تدوين- أحمد أبو ليلى
مرّ ثلاثة وأربعون عامًا على مجزرة صبرا وشاتيلا، تلك الفظاعة التي استمرت ثلاثة أيام في لبنان في خضمّ الغزو العكسري الإسرائيلي والحرب الأهلية اللبنانية المستمرة. في الفترة من 16 إلى 18 سبتمبر/أيلول 1982، نُفّذت موجة قتل استهدفت اللاجئين الفلسطينيين بتقسيمٍ مُرعبٍ للعمل، بطريقة آليةٌ، كما يرى بعض الباحثين، أساسيةٌ لفهم الفظائع الجماعية.
في كتابه "حيونة الإنسان"، يتناول الكاتب السوري الراحل ممدوح عدوان المجزرة باعتبارها "مثالًا كاملًا على القتل الجماعي". ويجادل بأن المسؤولية قُسِّمت عمدًا بين أطراف متعددة، مما سمح لكلٍّ منها بالتنصل من نصيبه من اللوم، وتجاهل ما كان يفعله الآخرون.
تسلسلٌ مُتعمّدٌ من الخيانة
يُفصّل عدوان الأحداث بدقة، كاشفًا عن تسلسلٍ مُدبّرٍ بعناية. بدأ الأمر بالغزو الإسرائيلي لبيروت، ظاهريًا لإجبار المقاومة الفلسطينية على الانسحاب. وافقت منظمة التحرير الفلسطينية على ذلك، ولكن فقط بعد تلقي ضمانة أمريكية رسمية بحماية المدنيين في المخيمات. إلا أن هذا الوعد كان أول ما نُكث.
كان اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب بشير الجميل الحدث الرئيسي التالي. وبدعوى "منع الفوضى"، دخلت القوات الإسرائيلية بيروت الغربية، في خطوة تجاوزت خطتها الأولية للغزو. تلا ذلك حصار كامل لمخيمي صبرا وشاتيلا.
بعد إغلاق المخيمين تمامًا، سمح الإسرائيليون لقوات ميليشيا الكتائب اللبنانية بالدخول، مدعين أنهم يبحثون عن "مخربين". لكن أفعالهم كانت مختلفة. واستمرت قوات الاحتلال الإسرائيلي في حصارها للمخيم، مانعين أي شخص من الدخول أو الخروج. وفي الليل، أطلقوا قنابل إنارة من السماء، لإضاءة المخيمين لقتلة الكتائب على الأرض. لم يكن دور الإسرائيليين، كما يشير عدوان، القتل المباشر، بل "ضمان استمرار القتل". هذا التقسيم الصارخ للأدوار - طرف يحاصر، وآخر يقتل، وثالث يتجاهل - مكّن من وقوع المذبحة بأبشع صورها.
واستمرت الأدلة المروعة على هذه المؤامرة لسنوات. عندما قرر إيلي حبيقة، قائد الكتائب الذي قاد القوات إلى المخيمات، الإدلاء بشهادته أمام محكمة بلجيكية ضد أرييل شارون، اغتيل في بيروت عام 2002، مما أدى إلى إسكات شاهد رئيسي على تدبير المجزرة.
إعطاء صوت للضحايا
بينما يُحلل عدوان الآليات السياسية للجريمة، تُركز الباحثة اللبنانية بيان نويهض الحوت على تكلفتها البشرية. يعتمد كتابها "صبرا وشاتيلا: سبتمبر 1982" على شهادة الشهود الناجين من المجرزة. فلمدة عامين ونصف، من عام 1982 إلى عام 1985، جمعت الحوت شهادات الناجين بعناية فائقة، في وقت كان فيه مجرد الحديث عن المجزرة جريمة جنائية في لبنان.
في بحثها، وثقت الحوت بدقة أسماء 1390 من الضحايا والمفقودين، نافيةً بذلك بشكل مباشر مزاعم انخفاض عدد القتلى. يقدم كتاب الحوت سردًا مروعًا يوميًا للمجزرة، حافلًا بشهادات صادمة من الناجين وعمال الإغاثة. تؤكد هذه الروايات أن جنود الاحتلال الإسرائيلي الذين حاصروا المخيمين كانوا على دراية تامة بما كان يحدث في الداخل، مما يعزز نظرية عدوان حول توزيع المسؤولية.
والأهم من ذلك، تستخدم الحوت البيانات والإحصاءات لدحض الادعاء الإسرائيلي بأن صبرا وشاتيلا كانت "معركة" لتحييد "المخربين". تُظهر أدلتها أن الضحايا لم يكونوا مقاتلين، بل أمهات وآباء وأطفال. لم يكونوا جميعهم فلسطينيين، بل كانوا أيضًا لبنانيين وسوريين وعمالًا أجانب من باكستان وبنغلاديش وإيران. كان التصنيف المتعمد للضحايا على أنهم "مخربون" أداةً لنزع الصفة الإنسانية، متجذرة في أيديولوجية صهيونية تنكر وجود الشعب الفلسطيني، مما يجعل الجريمة نفسها أكثر قبولًا.
يمتد إرث صبرا وشاتيلا، كما يوضح المؤلفان، إلى ما هو أبعد من تلك الأيام الثلاثة عام 1982. فهو يُمثل سابقة تاريخية راسخة لكيفية ارتكاب الفظائع من خلال تجزئة المسؤولية وتجريد شعب من إنسانيته. وتُمثل آليات الحصار والعقاب الجماعي نمطًا لا يزال، للأسف، واضحًا في الصراعات اليوم، وأحدثها وأكثرها وضوحًا في الأحداث الجارية في غزة.