الأحد  29 كانون الأول 2024

فلسطين في عيون عربية

2016-06-09 02:03:09 AM
فلسطين في عيون عربية
حسن المطروشي

 

رحلة إلى رام الله: فلسطين المسَيّجَة

حسن المطروشي - عمان

أن تذهب إلى فلسطين يعني أنك تعود إلى طفولتك الأولى. إلى محفوظاتك المدرسية، إلى قصاصات الكتب والقصائد وحصص المحفوظات وأناشيد الطابور الصباحي، وتستحضر كل هذا الركام من الشعر والأقوال التي حفرت في قلبك اسم فلسطين، فحملته بين ضلوعك كل هذه السنين حلما نابضا من أحلامك بعيد المنال. كنت تحلم أن تدخلها محاربا أو مناضلا، تدخلها محررة من الاحتلال البغيض بهمجيته ووحشيته ومتاريسه وقمعه وصلفه.   

تمضي الأيام، وتمر السنون، وينطلق قطار العمر سريعا باتجاه المجهول، وتغادر أنت مدرستك، وتطوي حقائبك التالفة، المليئة بالذكريات والشقاوات والأمنيات المستحيلة والممكنة. ومع ذلك كله تحمل اسم فلسطين مثلما تحمل وجه الأم أو تذكار الحبيبة أو سَمِّها شقيقةَ الروح.

أنت المسكون بهذه الأحلام، المطعون بالحنين لقيمك وقناعاتك وثوابتك عن الحرية والنضال والكرامة ونبذ استعباد الشعوب واحتلال الأوطان، يكتب لك القدر أن تزور فلسطين، أرض الرباط والشعب الصامد. تزروها شاعرا يدس في حقيبته سربا من القصائد النافرة التي يوزعها على المدن والمطارات والأرصفة، ثم يحزمها قبيل عودته ويضعها في مكان ما من القلب، استعدادا لرحيل جديد.

تأتيك الدعوة للمشاركة في معرض فلسطين الدولي للكتاب، ليغمرك في هذه اللحظة، شعور عميق بأن لحظة اللقاء بفلسطين توشك أن تتحقق. إنه شعور أكبر من الوصف، أكبر من الكتابة، أكبر من اللغة. هذا الشعور الجميل هو الذي سيهون عليك مشقة الرحلة البرية الطويلة، التي ستمر بالعديد من المراحل والتنقلات بين المعابر ووسائل النقل والحافلات وسيارات الأجرة وأجهزة التفتيش والجمارك.

المركبة تعبر شوارع رام الله، فيما كانت الشمس تسكب أشعتها الذهبية على الأبنية والجدران والسقوف وقمم الأشجار الباسقة، وكانت المدينة تضج بالحركة والناس، من الباعة والتجار والعمال والأطفال وأصحاب الحوانيت وسائقي عربات النقل والحافلات الصغيرة.

 الحركة هنا تعكس إرادة عالية لدى هذا الشعب الكادح المقاوم العنيد، رغم قساوة العيش وقلة دخل الفرد بشكل عام. ثمة اهتمام بالمظهر والأناقة في الملبس لدى النساء والرجال، بالإضافة إلى الاهتمام بواجهات المحلات التجارية. كما تنتشر في الساحات وعلى الجدران اللافتات التي تؤكد على ثبات الفلسطيني لاستعادة وطنه السليب وحق العودة ومقاومة الاحتلال، وغير ذلك مما يذكر كافة الأجيال بقضيتها المصيرية وهي الوطن.

الأمر لا يقل دهشة في المعرض، عن ما كان عليه في الأسواق، حيث كان الفلسطينيون بكافة شرائحهم وأعمارهم يتدفقون إلى أروقة المعرض، لاقتناء الكتب وحضور الفعاليات الثقافية، وتغص القاعات بالحضور الذي يؤكد إيمان الإنسان الفلسطيني بالثقافة والمعرفة باعتبارها العنصر الأهم في الحفاظ على الهوية والتمسك بالجذور الحضارية ومواكبة التطور المتسارع في العالم.

صبيحة يوم المغادرة كنا نحزم الحقائب لنودع فلسطين، ونودع معها لحظات من العمر قضيناها فوق هذا التراب الطهور، محملين بذكريات عظيمة ستظل راسخة في القلب والوجدان إلى الأبد.