الإثنين  17 تشرين الثاني 2025

تحسبا لزوالها… هارفارد تؤرشف إسرائيل في قبو سري تحت الأرض

2025-11-17 02:16:33 AM
تحسبا لزوالها… هارفارد تؤرشف إسرائيل في قبو سري تحت الأرض
مستودع تخزين تابع لمكتبة هارفارد

تدوين-تغطيات

كشفت صحيفة هآرتس العبرية عن مشروع غير معلن في جامعة هارفارد الأمريكية، يتمثل في إنشاء موقع أرشيفي ضخم وسري مخصص لحفظ كل ما ينشر عن دولة الاحتلال، في خطوة توحي، وفق الصحيفة، باستعداد ثقافي لاحتمال "زوالها" أو تعرضها لانهيار مفاجئ.

وتشير التقارير إلى أن الهدف من المشروع هو حفظ التراث الثقافي والعلمي والاجتماعي المرتبط بدولة الاحتلال، بما في ذلك كل ما يمكن أن يعكس هويتها ومجتمعها، في مكان آمن ومستقر سياسيا خارج حدودها.

وتقول الصحيفة إن الجامعة تحتفظ بعشرات آلاف الكتب والمنشورات والمواد البصرية والوثائق التي تعكس الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية المرتبطة بدولة الاحتلال، داخل قاعات واسعة تحت الأرض، تبدو من الخارج كأنها مبنى كلاسيكي، بينما تخفي في باطنها أرشيفا متشعبا وممتدا. ويضم الأرشيف مواد نادرة يصعب العثور عليها حتى في المكتبات الأكاديمية داخل الأراضي التابعة لدولة الاحتلال نفسها.

ويروي الشاعر والروائي الإسرائيلي حاييم بئير، الذي زار الموقع في أواخر التسعينيات، أن المكان بدا له "استثنائيا"، إذ اكتشف قبوا كبيرا يغص بأنواع من المواد المطبوعة التي توثق الحياة اليومية والأنشطة المجتمعية والسياسية والدينية في ظل دولة الاحتلال عبر عقود طويلة.

ويصف مشهدا لنساء يعملن دون توقف على فهرسة هذه المواد المتنوعة، التي تشمل منشورات الكنس اليهودية ونشرات الكيبوتسات وملصقات الدعاية السياسية وكتيبات تخليد قتلى الحروب، وأعلام الاحتفالات الدينية، بالإضافة إلى منشورات تتعلق بالتعليم والفنون والأنشطة الاجتماعية المحلية. كما تضمنت المواد تسجيلات صوتية ومرئية تصل إلى عشرات آلاف الساعات، وما لا يقل عن ستة ملايين صورة، ووثائق تمتد إلى ملايين الصفحات.

نظام ذاكرة بديلة

وبحسب هآرتس، لا تعامل الجامعة هذه المواد على أنها "هامشية"، بل تعتبر وثائق اجتماعية أساسية تسجل تحولات اللغة والسياسة والدين والحياة العامة في مناطق دولة الاحتلال عبر الزمن. ويشير التقرير إلى أن هذا الأرشيف يشكل "نظام ذاكرة بديلة"، مستقل عن المؤسسات الرسمية التابعة لدولة الاحتلال، ما يمنحه حماية أكبر في حال تعرضها لأزمات أو كوارث، ويؤمن استمرارية الرواية الثقافية والاجتماعية حتى في ظل ظروف استثنائية.

ويعود المشروع إلى جهود الباحث اليهودي تشارلز برلين، الذي عُيّن في ستينيات القرن الماضي أمينا لقسم جديد في هارفارد لتوثيق الحياة والثقافة اليهودية عبر الأجيال. وتشير تقديرات أمناء المكتبات في الجامعة إلى أن القسم بات يضم اليوم نحو مليون عنصر أرشيفي، يمكن أن يحتوي كل منها على عشرات أو مئات الوثائق.

ويعتبر برلين أن حفظ هذه المواد في الولايات المتحدة يشكل "نسخة احتياطية كاملة للثقافة المرتبطة بدولة الاحتلال" و"تأمين حضاري" يضمن بقاء جزء من الذاكرة الثقافية والاجتماعية في مكان آمن ومستقر سياسيا.

ورغم ضخامة المشروع وأهميته البحثية، لم يخلُ من جدل داخل الأراضي التابعة لدولة الاحتلال. فبحسب الصحيفة، رفض بعض المسؤولين مشاركة أرشيفات حساسة مع برلين بسبب انزعاجهم من الفرضية التي يقوم عليها المشروع، وهي احتمال ألا تبقى دولة الاحتلال موجودة في المستقبل.

ويقول الكاتب إيهود بن عزر، أحد المتعاونين مع برلين، إن الأخير واجه انتقادات حادة، بما في ذلك اتهامات من مؤرخ إسرائيلي شاب بأنه يوثق دولة الاحتلال انطلاقا من الشك في قدرتها على البقاء. ومع ذلك، يؤكد بن عزر أن المشروع لا يحتاج إلى كارثة لتبريره، إذ إن الأرشيفات في مناطق دولة الاحتلال نفسها معرضة للضرر بسبب الفيضانات أو الحرائق أو الإهمال.

ويضيف التقرير أن المشروع يعكس اهتماما علميا وثقافيا بحفظ التاريخ والهوية على الرغم من الضغوط السياسية والتحديات الأمنية، ويظهر كيف يمكن للمؤسسات الأكاديمية الكبرى أن تلعب دورا في حماية التراث الثقافي لأي مجتمع.

كما يشير التقرير إلى أن حفظ الذاكرة خارج سلطات دولة الاحتلال يعكس وعي الباحثين بخطورة فقدان الرواية الوطنية في حال تعرضها لمخاطر داخلية أو خارجية، وهو ما يجعل المشروع مثالا على التأمين الحضاري الذكي.