الأحد  22 كانون الأول 2024

البكتيريا التي لوثت بها إسرائيل المياه لهزيمة غزة والسيطرة عليها!

2018-09-19 09:02:13 PM
البكتيريا التي لوثت بها إسرائيل المياه لهزيمة غزة والسيطرة عليها!
صورة تعبيرية

 

الحدث الفلسطيني

هذه جريمة كشف عنها النقاب أخيراً من واقع ملفات الصليب الأحمر في جنيف التي أصبحت الآن متاحة للباحثين. بعد سقوط حيفا في 22/4/1948، تدفق آلاف المهاجرين من حيفا إلى عكا، و ازدحمت بسكانها، وكانت لا تزال تحت الحماية البريطانية. وفي الأسبوع الأول من ايار مايو، بدأت القوات الصهيونية بمحاصرة المدينة، ثم أطلقت عليها وابلاً من قنابل المورتر الهاون، وكانت مياه الشرب تصل إلى المدينة من قناة تأتي من القرى الشمالية قرب كابري التي تبعد 10 كلم عن عكا، و تعرف في بعض مواقعها بقناة الباشا. انظر الخريطة. و تعترض طريق القناة إلى عكا مستعمرات صهيونية، شرقي وغربي المزرعة التي تبعد حوالي 6 كلم عن عكا. وفي نقطة ما عند القناة، حقن الصهاينة المياه بجرثومة التيفوئيد، وسرعان ما انتشرت حمى التيفوئيد بين الأهالي والجنود البريطانيين.

و يقول تقرير الصليب الأحمر الرقم G59/1/GC, G3/82 انه يوم 6/5/1948 توجه مندوب الصليب الأحمر دوميرون من حيفا إلى عكا بصحبة الدكتور ماكلين طبيب الصحة لتفقد أحوال اللاجئين بعد تفشي التيفوئيد بينهم. وجاء في التقرير "إن الوضع خطير، وأن تفشي المرض شمل المدنيين ورجال الجيش والشرطة". وقال البريغادير بيفردج مدير الخدمات الطبية العسكرية، إن هذه المرة الاولى التي يحدث فيها هذا الوباء في فلسطين رغم حالات النزوح والهلع بين السكان في أنحاء فلسطين. وقال التقرير إن هناك خوفاً من أن ينتشر الوباء عن طريق اللاجئين المتجهين إلى لبنان. و في إحصاء أول يقول التقرير إن المصابين 70 مدنياً و55 بريطانياً، وإن هذا هو الحد الأدنى للإصابات لأن كثيراً من السكان يخشون الإبلاغ عنها. وفي اليوم نفسه عقد اجتماع موسع في مستشفى الصليب الأحمر اللبناني في عكا حضره البريغادير بيفردج والكولونيل بونيت عن الجيش البريطاني، والدكتور ماكلين عن الخدمات الطبية المدنية، ودي ميرون عن الصليب الأحمر، والمستر كينيون قائمقام القضاء، والسيد حكيم حاكم صلح عكا، والطبيبان دهان والأعرج من الصليب الأحمر اللبناني، ومهندسو البلدية وآخرون، و قرروا الآتي:

لقد انخفض عدد سكان عكا من 25.000 إلى 8.000 بسبب النزوح، ولقد اكتشفت 70 حالة من الإصابة بالتيفوئيد. وقرر الحاضرون إن "الوباء محمول بالمياه" وإن هناك حالات كثيرة مختفية وأخرى متفرقة بين القرى. وتم تنظيم عملية تطعيم كل الأهالي ورش المدينة بالمطهرات وتعقيم المياه و تجهيز كل المستشفيات الخالية وأخرى موقتة لاستقبال الإصابات، وتحديد تنقل الأهالي. كما قرر الحاضرون عدم استعمال مياه القناة، واستعمال الآبار الارتوازية والمياه من المحطة الزراعية شمال عكا انظر الخريطة بدلاً من ذلك.

ووافق الجنرال ستوكويل في حيفا على طلب الصليب الأحمر إرسال طائرة خاصة إلى القدس لإحضار عقاقير طبية. وفي تقرير مؤرخ في 12/5، ذكر مندوب الصليب الأحمر إن الحالة ازدادت سوءاً، وإن الكهرباء انقطعت عن المدينة، وأن غياب رئيس البلدية الذي سافر إلى بيروت أضعف من السلطة المحلية، وأنه رغم إلحاح الصليب الأحمر فإن البلدية لم تتمكن من إصلاح قناة المياه "التي هي مصدر الوباء"، وان نتيجة الوباء هي "منع الأهالي من العودة إلى ديارهم". وفي تقرير بتاريخ 13/5، يذكر المندوب عدم تمكن السلطات البلدية، خصوصاً في غياب رئيس البلدية، من وضع حد لنزوح الأهالي من المدينة، ويشيد بالأطباء والممرضين التابعين للصليب الأحمر اللبناني وعملهم الإنساني الكبير، وقد جاء ليساعدهم الدكتور دباس من يافا والسيدة بهائي من حيفا.

وفي تقرير 16/5، يشرح المندوب كيف اشتد هجوم الهاغاناه على المدينة بالمدافع وقذائف المورتر، وطافت سيارات إسرائيلية فيها مكبرات الصوت تنادي "أمامكم الاستسلام أو الانتحار، سنبيدكم إلى آخر رجل"، مما أدى إلى سقوطها بتوقيع بعض وجهاء المدينة على وثيقة الاستسلام. وبدأت حالة من الإرهاب الصهيوني تعم المدينة، فاعتقل كل شاب وشيخ واعتبر أسير حرب حتى لو كان مدنياً، وانتشرت عمليات النهب في المدينة وهامت النساء والأطفال بدون مأوى و طعام. وحقق الصليب الأحمر في صحة واقعة اغتصاب صبية أمام أهلها على يد عدد من جنود الهاغاناه. وجاء في تقرير مفصل للفتنانت بيتيت مراقب الهدنة الذي زار المدينة بعد سقوطها إن عملية نهب منظمة لمحتويات المنازل قام بها اليهود لاستعمال المهاجرين الجدد و لمنع الأهالي من العودة. وقال إن اليهود اقترفوا مذبحة سقط فيها 100 مدني، خصوصاً من سكان المدينة الجديدة الذين رفضوا النزوح الى المدينة القديمة حسب الأوامر الإسرائيلية، و يذكر قصة محمد فايز صوفي من هؤلاء الذين رفضوا الانتقال. لقد نجا محمد بأعجوبة ومات ثلاثة من زملائه بإرغامهم على شرب سم السيانيد ثم ألقيت جثثهم في البحر.

أما البريطانيون، الذين أتوا قبل 30 عاماً لحماية الأهالي الفلسطينيين و تأهيلهم لحكم أنفسهم، فقد غادروا البلاد تحت جنح الظلام، ونقلوا كل المصابين بالتيفوئيد إلى بورسعيد للاستشفاء. ولم يحققوا في كيفية الإصابة ومَن وراءها، مع انهم يعلمون أو يشكون في مَن هو الفاعل. وقد جاء في الرواية الإسرائيلية إن الإصابة بالتيفوئيد كانت نتيجة الازدحام وسوء الأحوال المعيشية. ولو كان هذا صحيحاً، فلماذا لم يحدث في أماكن أخرى من فلسطين، وحدث فقط في عكا للمرة الاولى في فلسطين، كما قال الضابط البريطاني؟ و لماذا أصيب جنود الجيش البريطاني و أحوالهم المعيشية افضل؟ ولماذا توقفت الإصابات الجديدة بعد إقفال مياه القناة؟

عملية غزة

لقد تم لإسرائيل ما تريد من بث جرثومة التيفوئيد، إذ أخليت المدينة و هجرها معظم أهلها، ولم يتمكنوا من العودة إليها، تماماً كما كان الهدف الإسرائيلي من تلويث المياه. وبعد هذا النجاح، لجأت إسرائيل بعد أسبوع واحد إلى تطبيق الخطة نفسها في غزة. ففي يوم 22/5/1948 قبضت القوات المصرية على اثنين من اليهود متلبسين بمحاولة تلويث مياه غزة. وهذا نص البرقية المرسلة من رئاسة القوات المصرية في غزة إلى رئاسة الجيش المصري في القاهرة:

"الساعة 15.20 - 24 مايو: ضبطت مباحث القوات المصرية اثنين من اليهود هما دافيد هورين ودافيد مزراحي كانا يحومان حول قوات الجيش، وبالتحقيق معهما اتضح انهما مكلفان من القائد الصهيوني موشي بتسميم مصادر المياه التي يستقي منها الجيش والأهالي بميكروب التيفوس والدوسنتاريا، و قد ضبطت معهما زمزمية مقسومة من الداخل بحاجز، ومن القسم الأعلى مياه عادية صالحـــة للشـــرب والنصــــف الأسفل خلاصة الميكروب وفيه فتحة سفلى خفية. وقد اعترفا بأنهما جزء من فريق مكون من عشرين شخصاً، أرسلوا من رحوبوت، بمثل هذه المأمورية. وقد أعطى كل منهما اعترافاً خطياً بيده باللغة العبرية و بإمضائه. وقد قمنا من جانبنا بالإجراءات الصحية اللازمة".

و جاء في مذكرات الحرب لدافيد بن غوريون النص الآتي في 27/ 5/ 1948:

"التقطنا برقية من غزة جاء فيها انهم اعتقلوا يهوديين يحملان جراثيم الملاريا واصدروا تعليمات بعدم شرب الماء"... هذا الوصف الموجز لا يفي بالغرض، لكن هذه هي صفة كتابات بن غوريون الذي يعي المسؤولية التاريخية في ما يكتب. لكن تفاصيل البرقية وخلفيتها جاءت بشكل أوسع في كتاب يروحام كوهين "في وضح النهار وظلام الليل"، تل أبيب، 1969 بالعبرية، ص 66-68:

وبعد التحقيق مع المجرمَيْن، اعدما بعد ثلاثة شهور من القبض عليهما. وفي 22/7/1948، قدمت الهيئة العربية العليا إلى هيئة الأمم المتحدة تقريراً طويلاً من 13 صفحة، يتهم اليهود بالتخطيط والتنفيذ وإقامة المختبرات لحرب الإبادة ضد العرب باستعمال الجراثيم والبكتيريا "وهو سلاح غير إنساني". كما يتهم التقرير إسرائيل بنشر الكوليرا في مصر في خريف 1947 و في سورية في شباط فبراير 1948. وقد نشر هذا التقرير الصحافي الأميركي توماس هاملتون، الذي حاز جوائز عدة على تحقيقاته الصحلفية، في "نيويورك تايمز" في 24/7/1948.

ما هي قصة نشر الكوليرا في مصر وسوريا؟

كتب البروفسور سيث كاروس بحثاً طويلاً في اكثر من 220 صفحة عن "الإرهاب البيولوجي واستعمالاته منذ العام 1900"، ونشره مركز الحد من انتشار الأسلحة في جامعة الدفاع الوطنية في واشنطن عام 2001. وجاء فيه تحت عنوان "الإرهابيون الصهاينة" ذكر واقعة تسميم مياه عكا و غزة. وذكر أيضاً أن راشيل كاتزمان أخت دافيد هورين، الذي اعتقل في غزة سألت الضابط المسؤول عن أخيها، لماذا سممتم المياه؟ قال لها "هذه هي الأسلحة المتوفرة لدينا".

كما ذكر كاروس أن الصحافة العالمية اهتمت بانتشار وباء الكوليرا في مصر، و نشرت "التايمز" اللندنية أول خبر عن ذلك في 26/9/1947 ص 4. وما إن جاء شهر كانون الثاني يناير 1948، حتى بلغت الوفيات 10.262 شخصاً من الوباء. وانتشر الوباء أيضاً ولكن على نطاق أصغر في سورية في 21/12/1947. وقد ضربت السلطات السورية حصاراً صحياً على القرى المتضررة ومنعت الدخول إليها إلا للطواقم الصحية والمياه والأغذية المعتمدة ولذلك توفي 18 شخصاً فقط من اصل 44 إصابة.

وذكر البروفسور كاروس أيضاً أن هذه المعلومات عن مصر و سورية قدمتها الهيئة العليا في تقريرها السابق ذكره. وذكرت جريدة "الاوريان" الصادرة في بيروت أن شرطة دمشق قبضت على عدد من الصهاينة الذين نشروا الوباء في سورية لإحباط خطة الإعداد لجيش الإنقاذ ليدخل فلسطين. كما نفت الحكومة البريطانية اتهام الإخوان المسلمين لهم بان الإنكليز سلموا لمصر أمصال تطعيم غير صالحة لتسميم المصريين.

خطة بن غوريون لاستعمال الاسلحة البيولوجية

لم يتردد بن غوريون لحظة في استعمال الجراثيم والميكروبات ضد العرب حتى قبل إنشاء الدولة. وقصة ذلك يرويها بكل وضوح الدكتور افنر كوهين، باحث أول في مركز الدراسات الدولية والأمن في جامعة ماريلاند، وهو أيضاً مؤلف كتاب "إسرائيل و القنبلة". وقد نشر بحثه هذا في مجلة استعراض الحد من الأسلحة The Non Proliferation Review ، عدد الخريف 2001. ونظراً الى خلفيته، فإنه يبرر الكثير من أعمال إسرائيل ولكنه يورد كثيراً من التفاصيل المهمة، ومعظمها مستقى من مصادر علمية منشورة، إلا أنه اخذ إفادات بعض الضباط الذين استعملوا الأسلحة الجرثومية أو عملوا على تطويرها.

بدأ بن غوريون قبل إعلان الدولة بجمع العلماء اليهود الألمان، وبعضهم عمل مع النازيين، من اجل إنشاء وحدة في إسرائيل للحرب الجرثومية. وكان هدفه واضحاً، إذ كتب لأحد عملاء الوكالة اليهودية في أوروبا يأمره بالبحث عن علماء يهود لكي "يزيدوا قدرتنا على القتل الجماعي". كان مستعداً دائماً لإبادة العرب للخلاص منهم والاستيلاء على أرضهم، إن لم يكن ذلك بالمذابح و الطرد فليكن بالإبادة الجماعية.

أحد هؤلاء العلماء اليهود هو افراهام ماركوس كلينبيرغ الذي كان متخصصاً في الأوبئة في الجيش الروسي، والثاني هو الألماني ارنست دافيد بيرغمان، والثالث والرابع هما الأخوان اهارون و افرايم كاتاشالاسكي.

وحصل خلاف شديد بين حاييم وايزمان أول رئيس للدولة وبن غوريون. إذ أن وايزمان كان يرغب بشدة في إنشاء مؤسسة علمية مجردة، تم إنشاؤها بعد ذلك في رحوبوت باسم معهد وايزمان. بينما كان بن غوريون يخطط لإنشاء وحدة علمية لاستعمال الجراثيم في الحرب تحت لواء الهاغاناه - أو الجيش الإسرائيلي.

وبينما اتجه معهد وايزمان إلى البحوث العلمية الصرفة والتطبيقية، انشأ بن غوريون منظمة "همد" العلمية داخل الهاغاناه. ومن هذه انبثقت منظمة "همد بيت"، التي ترأسها أولاً الدكتور الكسندر كينان، المتخصص في الميكروبات، واختارت لها مقراً في أبو كبير في يافا، وغرضها الحرب الجرثومية، وأحيطت بالسرية التامة.

وعندما احتل الصهاينة ارض فلسطين عام 1948 و هجّروا أهل 530 مدينة و قرية، أصبحت لديهم أبنية كثيرة خالية، لذلك اختار رئيس الأركان ايغال يادين مكاناً منعزلاًً وبعيد نسبياً عن العمران، أصبح المقر الدائم للحرب الجرثومية، وتغير اسم المنظمة من "همد بيت" إلى مركز إسرائيل للبحوث البيولوجية IIBR ولا يزال هناك إلى اليوم. يقول افنير كوهين إن مقر المركز محاط بالسرية ولا يظهر على الخرائط أو الصور الجوية. وهذا غير صحيح.

موقع المركز

في الثلاثينات من القرن الماضي، كانت الطريق من الرملة الى النبي روبن، حيث يقام الموسم المشهور كل عام، تمر بمنطقة وادي حنين، وهي أرض رملية قريبة من البحر. أما من جهة البر، فكانت أرضاً سبخة بصة. و لقد اشترت عائلة التاجي الفاروقي معظم هذه الأراضي، وزرعت فيها بيارات برتقال، وأصبحت قبيل عام 1948 تصدر مئات الآلاف من صناديق البرتقال إلى أوروبا. وعلى الطريق الممتد شمالاً و جنوباً بين يافا والقبيبة، بنى شكري التاجي الفاروقي لنفسه قصراً جميلاً مستطيلاً و طويلاً من دورين على تلة صغيرة، على ارض مساحتها 134 دونماً و 29 متراً مربعاً، نمرة القطعة 549/32 ورقم سند الملكية 260/42 E مؤرخ في 16/3/1932. وبنى كذلك مسجداً على طريق الإسفلت من يافا إلى غزة تحول الى كنيس يهودي باسم غولات يسرائيل. وعلى تلة أخرى على بعد كيلومتر واحد إلى الغرب بنى ابن عمه عبد الرحمن حامد التاجي قصراً آخر على عدة مباني تحول إلى مستشفى للأمراض العقلية. وتحيط بيارات البرتقال بكل من القصرين في كل الاتجاهات.

لقد اختار ايغال يادين قصر شكري التاجي الفاروقي مقراً لمركز البحوث البيولوجية، ولا يزال فيه إلى اليوم انظر الصورة. و يحيط بالمبنى حائط خرساني ارتفاعه مترين، وعليه أجهزة التقاط الحركة و المراقبة. وقد توسع المقر أخيراً بإضافة 50 دونماً إلى مساحته. وموقعه ليس سراً، فإحداثياته هي:

حسب شبكة فلسطين/إسرائيل :263، 128 شرقاً و022،147 شمالاً أو، حسب شبكة إسرائيل الحديثة: 263، 178 شرقاً و022،647 شمالاً. أو حسب الإحداثيات الجغرافية: 34 درجة و46 دقيقة و27 ثانية شرقاً، و31 درجة و55 دقيقة و7 ثوان شمالاً.

ويقع المركز في وادي حنين الاسم العبري: عيانون على مسافة 500 متر، على يمين المتجه جنوباً، من تقاطع الطريق 42 المتجه إلى يبنه والطريق 4303 المتجه غرباً خارجاً من نس تسيونا، عند نقطة نهاية الخط المزدوج 42. وإلى الغرب مباشرة من المركز على ساحل البحر يقع مركز إطلاق الصواريخ في قاعدة بالماحيم. انظر موقع المكان في صورة جوية أخذت عام 1945 للقصر والمنطقة. الخط المضلع حول القصر يبين حدود المباني الحالية لمركز البحوث البيولوجية.

الحرب الجرثومية

وقد قامت الصحافية سارة ليبوفيتس - دار وهي الآن تعمل في جريدة "هارتس" باستجواب العالم افرايم كاتاشالاسكي تغير اسمه إلى كاتسير والعالم الكسندر كينان والضابط الكولونيل شلومو غور المسؤول عن وحدة الجراثيم، ونشرت المقابلة في جريدة "حداشوت"

في 8/ 13/ 1993، صفحة 6-10، بعنوان "الميكروبات في خدمة الدولة".

وفي المقابلة تهرب هؤلاء من الإجابات الصريحة، ولكنهم اعترفوا بأنهم وضعوا خططاً لدراسة احتمالات الحرب الجرثومية. كما قابلت الصحافية الضابط الذي اقترف جريمة تسميم عكا، فسألها: "لماذا تبحثون عن المشاكل التي حدثت قبل 45 عاماً؟ ماذا تكسبون من نشر هذا؟ أنا لا اعلم بشيء". ثم قابلت الضابط الذي دبر خطة تسميم غزة، فقال لها بغضب: "لن تحصلي على إجابات مني أو من غيري". أما الكولونيل شلومو غور فقال: "لقد سمعنا عن وباء التيفوئيد في عكا وعملية غزة. كانت هناك إشاعات كثيرة ولا ندري إن كانت صحيحة أم لا". وكتبت الصحافية تعليقاً على المقابلات: "كل ما عُمل في تلك الأيام بدافع الإيمان والتفاني اصبحوا يتسترون عليه اليوم كالعار. أما الأحياء منهم فمعظمهم فضل الصمت، وبعضهم ألغى المقابلة في آخر لحظة، وبعضهم اقفل الخط عندما عرف موضوع السؤال، وأحدهم قال: "ليس كل ما عملناه في الماضي يستوجب المناقشة".

ويعمل الآن في المركز 300 موظف، منهم 120 من حاملي الدكتوراه في قطاعات مختلفة من علوم البيولوجيا والكيمياء والرياضيات والبيئة والفيزياء، ويعاونهم حوالي 100 فني مؤهل تأهيلاً عالياً.

وقد احتج سكان مدينة نس تسيونا القريبة بأن المركز يشكل خطراً كبيراً على السكان في حال حدوث حادث، خصوصاً انه سبق وقوع حادث خطير، وكادت السلطات تأمر بإخلاء السكان. وعلى رغم أن الموضوع يعالج بتكتم شديد، إلا أن مصادر في اللجنة العلمية بالكنيست أفادت بأنه خلال 15 عاماً، قتل 3 وجرح 22 من العاملين في المركز.

ولا شك أن سكان نس تسيونا والمناطق العمرانية المكتظة شمالها حتى تل أبيب، سيتعرضون لخطر شديد يستوجب الإخلاء الكلي إذا ما تعرض المركز لحادث خطير، وانطلقت الجراثيم والميكروبات المخزونة فيه إلى الفضاء، خصوصاً إذا هبت الرياح الجنوبية الشرقية نحو الشمال.

ورغم الإنكار والمراوغة، فإن تواتر الأنباء عن تطوير الأمراض والسموم في المركز، يكشف حقيقة العمل الإجرامي الذي يتم فيه. وبين التكتم والإعلان، تحرص إسرائيل على تسريب المعلومات المخيفة لردع العرب عن محاولة استعمال سلاح مماثل. وقبل العدوان الثلاثي على مصر بقليل طلب بن غوريون من العلماء أن "يضعوا خطاً ثانياً" للدفاع باستعمال سلاح "غير تقليدي ولكنه رخيص"، وطالبهم بالإسراع في تحضير هذا السلاح "كأنما كان يعد العدة لعمل ما"، ويحتاج إلى بديل آخر لو فشل السلاح التقليدي. وقد اتضح فيما بعد أن هذا العمل المرتقب هو العدوان الثلاثي على مصر عام 1956.

وقد اعترف المؤرخ العسكري الدكتور اوري ميلشتاين بأنه "في كثير من القرى العربية التي جرى احتلالها سممت مصادر المياه فيها لمنع الأهالي من العودة إلى ديارهم".

أما نعيم جلعادي، وهو يهودي عراقي جندته الموساد واستقر في إسرائيل وخدمها بإخلاص، فإنه بعد فترة اكتشف العنصرية التي يمارسها الاشكيناز على اليهود الشرقيين أمثاله، فهاجر إلى أميركا، وهناك صرح للصحافيين بتجاربه في اسرائيل انظر مجلة "لينك" عدد إبريل - مايو 1998. قال إن موشي ديان اصدر أوامره بطرد العرب من قراهم وتدمير منازلهم وتسميم الآبار بالتيفوس والدوسنتاريا، وقال أن الهاغاناه وضعت البكتيريا في المياه التي تغذي عكا من نبع قرب قرية كابري ويمر مجرى المياه قرب أحد الكيبوتزات. ويذكر أيضاً حادث تسميم مياه غزة، وان أحد الضباط قال: "ليس لدينا عواطف في الحرب".

التحقيق الهولندي

في تشرين الاول أكتوبر 1992 سقطت طائرة شحن تابعة لشركة "العال" على ضاحية في امستردام وتسببت بوفاة 47 شخصاً ومئات من الإصابات بالأمراض الغامضة مثل مشاكل في التنفس، وبثور على الجلد، والاضطرابات العصبية والسرطان. واتضح أن الطائرة البوينغ تحمل 50 غالوناً من مادة DMMP التي يصنع منها غاز الأعصاب سارين، وهذه الحمولة كانت مرسلة من شركة سولكاترونيك في موريسيفيل - بنسلفانيا إلى مركز البحوث البيولوجية في إسرائيل.

وتكتمت حكومة هولندا على الأمر بالاتفاق مع إسرائيل، مضحية بذلك بسلامة مواطنيها. لكن المحرر العلمي في صحيفة NRC-HANDELSBLAD اليومية التي تخطى باحترام الرأي الليبرالي، واسمه كاريل كنيب Karel Knip، قرر التحقيق في هذا الأمر، ونشر في 27 تشرين الثاني نوفمبر 1999 اكبر وأهم تقرير عن حرب إسرائيل الجرثومية مستعيناً في بحثه بالإنترنت وبأساتذة مختصين في الأسلحة الكيماوية والجرثومية من جامعات استوكهولم وساسكس و برادفورد.

بدأ كنيب باستعراض كل أوراق البحث المنشورة في العالم الصادرة من مركز البحوث البيولوجية منذ عام 1950، ومن كلية الطب بجامعة تل أبيب ومثلها في الجامعة العبرية، لأنه اكتشف أن معظم الباحثين يعملون بالتبادل في المركز والجامعة. رصد كنيب أسماء 140 عالماً، ولكنه وجد ان من الصعب تتبعهم لأنهم يتنقلون داخل إسرائيل وخارجها، وخصوصاً في مراكز بحوث الأسلحة الكيماوية والبيولوجية في الولايات المتحدة مثل معهد والتر ريد العسكري وجامعة القوات المسلحة وجامعة اوتاه ومركز البحوث البيولوجية والكيماوية في ايدج وود. ووجد أن التعاون العلمي وثيق أيضاً مع هولندا وألمانيا وبريطانيا وكندا. ومن هذا كله استخلص قائمة بالموضوعات التي يطورها المركز الإسرائيلي مثل الأمراض والمواد السامة والمواد التي تفقد القدرة والإرادة مثل الشلل والتشنج والهلوسة وعدم القــــدرة على التفكير، وذلــــك في كل فترة من العقود الخمسة منذ 1948انظــــر الجـــدول باللغـــة الإنكلــيزية.

في الخمسينات كان اهتمام إسرائيل محصوراً في تطوير أمراض التيفوئيد والطاعون وبوجه عام الفيروسات والبكتيريا التي يمكن نشرها عن طريق الجرذان والحشرات، وتطور الأمر إلى أمراض الحيوانات وخصوصاً الدواجن التي تؤكل وشمل البحث أيضاً مرض الجدري وأمراض الطفيليات، وهذه كلها كائنات دقيقة ولكنها قوية تصلح لأن تكون سلاحاً.

وتوسع العمل فيما بعد الستينات إلى المواد السامة، إذ أن درجة سمّها أعلى بكثير من الفيروسات، وتصنع منها غازات الأعصاب مثل الطابون والسومان والسارين و"في اكس" VX واكثر من 15 مادة سامة أخرى، وذلك كله بالتعاون مع وكالة الاستخبارات الأميركية سي آي اي للاستعمال في الاغتيالات.

وفي عام 1997 حاولت إسرائيل اغتيال خالد مشعل رئيس المكتب السياسي في حماس في عمان، غالباً باستعمال السم المعروف ب SEB 0 انظر الجدول.، وقد غضب الملك حسين غضباً شديداً لاعتداء إسرائيل على سيادة الأردن والاتفاقات المبرمة في مثل هذه الأحوال، فأضطرت إسرائيل إلى تسليم الأردن الترياق الذي يلغي تأثير هذا السم.

على أن احدث التطورات في البحوث الإسرائيلية هي في ميدان المواد التي تسبب الشلل والتشنج والهلوسة والمغص وعدم القدرة على التحكم في الحركة والتفكير. وقد فحص المركز الإسرائيلي، في برنامج التعاون مع الولايات المتحدة، مئات من هذه المواد، ولكن بقى استعمالها محدوداً لأنه لا يمكن الوثوق بتأثيرها. وهناك تقارير بأنها استخدمت ضد الجيش الصربي، إلا أنها بدون شك استخدمت في خان يونس ضد المتظاهرين في انتفاضة الأقصى. ولا يزال الكثيرون يتذكرون صورة المصابين في المستشفيات على شاشات التلفزيون، وهم يتلوون من الألم ويتشنجون ويتحركون لاإراديا، وقد طلبت السلطة الفلسطينية آنذاك استقدام بعثة دولية لتقصي ماهية المادة المسببة، ولكن طوي الأمر. وللتعمية على هذه البحوث، تشجع إسرائيل علماءها على نشر أبحاث علمية بريئة لتحافظ على المكانة العلمية للمركز، وإمكان التعاون مع مراكز مشابهة والدعوة إلى المؤتمرات، لذلك يطلب من كل عالم ان ينشر من بحث واحد على الاقل إلى ثلاثة كل سنة في موضوعات بريئة. كذلك يتولى كل واحد من هؤلاء العلماء منصباً في جامعة أخرى تقوم بأبحاث مساندة خصوصاً كليات الطب قسم الميكروبيولوجيا في كل من الجامعة العبرية وجامعة تل أبيب. وقد أصدرت الجامعة العبرية أبحاثاً كثيرة عن غاز الخردل، و أصدرت جامعة تل أبيب أبحاثا كثيرة عن الجمرة الخبيثة انتراكس.

ويدعو كنيب في بحثه الشامل جميع الدول إلى تعقب أعمال المركز الإسرائيلي، الذي يرأسه الدكتور افيغدور شافرمان، وجميع علماء المركز، نظراً الى خطورة الأعمال التي يقومون بها. ويقوم بهذا التعقب عادة لأعمال مراكز البحوث البيولوجية في العالم، مركز المخابرات الطبية التابع للقوات المسلحة الأمريكية والأساتذة كيث ياماماتو في جامعة كاليفورنيا، وجوناثان كينغ في معهد ماساتشوستس الفني في بوسطن، ولكن هذا النوع من الرقابة لا يطبق على إسرائيل، خصوصاً إذا كانت الرقابة أميركية. كما أن إسرائيل لم توقع أو تصادق على ميثاق الأسلحة البيولوجية لعام 1972.

الخلاصة

إن تاريخ إسرائيل مليء بالجرائم، وأخبثها استعمال أسلحة الإبادة الجماعية، وهو ما قامت به إسرائيل قبل إنشائها حتى اليوم. وإذا استعرضنا تاريخ الخمسين سنة الماضية في ما يخص هذه الأسلحة، نجد انه، باستثناء الحالات المهمة التي سبق شرحها، استعملت إسرائيل كثيراً من هذه الأسلحة، ولكن بصورة لا تثير ضجة كبيرة محلياً أو عالمياً، وأمثلة ذلك استعمالها في التظاهــرات أو ضـــد الطلاب أو عند الهجوم على حي سكاني أو مدرسة أو بتلويث مصادر المياه في الضفة خلال الانتفاضة أو عند استعمالها المبيدات ضد المزروعات التي تخص أهالي عين البيضا 1968، وعقربا 1972 و مجدل بني فاضل 1978 و لبنان 1982 و النقـــب 2002 أو في تجارب المــــواد الفتاكـــة ضـــد المعتقلين العرب داخل المركز الإسرائيلي، كما صرح عميل الموســاد المنشـــق فكتور اوستروفســـكي.

لكن إسرائيل تملك اليوم اكبر مخزون من الأسلحة البيولوجية والكيماوية في أوروبا وآسيا، مما يمثل خطراً داهماً على المنطقة، وإذا أضفنا إلى ذلك أسلحتها النووية، فإن العجب كل العجب أن يترك كل ذلك ويطارد كل عالم عربي حتى في بيته.

وستبقى إسرائيل خارج طائلة القانون الدولي، إلى أن تحمي الحكومات العربية شعوبها بإجراءات مضادة، ولا تكتفي بالركون إلى العجز، الذي هو هدف إسرائيل من تسريب الأخبار عن قدراتها، ويجب أن تطور الحكومات العربية سياساتها بحيث يتضح لإسرائيل أنها لو استعملت هذه الأسلحة ستكون هي أول ضحاياها وأسهلها. وأضعف الإيمان أن تسعى الحكومات العربية سعياً حثيثاً مخلصاً في كل المنابر الدولية الى جعل المنطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل من دون استثناء إسرائيل.

 

 

المصدر: الباحث الفلسطيني سلمان أبو ستة