الأحد  22 كانون الأول 2024

باظ الوزير... طار الوزير

ال مش مواطن

2019-01-21 06:47:51 AM
باظ الوزير... طار الوزير

 

الحدث- ال مش مواطن / بقلم: جوده أبو خميس

كل منا معرضُ للخطأ، والاعتذار عند الخطأ واجب على الكبير قبل الصغير، وليس في ذلك أي عيب أو نقيصة، بل على العكس فالاعتذار من شيم الكبار، فما بالك إن كان المخطئ مسؤولا "مؤسسا للسلطة الوطنية" كما صرح، من الغارقين في بحر عسلها والمتنعمين بعطاياها من بيت مالها، الذي قوام ريعه من جيوب الغلابة والكادحين، وتراه يصول ويجول بين جنائن فتوحاته وإنجازاته بصفته دون كيشوت عصره، ناسيا أو متناسيا بأن ذاكرة شعبنا أعمق من أن تمحوها موجة سراب الكراسي، والتي حفرت بملح خيبة أملها تاريخا متواضعا لهذا المسؤول "غير القابل للمحاسبة" في مناصبه كما يعتقد، وقحطا مدويا في إنجازاته.

على دين سادته، لا يرى هذا المسؤول بأنه أخطأ بحق جزء أصيل من شعبنا (للمرة الثانية)، فكيف له أن يعترف بذلك وهو يعتبر نفسه رفيق درب الياسر في تفجير الثورة، ويجر خلفه "تاريخه ونضاله، وجهوده في تأسيس السلطة"، على الرغم من مدونة سلوكه غير الناصعة منذ أن قب على وجه الدنيا في جامعة النجاح، وبعدها مرافقا وزميلا لوزيره في تدمير وزارة الحكم المحلي وتفصيل منظومتها على مقاس مصالحهم. وكيف له أن لا ينفد بفعلته وهو يدعي بأنه "يتحدث باسم الحكومة والقيادة ولا يقبل أن يحاسب من أي إنسان"، وكيف لهذا الشعب المشاكس أن يتجرأ ويتطاول ويطالب بمحاسبته، وهو النابغة في كل ما تمس يداه.

لم يكتف صاحبنا بالهبوط والإسفاف واقتراف الموبقات بالتصرف كطاووس، وهو يختال متسلحا بفوقية كريهة على درة من درر شعبنا "الخليل"، بل لخص الحالة السلطوية بامتياز برفضه مبدأ المحاسبة لكونه وزيرا، وأمعن في التأكيد على شراكتها معه، عندما لم يجد من يرده ويردعه لمجرد تصريحه برفضه أن يحاسب من أي إنسان، وأنه ينطق باسم الحكومة والقيادة. أي حكومة وأي قيادة هذه التي صمتت على تصريحاته بحق شعبنا وأهلنا في الخليل، والأدهى من ذلك وافقت على ادعائه بأنه ينطق باسمها!. برأيي، يخطئ من يظن أن معالي الوزير اقترف الخطأ بحق الخلايلة فقط، فهو بما قاله (للمرة الثانية) عبر عن فوقية أصيلة تتميز بها سلطتنا المناضلة في وطننا المحتل، فهي لا ترى في الشعب إلا حصالة للصرف على نزوات المتنفذين فيها، ومسرحا لممارسة البطولة في القهر والإذلال والخذلان.

أمام هذه النذالة الشاملة، يسأل المرء نفسه: لماذا لا يتم العمل في بلادنا وفق مبدأ المحاسبة والمساءلة، بطريقة غير انتقائية أو انتقامية، وحيادية؟. الجواب واضح طبعا، حيث لا يمكن العمل وفق هذه المبادئ، وبنفس الوقت المحافظة على امتيازات علية القوم، وإغماض العين عن انتهاك المال العام، والغرق في المنافع الشخصية، ويا ويل من يفتح فمه أو يشير إلى ذلك المسؤول المتكرش على حساب قوتنا وحاضرنا ومستقبلنا.

إن هذا الوزير هو فقط عينة من المسؤولين مقترفي المجازر الأخلاقية بحق شعبنا، الذين نفذوا بأفعالهم وأنقذتهم حصانتهم لدى القيادة، ولم تهتز لهم خصية. هل أذكركم بمن شتم الشعب من تحت الزنار على الهواء، ومن تطاول على أبناء شعبنا المسيحيين، أو خون شباب الحراك ضد الضمان الاجتماعي، وغيرهم الكثيرون. ولو كان هناك مثقال ذرة من المساءلة الصادقة، فهل سيتجرأ هذا الجيش الجرار من المسائيل على اقتراف زنى المحارم بمصالحنا السياسية والاقتصادية والمجتمعية. إن استهتار بعض الوزراء يستند إلى لائحة طويلة من المبررات "المنطقية"، فكل منهم فوق المساءلة ما دام لا يقترب من محرمات القائد العام، ويعلم علم اليقين أن الوزن النسبي للرأي العام لدينا أقل من صفر، ويجد من يصفقون له ويتمسحون به كلما أمعن بممارسة الفوقية والاستهتار بمشاعر ومصالح المواطنين.

السؤال اليوم، من يتحمل المسؤولية عن إسفاف بعض الوزراء والمسؤولين وترهل أدائهم وتربحهم من المال العام؟. برأيي يتحملها الرئيس أولا بسبب اختياره للمسؤولين على مقياس المصالح والولاء ليس إلا، ورئيس الوزراء لتنازله عن صلاحياته التي منحها له القانون الأساسي المعدل، ولصمته وقبوله وعدم حزمه في مثل هذه الحالات، ومؤسسات المجتمع المدني التي اشترت سلامتها بالخنوع المطلق للنظام السياسي، والفصائل "المنقرضة منها والحية" التي فضلت مخصصاتها على تحملها مسؤولية الدفاع عن مصالح رعاياها، والمواطن الذي رضي بهذا الحال، حيث أنهكته الأعباء الاقتصادية وقبضة السلطة وتطاول المسؤولين، وفي حالة وزيرنا، الخلايلة والنابلسية والطولكرمية والجنينية وغيرهم من الملل المناطقية، لعدم هبتها وخروجها للشوارع وقبع هذا الوزير وأمثاله ممن يتطاول على أصغر طفل من أطفالنا.

لقد انطلقت رصاصة الوزير بحق شعبنا ولن تفلح كل الاعتذارات في ردها، وإن كان هناك ما تبقى من كرامة لدى نظامنا السياسي، فالاعتذار واجب من الرئيس ورئيس الوزراء ومجلس الوزراء وكل من يحسب نفسه على نظام سياسي يتعايش مع هذا النوع من التطاول، ولا أدري لماذا لم يبرق الرئيس من نيويورك ورئيس الوزراء من بيروت بإقالة للوزير وإحالته للقضاء، أم أن شعبنا لا يستحق الشعور ولو مرة أن له محام في هذا النظام السياسي الآفل.

 

ضب الطابق يا ريس قبل العصر... بلاش الناس تهد القصر