تدوين-يحدث الآن
مع اقتراب موعد معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، المقرر عقده بين 15 و19 تشرين الأول 2025، يجد الوسط الثقافي الفلبيني نفسه في قلب جدل أخلاقي محتدم. فبينما تستعد الفلبين لتكون ضيف الشرف لهذا العام، وهو إنجاز لطالما سعت إليه الدولة عبر حملات استمرت لعقد كامل، تتصاعد الدعوات إلى مقاطعة المعرض بسبب ما ينظر إليه كتواطؤ مؤسسي في طمس الرواية الفلسطينية وتطبيع الإبادة الثقافية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني.
منذ انطلاقه عام 1949، يعتبر معرض فرانكفورت للكتاب الحدث الأهم في سوق النشر العالمي، حيث تتقاطع مصالح الأدباء والوكلاء ودور النشر لتبادل الحقوق والترويج للإصدارات. وكون دولة ما ضيف الشرف، يعني حصولها على جناح خاص وبرنامج ثقافي يسلط الضوء على أدبها وهويتها.
في هذا السياق، فازت الفلبين بلقب "ضيف الشرف" لهذا العام، بعد جهود كبيرة من هيئة تطوير الكتاب الوطنية بالتعاون مع اللجنة الوطنية للثقافة والفنون. ووفقا للمسؤولين، فإن المشاركة تمثل "فرصة لتوسيع سوق النشر الفلبيني وربط المبدعين بالسوق العالمية".
نداءات المقاطعة..الصوت الفلبيني ينقسم
إلا أن هذه الفرصة لم تمر دون اعتراض. فقد دعا ائتلاف "الناشرون من أجل فلسطين"، الذي يضم أكثر من 600 دار نشر من 50 دولة، إلى مقاطعة المعرض احتجاجا على "الانحياز الصارخ لإسرائيل وتجاهلها للانتهاكات بحق الشعب الفلسطيني".
في عام 2023، أصدر معرض فرانكفورت للكتاب بيانا ردا على انطلاق معركة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر. كتب مدير المعرض، يورجن بوس: "يقف معرض فرانكفورت للكتاب بتضامن كامل إلى جانب إسرائيل". وفي وقت لاحق من ذلك الشهر، قام المعرض بـ"تأجيل غير محدد" لحفل توزيع جوائز رواية الكاتبة الفلسطينية عدنية شبلي بعنوان "تفصيل ثانوي"، التي تركز على اغتصاب فتاة بدوية فلسطينية على يد جنود الاحتلال.
وفي عام 2024، منح المعرض جائزة السلام للتجارة الألمانية للكتاب للصحفية الأمريكية آن أبلباوم، التي أيدت علنا القصف الإسرائيلي لمحطات الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية.
هذا الواقع دفع عددا من الكتاب والناشرين الفلبينيين إلى إعلان مقاطعتهم للمعرض، مؤكدين أن "الفوائد الاقتصادية لا تبرر التواطؤ مع الإبادة الجماعية".
قال الناشر والكاتب آدم ديفيد: "نحن كشعوب عانت من الاستعمار، من واجبنا أن نقف ضد الظلم، لا أن نبيع كتبنا للذين يمولون القتل في فلسطين".
أما دار Gantala Press النسوية، فاعتبرت المشاركة في المعرض "تطبيعا لمحو الثقافة الفلسطينية وغياب الرواية الفلسطينية عن مشهد تبادل المعرفة العالمي".
وقالت الدار لمجلة رولينغ ستون الفلبينية: "لا يمكننا بضمير حي الاستمرار في الادعاء بأننا ننتج كتبا رائعة للعالم ونحن نعلم أن المؤسسة التي نشارك فيها هذه الكتب متورطة أيضا بشكل عميق في محو حقوق شعوب أخرى".
من جهة أخرى، دافعت تشاريس أكينو توغادي، مديرة هيئة تطوير الكتاب، عن المشاركة، مؤكدة أن "المسألة ليست اختيارا أبيض وأسود"، ومضيفة: "نحن نحاول أن ننمو ونشارك رواياتنا. هذه مساحة لنتحدث ونسمع… لا يجب أن يساء الظن بمن يختار الظهور، كما لا يهاجم من يختار المقاطعة".
بين السوق والهوية
ومع انقسام الوسط الثقافي الفلبيني، يطرح كثيرون أسئلة جوهرية: هل تقاس القيمة الثقافية بحجم الترجمة والعرض في أوروبا؟ وهل المشاركة في سوق دولي تبرر التجاهل الأخلاقي لقضايا تحرر الشعوب؟
يقول الروائي غلين دياز: "كيف يمكن أن نروّج لأدبنا عالميا، بينما أطفالنا في الداخل لا يستطيعون قراءة جملة؟ المقاطعة موقف أخلاقي، لا يلغي طموحات الآخرين، لكنه يسأل: ما الثمن؟"
القضية الفلسطينية لم تعد شأنا عربيا أو إقليميا، بل باتت معيارا أخلاقيا عالميا
الموقف الفلبيني، رغم انقسامه، يعكس أن القضية الفلسطينية لم تعد شأنا عربيا أو إقليميا، بل باتت معيارا أخلاقيا عالميا. فكلما امتد الصمت، أو تواطأت المؤسسات الثقافية مع الاحتلال، ارتفع صوت المثقفين الأحرار رفضا، من مانيلا إلى بوينس آيرس.
قالت Gantala Press: "إذا استطاعوا محو فلسطين، فإن بإمكانهم محو شعوب أخرى. المقاطعة موقف مبدئي في وجه عالم يبنى على العنف والهيمنة".