الأربعاء  03 كانون الأول 2025

من هواتف مهربة في غزة إلى شاشة العالم: الكواليس السرية لفيلم "المهمة"

2025-12-03 04:12:28 AM
من هواتف مهربة في غزة إلى شاشة العالم: الكواليس السرية لفيلم
فيلم المهمة

تدوين-تغطيات 

كشفت مجلة فارايتي الأميركية في تقرير خاص عن كواليس إنتاج الفيلم الوثائقي "المهمة" (The Mission)، الذي يروي تجربة الجراح البريطاني من أصل عراقي محمد طاهر خلال عمله في قطاع غزة أثناء العدوان الإسرائيلي، في توثيق غير مسبوق أنجز بالكامل تقريبا عبر هواتف محمولة داخل مناطق القصف.

ويعد الفيلم، الذي ينتجه المخرج البريطاني المرشح للأوسكار مايك ليرنر عبر شركته Roast Beef Productions، وثيقة بصرية نادرة تمكن صانعوها من جمعها رغم منع طواقم الإعلام الغربية من دخول القطاع، واستشهاد ما يقرب من 270 صحفيا منذ بدء العدوان، بحسب ما نقلته فارايتي.

تصوير سري 

بحسب ما قاله ليرنر لـ"فارايتي"، تعذر دخوله غزة بسبب قيود الاحتلال، ما دفعه إلى تهريب عدة هواتف "آيفون" إلى داخل القطاع. تولى اثنان من المساعدين الطبيين الموثوقين لدى الدكتور طاهر مهمة التصوير على مدار أربعة أشهر، موثقين تفاصيل عمله الطبي في أحد أكثر المستشفيات ازدحاما بالإصابات.

ويؤكد ليرنر أن هوية المصوّرين بقيت طي الكتمان بسبب "استمرار استهداف الاحتلال للمسعفين والصحفيين"، مضيفا أن هؤلاء باتوا الشهود الوحيدين داخل غرف العمليات في ظل غياب كامل للفرق الإعلامية المستقلة.

الطبيب محمد طاهر

بداية المشروع: لقاء صدفة على البحر الأحمر

تقول فارايتي إن بداية المشروع تعود إلى لقاء جمع المنتج كريم عامر بالدكتور طاهر بعد خروجه من غزة عبر معبر رفح في آب الماضي. وخلال استراحة قصيرة على ساحل البحر الأحمر، طرح عامر فكرة الفيلم على الطبيب الذي وافق فورا، قبل أن يسافر إلى لندن في اليوم التالي للقاء ليرنر والعمل على تطوير المشروع.

وبالتزامن مع تصوير الدكتور طاهر داخل لندن وعمّان خلال رحلاته المتكررة، بدأت المواد المصوّرة من داخل غزة تصل تباعا إلى فريق الإنتاج، لتحدث تحولا جوهريا في شكل الفيلم؛ إذ تكون 80% من محتواه من المقاطع التي صورت داخل القطاع، وفق ما أوضحه ليرنر للمجلة.

وأوضح ليرنر لـ"فارايتي" أن أصعب المقاطع التي اضطر فريقه لمشاهدتها خلال التنقيح كانت تلك التي توثق استشهاد الأطفال داخل غرف العمليات، مشيرا إلى أن الفريق استعرض أكثر من 100 ساعة من المواد الخام.

وقال إن الفريق حرص على عدم تحويل الفيلم إلى "عرض للفظائع"، لكنه في الوقت نفسه لم يشأ "الهروب من الحقيقة". وأضاف أن أكثر ما أثر فيه هو مشاهد ذوي الشهداء وهم يتلقون بقايا الجثامين داخل أكياس بلاستيكية، وهي اللقطات التي دفعت الطبيب طاهر إلى أن يسأل أمام الكاميرا: "في أي عالم نعيش؟".

وتشير المجلة إلى أن ليرنر يرى أن مشاهد الحزن والفقد تفوق في صدمتها مشاهد العمليات الجراحية نفسها، لأنها تُظهر حجم الدمار الذي لحق بالعائلات وحجم المعاناة الإنسانية التي يعيشها الفلسطينيون.

ورغم قسوة الواقع، يبرز الفيلم لحظات إنسانية ملهمة، وفق ما نقله تقرير فارايتي عن ليرنر، الذي قال إن إنقاذ حياة واحدة داخل غزة يعد "فعلا من أفعال المقاومة". وأوضح أن كل حالة يتم فيها إنقاذ مريض أو الحفاظ على طرف أو قدرة على الحركة تمثل "انتصارا للشعب الفلسطيني وللإنسانية".

رحلة الفيلم إلى الجمهور

أفاد ليرنر للمجلة بأن فريقه بدأ خطوات طرح الفيلم عبر شركة Journeyman Pictures، مؤكدا أن العمل فريد من نوعه ولا يشبه أي فيلم آخر خرج من غزة، إذ يعتبره "وثيقة تاريخية لا يمكن تكرارها".

ويُعرض الفيلم حاليا في مهرجان فلسطين للسينما في لندن بعد عرضه الأول في مهرجان عمّان السينمائي الدولي في تموز الماضي. ويخطط فريق الإنتاج لإطلاق حملة واسعة بعد انتهاء المهرجانات، تشمل عروضا مجتمعية في الجامعات والمستشفيات والمؤسسات المدنية داخل بريطانيا وخارجها، بهدف الوصول إلى الجمهور المتضامن مع القضية الفلسطينية، بحسب ما نقلته "فارايتي".

ويقرّ ليرنر بأن بعض دور السينما قد تتردد في عرض الفيلم لأسباب سياسية، لكنه يؤكد أن الجمهور وحده سيحسم هذا القرار من خلال الإقبال على مشاهدته.

ويرسم فيلم "المهمة"، كما تنقل فارايتي، صورة إنسانية موجعة لما يحدث داخل غرف العمليات في غزة، عبر عدسات طواقم طبية تعمل تحت النار، ليصبح ليس مجرد عمل سينمائي، بل شهادة حيّة على مرحلة مفصلية في تاريخ المنطقة، وسردية مقاومة صنعتها كاميرات صغيرة لكن شاهدة على كل شيء.