الجمعة  26 أيلول 2025

قائمة البوكر 2025 القصيرة: بوصلة الأدب نحو العائلة والعواطف الإنسانية

2025-09-26 07:17:30 AM
قائمة البوكر 2025 القصيرة: بوصلة الأدب نحو العائلة والعواطف الإنسانية
ستة أعمال روائية تُلامس التجربة الإنسانية

تدوين- يحدث الآن

أُعلنت قائمة "البوكر" القصيرة لعام 2025، لتُقدّم للقراء في أنحاء العالم نافذة على ستة أعمال روائية تُلامس التجربة الإنسانية. في إعلانٍ أُجري مساء أمس، كُشفت أسماء الروائيين الستة الذين تأهّلوا للمرحلة النهائية من واحدة من أبرز الجوائز الأدبية في العالم. تُسلّط هذه القائمة، التي تُعدّ خلاصةً لجهود لجنة تحكيم متخصّصة، الضوء على موضوعات عميقة ومتشابكة تدور في فلك العائلة وتحوّلاتها المعقّدة، بدءًا من العلاقات بين الآباء والأبناء وصولاً إلى التحدّيات التي تواجه الأزواج على مرّ السنين.

تُشكّل هذه الروايات، باختلاف أطوالها وأساليبها، لوحةً فسيفسائية عن الحياة المعاصرة. فمن عملٍ قصير مكثّف لا يتجاوز 200 صفحة، يروي أحداثًا تدور في غضون بضعة أشهر، إلى ملحمةٍ روائية تقارب 700 صفحة، تتتبّع قصة حب طويلة عبر الزمن. هذا التنوّع في الشكل والمضمون يُثري القائمة ويجعلها انعكاسًا صادقًا لغنى المشهد الروائي العالمي. وفي تعليقه على الأعمال المختارة، قال رئيس لجنة التحكيم، الروائي الأيرلندي روددي دويل: "إن روايات هذه القائمة مكتوبة بتميّز وإنسانية فائقة، حيث يمتلك كل كاتب لغته وإيقاعه وخبرته الخاصة. إنها أعمالٌ تُثير العاطفة، وتُشعل الفضول، وتُحفّز على التفكير العميق في طبيعة الوجود البشري".

 

رحلة بين اللجان والأعمال

لم تكن مهمّة لجنة التحكيم بالسهولة المتوقّعة، فقد ترأّس الروائي الأيرلندي روددي دويل، الحائز على جائزة "البوكر" عام 1993 عن روايته "باتيما في الماء" (Paddy Clarke Ha Ha Ha)، لجنةً ضمّت أسماءً لامعة من عالم الأدب والنشر والإعلام. كان من بين أعضائها الروائية النيجيرية أيوبامي أديبايو، صاحبة رواية "ابقَ معي" التي لاقت إقبالًا واسعًا، والناشرة الأميركية سارة جيسيكا باركر، التي تتمتّع بنظرة ثاقبة في سوق النشر، بالإضافة إلى الناقد الأدبي البريطاني كريس باور والكاتبة الأميركية كايلي ريد.

وقد عكفت اللجنة على قراءة وتمحيص 153 عملاً روائيًا قُدّمت للترشّح للجائزة. وفي هذه المرحلة الدقيقة، لم يكن الاختيار مقتصرًا على جودة الكتابة فقط، بل كان يرتكز أيضًا على قدرة العمل على تقديم رؤية فريدة ومؤثّرة. لقد أظهرت الأعمال الستة المختارة قدرةً استثنائية على الخوض في تفاصيل العلاقات الإنسانية التي تُشكّل نسيج حياتنا. من هنا، جاءت قوّة القائمة القصيرة؛ فهي لا تُقدّم مجرّد روايات، بل تُقدّم قصصًا تُشبهنا، تُلامس مخاوفنا وتطلّعاتنا، وتُجبرنا على التفكير في من نكون ومن نحبّ.

تحليل القائمة: أصوات مألوفة ووجوه جديدة

تُظهر القائمة القصيرة تنوّعًا لافتًا ليس فقط في الموضوعات، بل في خلفيات مؤلّفيها. فقد ضمّت أربعة جنسيات مختلفة، هي: الهند، وبريطانيا، وهنغاريا، وأميركا، ممّا يُبرز الطابع العالمي للجائزة. كما تُعيد القائمة أسماءً لها تاريخ مع "البوكر"، وتُقدّم في الوقت نفسه وجوهًا جديدة تُضيف طاقةً متجدّدةً إلى المشهد الأدبي.

تعود الروائية الهندية كيران ديساي إلى القائمة القصيرة بعد فوزها بالجائزة عام 2006 عن روايتها "ميراث الخسارة" (The Inheritance of Loss)، ممّا يُعطي ترشيحها هذا العام وزنًا خاصًا. انضمّ إليها في القائمة روائيان سبق لهما الترشّح: البريطاني أندرو ميلر، والبريطاني-الهنغاري ديفيد سزالاي. هذه العودة تُشير إلى استمرارية جودة أعمال هؤلاء الكتّاب وقدرتهم على تقديم إبداعات أدبية قوية.

وفي المقابل، شهدت القائمة دخول ثلاثة أسماء للمرة الأولى، ممّا يُعدّ شهادةً على قدرة الجائزة على اكتشاف المواهب الجديدة والاحتفاء بها. وقد أشار روددي دويل إلى هذا المزيج من الخبرة والحداثة، معتبرًا أنه يُثري النقاش حول الروايات وقيمتها الفنية.

إطلالة على الأعمال المرشّحة

تتضمن القائمة القصيرة الروايات التالية، وكل منها يُقدّم رحلةً فريدة من نوعها:

  • "الجسد" (The Body) للروائي ديفيد سزالاي: يُقدّم سزالاي في روايته رؤيةً عن الجسد كوعاء للتجارب الإنسانية. من خلال لغةٍ مكثّفة وشخصياتٍ متعدّدة، يبحث العمل في الهشاشة والقوة والذاكرة الجسدية.
  • "بقية حياتنا" (The Rest of Our Lives) للروائي الأميركي بن ماركوفيتز: تُعدّ هذه الرواية بمثابة تأمّل في الزمن وتأثيره على العلاقات. فهي لا تكتفي باستكشاف تحدّيات التقدّم في العمر، بل تتعمّق في طبيعة الزواج الطويل، وكيف يمكن للحب أن ينمو ويتغيّر في ظلّ التراكمات اليومية.
  • "وحدة سونيا وصني" (The Loneliness of Sonya and Sunny) للروائية كيران ديساي: تمتد أحداث هذه الرواية بين الهند وأميركا، لتُصوّر التناقضات بين عالمين وثقافتين. هي قصة عن الحب والعائلة، وعن الصراع الأبدي بين التقليد العريق والحداثة الصارخة.
  • "الأرض في الشتاء" (Wintering Earth) للروائي أندرو ميلر: يُبحر ميلر في هذا العمل في تفاصيل الحياة اليومية، مستخدمًا لغةً شاعريةً لفكّ شفرات متاهات العاطفة. هي رواية عن التفكير العميق في معنى الوجود.
  • "تجربة أداء" (Audition) للكاتبة الأميركية كاتي كيتامورا: تُثير كيتامورا في روايتها سؤالاً وجوديًا عن مدى معرفتنا الحقيقية بأحبائنا. فمن خلال بناء سردي مشوّق، تضع القارئ في مواجهة مع الشكوك الداخلية والغموض الذي يحيط بالعلاقات.
  • "مصباح أميركي" (An American Light) للكاتبة الأميركية سوزان تشوي: تُعدّ هذه الرواية رحلةً في أعماق الذاكرة واللغة والهوية. تُحلّل تشوي كيف تُشكّل هذه العناصر فهمنا للعائلة والانتماء، وتُبرز كيف يمكن للماضي أن يُلقي بظلاله على الحاضر.

الاحتفاء بالإبداع الأدبي

تُعدّ جائزة "البوكر" منصّةً عالمية للاحتفاء بأفضل الأعمال الروائية الطويلة المكتوبة باللغة الإنكليزية. وتُحدّد شروطها بأن تكون هذه الأعمال قد نُشرت في المملكة المتحدة أو أيرلندا، ممّا يضمن أن تظلّ الجائزة وفيةً لجذورها.

وتُذكّرنا قائمة هذا العام بأن الأدب، في جوهره، هو مرآةٌ للحياة. ففي الوقت الذي تتنافس فيه الروايات على جائزةٍ مرموقة، فإنها تُقدّم لنا جميعًا هديةً لا تُقدّر بثمن: فرصةٌ لعيش قصصٍ جديدة، وفهم عوالم مختلفة، واكتشاف أبعادٍ لم نكن نعرفها عن أنفسنا وعن علاقاتنا.

سينتظر العالم الأدبي بفارغ الصبر الإعلان عن الفائز بالجائزة في حفلٍ يُقام في العاصمة البريطانية لندن يوم 10 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، ليتوّج اسمًا جديدًا في سماء الإبداع، ولتُختتم رحلةٌ أدبيةٌ بدأت بمئات المخطوطات وانتهت بستة أعمالٍ خالدة.