الخميس  21 تشرين الثاني 2024

كابوس بقلم: فؤاد حاتم

قصة قصيرة

2018-09-07 01:33:44 PM
كابوس
بقلم: فؤاد حاتم
فؤاد حاتم

باق أسبوع على تخرجي، الموعد الذي انتظره أبي ولونه ولونني معه بألوان الخلاص، خلاصه من ابنته التي ذاع صيت عنوستها أكثر من جمالها في المدينة، اليوم الذي مقتت أمي كل أيامي قبله، موعد التخلي عن تعويذة "بدها تكمل تعليمها" التي كانت ترشها في أوجه أمهات الحمقى اللاتي يتقدمن فيهربن.

لقد كنت أجمل بنت في مدينتي القبيحة وأكثرهن تعرضا للإشاعات والسُّمَع السيئة، غير أن هذا لم ينحِّ الكثير من الحمقى عن التقدم لي بالرغم من أنهم أبناء المدينة التي تقتات على الضعينة وكلام الناس عن الشرف وصيت البنت.

باقٍ أسبوع على قيامتي، كيف ستكون ردة فعل أهلي عندما يعرفون أنني لم أجتز غير فصلين دراسيين قبل نفوري من فكرة الدراسة الساذجة، وقبل أن تدفعني رغبة مجنونة لكي أسرق قسطي الجامعيّ كلَّ فصل، وأقضي جُلَّ أوقاتي في المقاهي والمطاعم والمدن المجاورة.

لقد تسلقت بجنوني سُلَّم الواقع المَقيت الذي فُرضَ عليّ، وغامرتُ في إغماءة نَحَّتْ عني كُلَّ وعي، ومشاعري قد تبلدت وجمدت كما يجمد المعدن بعد انصهاره، لم أعد تلك الرقيقة التي يجرحها حتى الظنّ، لقد صار لي عنفوان المحارب، وقلب الذي ألفَ وحدتَهُ فآنسته.

تُرى كيف سيكون حال حبيبي المسكين ذي العينين الصغيرتين اللامعتين اللتين تشبهان عينيْ قطة صغيرة جائعة، من حسن حظه أنه لم يصدقني يومًا، وأنه استقبل فكرة حبي له بالظن، قال لي مرةً "أنت امرأة لا تُرى سوى بالظن".

أدرك جيدًا أنني لم أكترث يومًا بمن حولي، وأنني لن أزعج نفسي بتاتا بالتفكير فيما سيؤول إليه الأمر عندما تنتهي لعبتي، كان همي أن أقضي أيامي تلك كما أرغب، لكن الآن أشعر أن أيامي القليلة القادمة سوف تكون ثقيلة، ولن يتسنى لي التخطيط للعبة أخرى، أنا خائفة من ذلك الشيء الثقيل الذي يجلس في صدري، لطالما عشت متبلدة الشعور، كنت أكسل من أن أحس بغير المتعة! لم أهيِّئ نفسي لهذا الصخب وهذا الثقل، ولم أستعد لشعور مفاجئ كهذا الذي لا ينبغي أن يكون مُفاجئًا أبدًا.

كل تفكيري أوصلني إليه، هذا برّي الوحيد الآن وعليَّ أن أرسو، وملاذي وعليّ أن ألوذ، أدرك أنني فقدت الشعور تمامًا وأن عليّ فقط الإنصات مرةً أخيرة لصوت الساعة المزعج، وللأصوات التي يفتعلها قلبي الغبي، ولأنفاسي التي بدت وكأنها تبرد وتنقص، تتداخل الألوان أمامي إلى أن تتشابه فتمتزج فتصير لونًا واحدًا غريبًا، رأسي يثقل ووعيي يغيب شيئا فشيئًا.