الأحد  29 كانون الأول 2024

مقهى الشعر المغاربي المعاصر

2016-06-09 01:47:38 AM
مقهى الشعر المغاربي المعاصر

 

الشاعر محمد قسط

يعدّها:محمد الأمين سعيدي

 

لن تكشفني الذئبة..

سيرة مـحّاره  -

محمد قسط/الجزائر

1

من أين يبدأ الأزرق؟، والى أين ينتهي شبّاكها؟.

الضوء يدججّ أصابعي بالحبق،أتقدّم في سديم اللغة،تفضحني قهوة النادلِ وأنا أبرمج بياض قميصي على مزاج اللوز.على حافة الهدير تجلس،تفتح كتابا كمن يفتحُ مـحارة متنبّئة،الرمل يتضوّع،تتقوّس الموجة أكثر،وتتلاشى زهرة الملح في مهبّ الرذاذ.النوارس من بعيد تخيط الأفق،تمزج صفرة الأصيل بـحزن المراكب.زبائن المقهى يتقيئون أحاديث الضجر،وحدي أتملّى جسدكِ الوميض،تموت همسات أنثى البنّ فِي الفنجان.مشيئة الياسمين أن أزجّ نبضي في شغف القيثارة.الـمذياع مخلوق من عالم الضجيج،يؤثث نشاز اليوم/أتراكِ وأنتِ تقرئين،مدركة تماما لـما يُحَاكُ حولكِ من موج؟.

النورسة تخمش ذاكرة الملح..

كنتِ عارية الظهر،النمش يقرأني،يقرأ حاجتي لزنبقة تمنحني رحيقها،لغيمة تغسلني باليوغا،لوميضٍ ينحت وجودي بـماء النجوم/أطفئ نهايات أعصابي بقهوة لا تعرف الحياد.النهار مارد ثقيل الظلّ،أتنفّس من ثقوب الناي،تخرج عروس الحفيف من غابة أفكاري ،تخاصرها صنوبرة الشغف..

أدخل حديقة البرق،أنتعل لهفتي،لا عتمة ستأكل خطوتي،مادمت أحمل بين أضلعي نيزكَا ..

الشرفة التي تركتها مشرعة على النهاية،أَغلقت في وجهي مسالك الزرقة،هل تسمحُ عينيك؟.

اليوم استيقظت باكرا،يعني قبل الحلم،ربما بعد الحلم..

النجوم باتت معلّقة بضفيرتك البارحة،لماذا الأسود؟،والأبيض الفاحش يفخخ أفق الياسمين..

لا يعني الليل شيئا،سوى أنه قميص الـمجرة الممزق..

فهمتِ الآن لماذا النجوم؟.

الملح يفعل السمك..

كما تفعل قدميك زبد البحر/وكما تفعل الريح ضفيرتك..

مازلت تقرئين،ماذا تقول المحارة؟السلطعونات الصغيرة تتسلق خيط لا مبالاتك..

والمصطافون يصطلون شفتيك../ربّما ستمطر اليوم؟من يدري،قد تفعلها أصابعك..

وتقشّر رائحة الرماديّ في الغيم؟.

تفتحين الـمحارة؟.

الزرقة تتشكّل في الحدق،ك َدم فراشة ملدوغ،ك َنار حدسٍ يلفظها النرجس خلسة عن ظنون الحديقة..

أتجمّل وأنا أدوس الأصداف العارفة،أتكلّم مع الهدير متخففا من طيني،الرِّجل تذوب في نشيج البحر..

مرّة أخرى أتعرّى منّي،وأسأل الريح:كيف تفعلين الشراع؟.

لن أقصّ زعنفة الشهوة،وسأعووووووم..

لن أبحر في الجسد الوميض،أكون قاب نجمتين أو أدنى حين الموت موجا/أيها المرفأ من قال كفى لزهرة الملح؟.

أركل حجرا/نيزكا..

الرمل يفعل فعلته،يمحو كل نورسة لا تتقن الريح،كل بوصلة لا تعرفكِ..

كل موسيقى يخبّؤها حجر تبنّاه الساحل شفقة في الصفصاف...

هل يعني كَوْنُ البحر ّأزرق،أنك تفتحين عينيكِ قبل استفاقة العصافير؟.

هل تنامين باكرا..؟

فقط أطمئن على السنابل..

2

تقرئين..؟.

النادل يرعى الأيائل،على ساحل أبيض،ينزف شجرٌ القهوة دم بوذا.جالس أستبصر الـمحّار،الضجرون كعادتهم يفعلون الوقت.مسائيٌّ بطبعي، بنفس الشفق الذي تفترشين،أحشو مصابيح الأزقة البحرية، الأرصفة مواتية،والشبابيك مواتية،هل أخبر البيانو؟،نفس اللحن الذي يشتهيكِ،يشتهيني..

3

الكتابة تعني الأزرق..

أن يلسعك الهدير،تداوي جرح الكمنجة.في وسعكَ أن تصبّ وترا في الكلام،وردة في الـملح،محّارة في لهاة البحر.

الكتابة تعني الأزرق..

كانت لي شهوة ترعاها زنبقة المعبد،أعرف اسم الزنبقة،غير أن جرس البحّارة لم يوقظني باكرا،تجاوزتني الموجة،والحوريات لم يتركن زعنفة أبحر بها صعودا،فقط سلطعونات متثائبة،خلّفتها رغبتكِ في السباحة، رغم ذلك قصدت أقرب حانة عمّدها الليل،وسألت الساقي:متى تبزغين..؟.

الكتابة تعني الأزرق..

الحانة تضجّ بالحَبَّار،عشب على الـمقصف،طحالب على الكراسي،سوسنات ناضجة تعرّش على أفواه السكارى،نهاريون،ليليون،عازفون،وبائعو صحف.وحدي كنت أنتف ريش الشمس،ولا عصفور موسيقي يـجرّد أصابعي من ثلجها،سأتعمّد الإضاءة،هكذا أنـجو من الأرق.     

الكتابة تعني الأزرق..

قُبّرات ترشحها النوافذ في طريق الحديقة،وسط الغبار تتفتّح غيمة.خمس دقائق ويستيقظ البحر، المراكب قدّ مضجعها الأرق،منذ البارحة وهي تنتظر قدومي،محمّلا بالنعاس.قميصي فوضى الحواس في شغب الحرير،من كلّم دود القزّ مثلي؟،فليتحمّل ثرثرة الحفيف. 

الكتابة تعني الأزرق..

محمّلا بالموسيقى،أمارس اقتناء الأقراط من سقف الخميلة،هواية ليلية.لا يطيب لي الصيد والأصداف مطفأة،الذئاب نصف الخائفة تترصّد خيبتي،كأن يخطئ سهمي تهجيّة أسماء السنونوات،أو تنسى رصاصتي طريق العودة،لن أرافق الغزلان هذه الـمرة،بين أضلعي غابة ملغّمة.

4

أن تتعرى المدينة،خير من هجرة السنابل..

نزولا عند رغبة الشرفات سأراقص الذئاب،وليسمّني أهل الليل (مُرَاقِصَ الذئاب)،أبدأ طقوس غرقي بمضاجعة الـملح،هكذا أشفى سريعا،أواري سوءة الغياب بقليل من الشعر الغافي،تحت سنابكِ الشجر. القناديل الذابلة تنبت على الجدران كلّما فعل شَعْرُكِ الـمساء.هل أتيت متأخرا ياقرطها..؟.

5

إلى عبد الرزاق بوكبّة(1)..

الحانة ضحلة،لا مكان فيها للنوارس،يليق بالدالية كل ما هو نجم،كل ما هو ضوء،نوقظ غرائز البحر، نراقص الذئاب،نغسل (ألجي) (2)بالقياثر،بغناء الصيّادين القدامى،بـملامح دحمان الحرّاشي(3).ألم يفعل كمال مسعودي(4) الشمعة..؟/الحبق الآن يـجفل أسفل القبر.

يذرعكَ خنجر النبيذ،وفي هدأة الظلال متسع لهذيان الشمس.(ألجي)تلبس جلد ذئب،بعينين زجاجيتين تختزل نبوءة الـماء.المتوسّطيّ يغلي على هامش العِواء،على هامش سرّتها،هناكَ من كدّس آلاف السنابل المبحوحة في حنجرة الـمدّ.لشطّكِ يا (البيضا)صلاة النايات.

6

صبّارة تسدّ طريق المقهى/أتفادى اللغة/العشب ينمو على ساعدي/قبل برهة صافحت صفصافة/ من قال للرصيف أَقْصِرْ؟/أم هي شهوة الرِّجل؟/(يـِمْشِي اِلْـخَاطِرْ وِينْ تَهْوَى الرِّجلْ)/قرب العنق بريق/تحت العنق بريق/لـحم القميص نهبُ للعِقد/مـحّارة تتشمس/موعد على ذمّة الموجة دلافين تنشقّ عن الزبد/هامش الفستان يلعق الرمل/مصطافون من حجر/ثلاث سنبلات في المفرق/كأس تفعل الدالية.

7

 فرس الكلام على الـماء/يتزندق النرجس في الكأس/أخاصركِ /يتغمّدكِ البنفسج برعشته.. وتنمو الكمنجات على قارعة ما/بين ذراعيّ زهرة الـملح تفشي سرّها لطفل النهر،فيشيب الـخرير ،وقنديل خرافيّ يـحيل ظليّنا الى سنبلة/أسندُ رأسكِ على غيمة العزف/فتنجب النوتات خطوات الرقص.

8

بيني وبينك ذمّة القيثارة،وكلّ ما يرتضيه اللوز من جمر.أهاتفكِ من مـحّارة،حارس الشاطئ يلمّ ماتساقط من زعانف صوتي،صوتك لـجة.سلطعونات تـمضغ خيط شهوتي،فقمات تلغ زرقة دمي،مـلح ينزّ حيرة المصطافين.قد يكلّمني الصفصاف عند الربوة القريبة،سأترك المقهى يتثاءب ،و السنونوات نصف دافئة. 

بيني وبينك مايقول الحبق لحظة ناي..

أُدلّك ظهر الشاطئ وهو يتشمّسك.مُغْمًا على ظلّي،تأتي الحوريات مبتلّة بـماء شهوتي،بـحنّاء الطحالب الراجفة.أعومُ هذا الأفق الذي يخترقني كشظيّة هدير،أكوّر الـملح في الجرح،أغسل فمي بشبق النورسة السماوية.مطفأة قناديل البحر وهي تلسع خطواتي الطائرة.  

9

خشب المرفأ يـموء،حلازين رخوة تتسلق رغبتي في الغرق،أنصاف أهلّة تأكل هامش أرقي،السكارى يتقاسمون أرغفة الليل الشرس كزنبقة.بـجانبي يـجلس الـمدّ يدخّن معي شرود المدينة،وغضب حدائقها الهادئة،لن آمن مكر الصيّادين يـخبئون شهوة الريح في أشرعتهم.

10

 القمر حجرٌ الليلة،زهرة نرد،سأجرّب حظّي مع الدلافين العابرة،أدلي رجليّ في الفضّة الـمالـحة،ألامس برؤوس أصابعي زغب الأعماق،ربّما أكتشف سـماءً ثـامنة.

11

صخرةُ الشطّ فُقمة تشرب/قدميّ صنوبرتان تصّبانِ حفيفهما في فم الرمل/النرجس الـمحبوكُ في العيون يـختلس الزرقة/أمشي على الزبد يرتكبني تفّاحٌ صيفي/ترتكبني قبّرات الغابة العارية/من تهجّى اسـمي حتى يتبعني الغسق حافيا؟/وتلعق غزالة الـملح جرحي؟/أيها البحر لا تغرق في ضمير اليابسة.

12

أيها البحر..الأنثى التي مشّطت شَعرك وأسندت رأسكَ على فخذها،أنثاي،ستقضم قلبكَ كما الـمّحارة ،ستنبشُ رمادك كل ليلة،وتطعم لحمك للذئاب العابرة،سترتدي أفضل ماعندها،وترقص كالهنود الحمر فوق حزنك،سَتَشِمُ اسمك على معصمها نكاية في الرمل،تعبّئ حقائبها بالمرجان والـملح وصغار الحيتان وتهجرك،لن تجد رائحة قميصها في موجك،لن تؤدي طقوسك بعد اليوم للقمر،فهو لا ينسى إيـماءتك الساذجة وأنت تقصّ زعانفكَ وتهبها لليابسة.