال الاحتجاجية - سواء كانت من خلال الشعر أو الكتابة أو الوقوف - هي تذكير بأن الفن ليس مجرد زخرفة، بل هو مرآة تعكس ضميرنا الجماعي.