تدوين-مثنى النجار
في خيمة نزوحٍ نُصبت على عجل في منطقة المواصي، لا تُعرض لوحات فنية للترف أو الزينة، بل تُعلَّق شهادات حيّة على واحدة من أقسى مراحل الحياة في غزة. فيها يحوّل الفنان التشكيلي النازح إبراهيم عدوان الألم اليومي إلى خطوط ورسومات، ويجعل من الخيمة مساحة للبوح، ومن الفن أداة لمقاومة المحو والنسيان، في محاولة لتوثيق حكاية نزوحٍ يعيشها هو وآلاف غيره.
يقول الفنان التشكيلي إبراهيم عدوان، من سكان بلدة بني سهيلا شرقي خان يونس، إن الحرب لم تكتفِ بتدمير منزله، بل طالت أيضًا مكان عمله، وكل ما كان يمثّل له مساحة للإبداع والحياة.

وجد نفسه نازحًا في منطقة المواصي، داخل خيمة لا تقي حرًّا ولا بردًا، لكنه قرر ألا يسمح للواقع القاسي بأن يصادر صوته كفنان.
يقول: "عندما فقدت البيت والمرسم، شعرت أنني فقدت جزءًا من نفسي، لكنني أدركت سريعًا أن الفن يحتاج إلى إحساس صادق".
بعد النزوح، لم يمتلك عدوان أدوات فنية تقليدية، فاستعان بالمنشطر ومواد بسيطة، وبدأ يرسم يوميات النزوح: الخيمة، الطرق الموحلة، النساء المنهكات، الأطفال، رحلة البحث عن الماء، والانتظار الطويل المعلّق بين الخوف والأمل.
تحوّلت هذه الرسومات إلى توثيق بصري لمرحلة قاسية يعيشها الفلسطينيون في غزة.
يتابع: "كل لوحة أرسمها هي جزء من حياتنا، أرسم ما نعيشه دون تجميل: الخيمة، الرحيل، الألم، ولكن أيضًا الصمود".
داخل خيمته المتواضعة، علّق إبراهيم لوحاته على الجدران القماشية، ليحوّلها إلى معرض فني بدائي، لكنه عميق الدلالة، يستوقف كل من يمرّ بالمكان.
.jpeg)
الخيمة لم تعد مجرد مأوى مؤقت، بل مساحة تحكي مأساة النزوح بلغة الفن، بعيدًا عن الأرقام والنشرات الإخبارية.
ويؤكد عدوان أن مشروعه الفني يحمل رسالة إنسانية جماعية، موجّهًا نداءً إلى الفنانين التشكيليين حول العالم: "لا أطلب شفقة، بل تضامنًا فنيًا وإنسانيًا، وأتمنى من الفنانين في كل مكان مساندتي لتطوير هذه الفكرة، كي يصل صوت الخيمة إلى العالم، ويعرف الجميع أن الفن يمكن أن يولد حتى في أقسى الظروف".
إبراهيم عدوان يرسم من قلب المأساة، محاولًا الحفاظ على ذاكرة المكان والإنسان، ومثبتًا أن الإبداع في غزة لا يموت، حتى تحت القصف، وحتى داخل خيمة نزوح.
ففي الوقت الذي تُهدم فيه البيوت، ما زال الفن قائمًا، شاهدًا على الألم، وحارسًا للإنسانية.
إن تجربة إبراهيم عدوان تعد صورة مكثّفة لمعاناة شعب كامل حُرم من الأمان، لكنه لم يُحرم من التعبير. وبين قماش الخيمة وبساطة الأدوات، يواصل عدوان رسم ذاكرة المكان والإنسان، مؤمنًا بأن الفن قادر على عبور الحدود وكسر الصمت.
ومن المواصي، يخرج هذا النداء الإنساني إلى العالم: ما زلنا نرسم، لأننا ما زلنا هنا، ولأن الحقيقة تستحق أن تُروى، حتى من داخل خيمة.