تدوين-تغطيات
في أمسية ثقافية حاشدة بمدينة هيوستن الأمريكية، أُطلق بتاريخ 23 آب 2025 كتاب "نور من أعماق الظلمة: كتابات وفن من أسير فلسطيني"، وهو أول إصدار أدبي وفني للأسير الفلسطيني شكري أبو بكر، الرئيس التنفيذي السابق لمؤسسة الأرض المقدسة، وأحد أعضاء مجموعة الخمسة المقدسيين (Holy Land Five).
صدر الكتاب في أيار 2025، وهو نتاج تجربة شكري العميقة في الأسر، حيث خرج إلى النور من داخل زنزانات سجن "بيومونت الدامي" (Bloody Beaumont) الفيدرالي. يوثق الكتاب أحلامه بالحرية، وحنينه إلى عائلته، وآلام السجن، إضافة إلى عدوان الاحتلال على غزة، من خلال قصائد ورسومات تعبّر عن تمسكه الثابت بالعدالة والمقاومة رغم مرور 17 عاما على اعتقاله.
وجاء في بيان دار النشر "The Troy Book Makers": "في كتابه 'نور من أعماق الظلمة'، يعبر شكري عن تجربته في السجن، وألمه وأمله كفلسطيني، وحلمه بالحرية، وعمله الإنساني الذي لا يتراجع عنه، وقوة الروابط العائلية، والواقع المرير لفلسطين المعاصرة. من داخل زنزانة في سجن أمني شديد الحراسة في الولايات المتحدة، يكسر صوته المميز حاجز الصمت، معبرا عن رغبته الدائمة في الشفاء، والإصلاح، والأمل بمستقبل أفضل له ولعائلته وبلده".
أمسية حافلة بالمشاعر والنضال الرمزي
جاء إطلاق الكتاب ثمرة تعاون بين ندى أبو بكر، ابنة الأسير، ومنظمة Palestine Solidarity TX. وشهد الحفل ندوة حوارية مؤثرة شارك فيها كل من الناشط روشن أحمد، وندى، وأسعد (رفيق شكري السابق في الزنزانة)، وأحمد شبكون (ابن شقيقه).
امتزجت الكلمات بالرموز، حيث زُينت القاعة بزهور الخشخاش، الزهرة الوطنية لفلسطين، وكل زهرة حملت اسم شهيد، في إشارة رمزية إلى استمرار النضال الفلسطيني رغم القيد والشهادة.
ندى أبو بكر، خلال قراءتها مقتطفا من نص والدها، قالت: "أبي لم يكن يوما مجرما. خدم الناس، أطعم الجائعين، وآمن أن الإنسانية لا جنسية لها. ما نطلبه ليس أكثر من العدالة. وما كُتب في هذا الكتاب ليس مجرد كلمات، بل شهادة على أن الكلمة تقاوم حتى خلف القضبان".
مؤسسة خيرية تتحول إلى تهمة
تأسست مؤسسة الأرض المقدسة (HLF) عام 1989، وكانت حينها أكبر جمعية خيرية إسلامية في الولايات المتحدة، قدمت مساعدات إنسانية واسعة للشعب الفلسطيني، شملت كفالة الأيتام، توزيع الغذاء، بناء المدارس، وتوفير مستلزمات دراسية للأطفال. كما كانت أول منظمة في تكساس تستجيب لكارثة تفجير أوكلاهوما سيتي عام 1995.
لكن نجاح المؤسسة أثار غضب جماعات ضغط صهيونية، بدأت منذ أوائل التسعينيات باتهامها بتمويل حركة حماس. على إثر ذلك، بدأ مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) بمراقبتها بالتعاون مع جهات مثل رابطة مكافحة التشهير (ADL).
وفي عام 1994، ساهمت إدارة بيل كلينتون في تمرير قانون "الدعم المادي للإرهاب"، الذي استُخدم لاحقًا كذريعة لإغلاق المؤسسة وملاحقة قادتها.
في كانون الأول 2001، اقتحمت السلطات الأمريكية مقر المؤسسة وأغلقته. وبعد ثلاث سنوات، داهمت منازل خمسة من كبار مسؤوليها واعتقلتهم: شكري أبو بكر، غسان العشي، مفيد عبد القادر، عبد الرحمن عودة، ومحمد الميزين.
وقد وُصفت المحاكمات اللاحقة بأنها من أسوأ نماذج العدالة الزائفة في التاريخ الأمريكي، حيث استندت إلى "أدلة سرية" وشهادات من شهود إسرائيليين مجهولين، دون إتاحة الفرصة لفريق الدفاع لفحص الأدلة أو استجواب الشهود.
رغم غياب أي دليل فعلي على "تمويل الإرهاب"، أُدين الخمسة في المحاكمة الثانية. أُفرج لاحقا عن ثلاثة منهم: عبد الرحمن عودة (2020)، محمد الميزين (2022)، ومفيد عبد القادر (2024). بينما لا يزال شكري أبو بكر وغسان العشي يقضيان حكمًا بالسجن المؤبد (65 عامًا) في سجن بيومونت الفيدرالي.
إبداع خلف القضبان: المسبحة والشعر وسلاح الذاكرة
رغم القيد والظروف القاسية، رفض شكري أن يسمح للسجن بإطفاء نوره الداخلي. حوّل زنزانته إلى مساحة للإبداع، حيث كتب الشعر، ورسم، وصنع مسبحات من فتات الخبز، في عملية دقيقة تستغرق شهرا كاملا لإنتاج كل مجموعة.
كتب في كتابه عن هذه المسبحات التي أسماها "مجموعة صمود": "كل حبّة تأتي من يدي وخيالي، ومن رغبة صادقة لتشجيع الجميع على ذكر الله".
منذ 7 تشرين الأول 2023، ومع تصاعد الحملة ضد الفلسطينيين في الولايات المتحدة، تدهورت ظروف شكري داخل السجن، لكنه بقي صامدا. وكتب في رسالة لأحد أصدقائه: "إن متُّ في السجن، فهذه ستكون شهادتي".
أسعد، رفيقه السابق في الزنزانة، والذي أُفرج عنه عام 2024 بعد 20 عاما من الاعتقال الظالم، قال خلال الندوة: "أبو بكر غيّر حياتي. تحدثنا عن كل شيء. إذا كانت الحياة تجارب، فإن العشرين عاما التي قضيتها لألتقي به كانت تستحق كل لحظة".
أما ابن شقيقه أحمد شبكون، فقال: "كان نورا في حياتي لم أعلم بوجوده. لا شيء يُخيفنا. أبو لم يرتكب أي خطأ".
واختُتم الحفل بقراءة ندى لمقطع من كتاب والدها، جاء فيه:
"نُعاقب لأننا خدمنا المحتاجين، وزعنا القمح والزيت، وبنينا المدارس، وأدخلنا الفرح إلى قلوب الأطفال. فهل كانت تلك هي الجريمة؟ نحن نحب الحياة. لكن يبدو أن حب الحياة في فلسطين... هو الجريمة الأعظم".
"أنا وغسان أصبحنا أيقونة لظلم لا يُطاق. نحكم بالسجن المؤبد لأننا خدمنا البشر. كأنّ القلق على طفل بعظام مكسورة، أو بناء مدرسة لأيتام، أو توفير وجبة لمحتاج، هو تهمة يعاقب عليها القانون".
"نحن أحببنا الحياة، دافعنا عنها، وحمينا قدسيتها. فهل هذه هي 'أم الجرائم'؟ كان حلمنا أن نلقى ربنا واقفين... ونحن لا نزال نخدم الإنسانية، لا أن نخدم عقوبة بسبب إنسانيتنا".