السبت  28 كانون الأول 2024

مقهى الشعر المغاربي المعاصر

2016-05-18 12:57:54 PM
مقهى الشعر المغاربي المعاصر
الأخضر بركة

 

الشاعر الأخضر بركة/الجزائر

يعدها:محمد الأمين سعيدي/شاعر وأكاديمي جزائري

       قهوتنا اليوم مع الشاعر والأكاديمي الجزائري الأخضر بركة، وهو الذي يشتغل على مادة شعرية تتخذ من تفاصيل الحياة اليومية سبيلا إلى صناعة المعنى وتحقيق شعرية تقوم علاقتها بأشياء العالم على وفاق دائم وعداوة دائمة أيضا، شعرية قائمة بين تجسيد وتجريد زورقها التجريب في بحر الأشكال والتقنيات. صدر له "إحداثيات الصمت"، "محاريث الكناية"، "كيمياء الصلصال"، و"مقامات الجسد"، وجمعتْ في ديوان حمل عنوان"الأعمال الشعرية" صدر عن دار ميم، كما أنه يكتب الهايكو وله مجموعة بعنوان"حجر يسقط الآن في الماء".

اخترتُ للقارئ قصيدته الأطفال، وهي عيونٌ ترى إلى هذه الكائنات الجميلة النقية، ولكنها كذلك تصف من خلال حياتهم واقع العالم المعاصر الممزق من كل جهة. قراءة ممتعة.

 

الأطفال

الأخضر بركة

 

أن أكتب الأطفالَ،

أي..أن أجرح المخيال أكثر َ

أن أجرجر قفّةَ اللغة الفصيحة خارج القاموس، أنْ

تتطاير الكلماتُ من كلّ النوافذِ مثل وردٍ أزرقِ اللمعانِ

أن تقفَ المجرّةُ لحظةً عن ديدنِ الدورانِ، أنْ ...

تتنهّد الحيراتُ في بريّةِ الحيوانِ والأحجار.

***

لولا أنّ أطفالاً هنالكَ لم يضئْ في الفجرِ ثلجُ الروح،

لولا.. أنّ أطفالاً هنالكَ

ما بنتْ أعشاشَها الأسماءُ في شجرِ العواطفِ،

ما تدفّأ منزلٌ بطبيخ أمٍّيَ،

ما أضاءَ بياضُ طبشور المدارسِ حائطَ النسيانِ، لولا..

أنّ أطفالا يحثّون المكان على ملاحقة الفراشةِ ضاقَ ذرعاً بالمكانِ الوقتُ.

لولا أنّ أطفالاً هنالكَ يرشقون بحيرةً بحصىَ البداهةِ

لم يشعَّ جناحُ يعسوبِ الضّحى،

أحلامهمْ..

تتحسّسَ الأشياءَ أعمقَ من مذاقِ العقلِ،

لم يسمعْ أنينَ الدّهر في نهرٍ سِواهمْ

لم يعلّمْ غيمةً تقليدَ كرّاسِ الرسومِ المدرسيّةِ غيرُهُمْ،

همْ إخوةُ الأشجارِ،

لا يتكلّمون إلا بابتسامات ازهرارٍ،

حزنُهمْ قمرٌ تعثّر في المياه،

يشاكسون بشمسهم خشبَ النوافذِ

يلعبون الكونَ،

يُضْجِرهُم جوابُ الحكمةِ/

الأطفال ماءُ الدهشةِ المُنْشَتِّ أبيضَ في هواءٍ أوّلٍ

***

من ليس طفلاً لا يكلّمه جمادٌ،

لا يحطُّ على حوافِّ منامهِ حجلُ الرؤى

من ليس طفلا أثقلتْ ممشاه ُأمتعةُ الكُهولةِ.

نعمةُ الهذيان همْ..

***

دمهمْ..حريقٌ يقصم الأبديّةَ/ الأطفالُ مُعضلةُ القيامةِ،

ليس تجرؤ ُأن تنوء بحمل نشأتهم جبالٌ

صمتهمْ وطنُ الملاكِ،

ودائعُ الغدِ بين أيدي الحاضرِ/ الأطفالُ ليسوا لؤلؤاً متناثرا في أرض أحلام اللّحى،

ليسوا شراشفَ تحت مكواة الحروب الموسميّةِ،

يولدون لكي يكونوا غيرنا، لا يولدون لكي يكونوا قِطَّنَا.

ليسوا دفاترَ عائلاتٍ في جُيوبِ ذكورةٍ،

ليسوا طيورًا داخلَ الأقفاص تنتف ريشَ مرضاة النّهى.

ليسوا مرايا الأمسِ في سبّورةٍ،

لا ينتمون سوى لما سيكون، حاضِرُهُمْ يُحَاضِرُهُمْ

بما يملون من طيشٍ جماليٍّ عليه، الطفلُ قارعةُ الخيال

***

ليسوا أثاثا للأبوّةِ، أو مزارعَ في بلاستيكِ الوصايا،

ينهضون نهوضَ أعشابٍ مفاجئةٍ هنالكَ،

هم شهودٌ، لا مشاهدَ،

لا قلائدَ..من زمرّدِ زينةٍ في صدر مدّاح الكمال

***

ليكنْ شروقاً ما تيسّر من حريرِ حُضُورِهمْ

ليكن غروباً ما تشفّرَ من سماءِ غيابهم

هم ما تقطّر في إناء الفهمِ من عطر انفلات الفهمِ، سكّانُ البياض

ليسوا حبال قواربِ الموتى تُشَدُّ إلى صخور سلالة الماموثِ ..

همْ..

هوسُ القواربِ بالخروج إلى متاه الماءِ أزرقَ،

أصدقاءُ الرّيح، همْ

ليسوا قوارير احتفاظٍ بالدمِ الموروثِ في أرض اختبارات النّهار

***

من حقّها الكلماتُ ألاّ تستجيبَ لمنطق الورقةْ

من حقّه العصفورُ ألاّ يطمئنَّ لمخلبِ الصدقةْ

من حقّهم أن يكسروا فخّار عادات الكبار

***

ما شأنهمْ

أن يمكث السلطانُ،

أو أن يسقط السلطانُ،

أو أن يشرب الشيطانُ قهوتَهُ على مرأى تطاير ريشهم إثر المعاركِ

بين ديكيّ الوجود: الخير والشرِّ/

الطفولةُ مأزق المعنى:

عواءُ الذئبِ في يتم البراري، لحظة القدمين حافيتين في الوطن السمين، دموعُ سنجاب تحيّرَ كيف يدفن جثّة العصفور في الاسمنتِ، خبزٌ يابسٌ في جيب محفظة الصباح/الأعينُ الملأى بأسئلةٍ توقّفتِ الكواكبُ عن دورانها فيها، تسرّبُ وحْلِ قارعةِ الطريقِ من الثقوبِ إلى حذاءِ النّصِّ، عاطفةُ الحجارةِ تحت دفء أصابع الأيتامِ في برْد الخراب، دخان جغرافيا القمامة في أنوف نوافذ التاريخِ، صندلُ طفلةٍ علِقَتْ به صنّارة الكاميرا، بكاء الدمية الآليّ تحت الرّدم، أمٌّ ..بينها وفمُ الرّضيع حليبُ ثدي اللّبوةِ المجروح.

***

لولا أنّ أطفالاً هنالكَ...

يرسمون أباً وأمّا وردتين مُطَأْطِئِيِّ رؤوسِهمْ لا ينظرون إلى أحدْ

من شأنه أن يختلي بالروح ريحان الجسدْ

ولتهتدِ الأنساغُ بالألثاغِ لا مرئيّةً تتسلّقُ الإمكانَ،

من شأن النوارسِ أن تكون هي النوارسُ

هكذا بيضاءَ، وليهدأْ إذنْ بحرٌ لينظرَ ..

كيف ينظرُ فيه أطفالٌ،

لِتَحْبِسْ غابةٌ أنفاسَها تُصْغِي إلى أنفاسِهمْ في النومِ،

لو جبلٌ رأى

مثقالَ حبّةَ خردلٍ مّما رأتْ عينانِ هرولَ حافياً من دون صندلِ حكمةٍ كالوعلِ

ولْتذهبْ سماءٌ إثرهم تلدُ النجومَ إذا استطاعت في منافي لَيْلِهِمْ،

ليكنْ ترابُ الأرضِ أثقلَ من ترابِ الفقدِ في أَرْضِ الحسابِ إذا تمكّنَ،

للمنازلِ أن تعضَّ على الأناملِ طالما العتباتُ تهجرُ

ظلمةَ الأبواب، تنصبُ خيمةً في التّيهِ،

للأمطار أن تتعلّمَ الإمطار من كبد الأمومةِ،

للنّدى

ألاّ يكون سوى ندى بلّوْرِ أعين صمتهمْ

لحديقةٍ ألاّ تكون حديقةً إلاّ بهم

للغيم أن يدعَ الرّياحَ تخيطُه قمصانَ أحلامٍ لهمْ،

وليأتمرْ بأنينهم نهرُ الكلامِ،

عناقُهُمْ بيتُ الوجودِ وقد تفتّتَ بين أيدينا حصىً

***

للّيل أن يَنْصَبَّ في قارورةِ المخيالِ حبراً،

أن تقودَ جنادبُ الأنفاسِ أوركسترا الدّجى،

وليتّخذْ حبٌّ قبابا من لآلئَ ضحكهمْ ليكونَ أقربَ من صراطِ الله.

لو نحلٌ تكلّم قال قلبُ الطفلِ خارطتي إلى عسلي، وها..

أبديّةٌ..

كالقطّة البيضاء تجلس قربه لتنامَ، ولْيَتَتَلْمَذِ الشعراءُ،

حين تُمزِّقُ الحَيْرَاتُ كتّانَ النُّصُوص.

أن أكتب الأطفال،..أي

أن أترك الأطفالَ يكتبهمْ ترابٌ

لم تَطَأْهُ بعد أظلاف المجاز.

23/02/2014