الأحد  29 كانون الأول 2024

جنازات الضوء بقلم: محمد دله

2016-05-26 03:42:10 AM
جنازات الضوء بقلم: محمد دله
محمد دله

تخلع المدينة أشجار عريها وترتدي نفسي، تلقي أقمارها ونوارسها وتحلق في شرفتي الذبيحة، تغلق كنائسها وجوامعها وتتبعني صلاة، أنا الجنازة، أنا بعث ما تساقط من فضة الجراح في ظلالها 
المدينة المغسولة بالطين
أذانها المتمرد على جرة الحزن والخوف
أجراسها النازفة شوقا وخلاصا
متعانقين أو فرادى يصرخون ببطء في جنازتي
اخر ما تجمر من فوعة الملكوت
اليوم انا بينكم وغدا في ملكوتي
فادلقوا المسك والنردين على قدمي وامسحوها بأعشاب فتنتكم، بدمعتكم الملتاعة
عفوك أمي!
أيتها الصابرة المتماسكة وحيا للحكمة، تربتين بيد الصبر على عيون الأمهات المنكسرات حزنا على أبنائهن الجرحى
وغاب عنك انا الرحيل خطاي
عفوك لأنك ما أذنت لي، ورحلت قبل أن اقبل عينيك المشمستين كغابة كرز
عفوك أمي لأني سرقت جواد الصبر من قافلتك فارتداك الحزن
شرع النوافذ والتقط كل الجراح من ذاكرة المدينة
يا أختي الصغيرة عذرا
عجزت أن اجلب لك علبة الأقمار لترسمي وجه العلم باسما مرتعشا كقبل العاشقين
فقد سمموا بالموت دربي
أغلقوا المكتبات والدكاكين دون يدي
فخذي من عيني زرقة الطيف
ومن دمي شقائق نعمانه وحلكة سوسنه الأسود
وخذي ابتسامتي قماشا للنشيد
وانثريني في شوارع بيت لحم
الم خطى المسيح النازفة واصعد إليه الجلجلة
أبي، استحلفك بمحبتك أن تسرعوا بجنازتي
آن موعد اتحادي بالأرض مريمية ونخلا
تسير الجنازة بطيئة الخطى، إنهم يؤثثون بملح حضورك الأخير ساعة الغياب، أمهات باكيات، أزقة تخرج من ظلها وترفعها من كمها لتمتص شفاعة الرحيق، فيا فادي لا تسلم للغياب أفراس خطاك، عرج يوميا على ساحة الميلاد، وانصب كمائن حزنك في المنارة، أشعل نجمتين في مغارة الحليب، وداعب الأطفال في حارة العناترة.
 

عرج على فندق الجراند، واستلم راتبك الأول الذي  رحلت قبل موعده، وتمم دورة الطبخ التي منحت .
لن تنساني المطارح التي نسيت بها قلبي، سامر يوميا لأتفقد الطرقات والأزقة من خطى الجنود، ولا داعي ان أتعلم شيا ،فقد رأيت كل شيء. في الفردوس هنا لا داعي للكسب، الأشجار وحدها تطبخ الخمر، وأنا هنا أتجرع النور وذكريات بيت لحم.

أخيرا وصلت مفتتح المعراج ،صخرتي هنا،لم لا تتقدمون؟ ما بال حارس المقبرة مقطب الوجه كمجزرة؟ لنتسمع فليلا

لم يسدد والده اشتراك المقبرة،ولن أستطيع السماح لكم بدفنه إلا بعد تسديد ما عليه من رسوم، هكذا الأصول وأوامر الطائفة

تبا للطوائف رعاعا وملوكا
أبي أبي أبي أبي 
اغفر لي لأن دمي يفضح فقرك
أبي انا منحتك درة الألقاب أرضا وسماء
فسامحني ولا تجلد بحزنك رحلتي الأخيرة
دعهم يودعوني أي حضن للتراب ،كل التراب ملكك، والرصاصة يا أبي لم تحاورني في الطوائف والأمكنة
دخلت نسيجي دون استئذان؛ يا لوقاحة القاتل
أمي
اغفري لسادن المقبرة
اغفري لثيابه السوداء ولكنته الغريبة
ربما لا يريدكم ان تدفنوني هنا 
كي لا يبيع جثتي أيضا مع ارض المقبرة.