الأحد  22 كانون الأول 2024

عرار الأردن وفلسطين.. الشاعر أمجد ناصر جرح بحجم الخارطة

2019-10-31 08:32:25 AM
عرار الأردن وفلسطين.. الشاعر أمجد ناصر جرح بحجم الخارطة
الشاعر أمجد ناصر

الحدث – توفيق العيسى 

 مشعلا سيجارته، متأبطا الشعر في شوارع بيروت أثناء الحصار، يختبر اللحظة ويختبر القصيدة، عبر تلك التي وعبرها انتقل من حيزه الاجتماعي الضيق إلى المدى العربي والأممي عبر القصيدة وفلسطين.

الشاعر أمجد ناصر، أو يحيى النعيمي وهو الاسم الحقيقي الذي حمله من العام 1955 في بلدة الطرة شمال الأردن وحتى العام 1979، حيث أصبح أمجد ناصر.

في بيروت كان الشاعر المشاكس والمقاتل، الذي لم يتحدث باسم الناس عبر أثير إذاعة صوت فلسطين البديلة بعدما قصفت الطائرات الإسرائيلية مقرها، بل اختار أن يحفظ كل كلمة يقولها الناس ويرى ويسجل ما يشاهده عبر يوميات الحصار، والتي كتبت فيما بعد تحت عنوان "بيروت صغيرة بحجم راحة اليد".

الرحيل

رحل الشاعر أمجد ناصر يوم أمس الأربعاء، بعد صراع مع المرض، مخلفا وراءه صدمة لأصدقائه ومريديه بحجم خارطة تواجدهم، على الرغم من توقع هذه اللحظة في كل ساعة بسبب مرضه، إلا أن الفاجعة كانت بحجم حضوره وبعدد محبيه.

على صفحات التواصل الاجتماعي، رثاه العديد من قرّائه وأصدقائه، وكتب الشاعر عبد السلام العطاري يقول: "مجد ناصر... الاسم القضية بين اسمين، يحيى النعيمي ببشرته السّمراء، وأمجد ناصر بغضبِه الثوري، كان النّهر يؤلف موجةً بين زمنين، ويضمّ تنهيدته العتيقة حين يقبض بشفتيهِ على لُفافة تبغٍ من رفاق الجنوب القصيّ، وكانت القصيدة تُكتب بحبرِ الجَمر على صفيح الذاكرة التي لم تهترئ رغم الصدأ الذي تراكم على زمنٍ كان فيه الحُلم قضية. أمجد ناصر أو يحيى النعيمي لا فرق في نصّ شهادة الولادة عندما تكون الإرادة من فولاذ شربت من زند العُمر صلابتها. يا ناصر، هذي الجموع تكتبك وأنت نصّ القضية النقيّ الأبيض كما بشرتك السّمراء بلون الغور وضفتيّ النهر وفلسطين التي أحببتَ، فكنّا نراك تُشبهها، وكنّا نظنك من رحمِها جئت، وكان الظّن أنك رضعت العزّة فصار عزّك فينا ومنّا يا ابن الأكرمين. قديمًا كان اسمه يحيى تعمّد في النّهر فصار المجد اسمه واسمنا".

أما الشاعر طلعت شعيبات فقال "هل أكتب عن أمجد ناصر الفلسطيني أم عن يحيى النعيمي الأردني أم عن الحداثة الشعرية العربية التي يعتبر ناصر أحد ركائزها و روادها، أم عن الغربة اللندنية التي ابتلعت المحارب البدوي وهذبته بعد أن كانت بيروت التي بحجم راحة اليد تلوح له من بعيد... أمجد ناصر رفيق الثورة الفلسطينية المحاط بالمحبين. والذي لفرط وحدته رثى نفسه قبل أن يغيبه الموت ويصبح الرثاء أمرا سهلا ومتوقعا وتقليديا".

الشاعرة منال دراغمة كتبت تقول: "أمجد ناصر.. شاعر فارس تجرأ على المألوف وأعطى الشرعية الشعرية بميثاق الدهشة إلى قصيدة النثر، ورحل تاركا إرثا ضخما تفوح منه هواجس الأرواح الشاعرة بعده... قرأت له سُر من رأك وقصائد نثرية كثيرة مثيرة كقطع فردوسية تدلت من أعالي الناصر.. وحده لا شريك له".

وبدورها نعت وزارة الثقافة الفلسطينية الشاعر، "الذي رحل بعد عطاء إبداعي ثقافي ونضالي من أجل فلسطين الوطن والقضية". واعتبرت أن الثقافة الفلسطينية الأردنية والعربية فقدت برحيله قامة إبداعية بارزة ومهمة، لطالما شكل أيقونة متميزة على الصعيد الإبداعي والثقافي والإعلامي من خلال أعماله الشعرية والروائية والصحفية.

واعتبر وزير الثقافة الروائي عاطف أبو سيف أن الجهود التي بذلها ناصر خلال مشواره مع الكتابة تشكل إرثًا ابداعيًّا ومدرسة ثقافية يستحق الاقتداء بها، ويجعل من رحيله خسارة كبيرة للمشهد الثقافي العربي والفلسطيني والأردني.

وكان وزير الثقافة أبو سيف، قلّد في العاصمة الأردنية عمّان باسم الرئيس محمود عباس، الشاعرَ والأديب أمجد ناصر وسام الثقافة والعلوم والفنون، تقديرًا وعرفانًا لدوره في إغناء الثقافة الفلسطينية والأردنية والعربية، ولدوره الوطني والقومي ونضاله من أجل القضية الفلسطينية.

كما نعاه الاتحاد العام  للكتاب والأدباء الفلسطينيين، حيث اعتبر الاتحاد رحيل الشاعر خسارة جسيمة للثقافة العربية والإبداع الحقيقي بعد حصاد أدبي ثري خاض تجربتها خلال رحلة عمره المبدعة، ومنحها بيادر الإبداع، ورأى أن لغيابه سيكون أثرا سلبيا لن تعالجه السنوات القادمة.

سيرة ذاتية:

ولد يحيى النميري النعيمات المعروف باسم "أمجد ناصر" في الطرة شمال الأردن عام 1955، وبدأ بكتابة الشعر والانفتاح على الحياة السياسية في الأردن والعالم العربي في المرحلة الثانوية، وبحكم إقامته في الزرقاء، تأثر بوضع النازحين الفلسطينيين وأعجب بالعمل الفدائي الفلسطيني الذي انضم إليه بعد تخرجه من الثانوية.

عمل في التلفزيون الأردني والصحافة في مدينة عمان نحو عامين ثم غادر إلى لبنان عام 1977 بعد أزمة سياسية تتعلق بالتنظيم الذي كان منضويا فيه، والتحق في لبنان بإحدى القواعد الفدائية الفلسطينية، وحاول مواصلة دراسته الجامعية في جامعة بيروت العربية، لكنه سرعان ما ترك الدراسة ليتفرغ للعمل الإعلامي والثقافي في الإعلام الفلسطيني، فعمل محررا للصفحات الثقافية في مجلة "الهدف"  "والحرية"، وعمل أثناء الحصار الإسرائيلي في الإذاعة الفلسطينية. 

التحق أمجد ناصر في إطار عمله السياسي بـ "معهد الاشتراكية العلمية" في عدن، حيث درس العلوم السياسية في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في عهد عبد الفتاح إسماعيل.

أصدر مجموعته الشعرية الأولى "مديح لمقهى آخر" عام 1979 والتي لاقت صدى نقديا لافتا في الصحافة اللبنانية والعربية، واعتبرها النقاد بشارة على ولادة شاعر صاحب صوت وعالم خاصين. رغم انضوائه السياسي والايديولوجي في صفوف اليسار؛ إلا أن قصيدته ظلت بمنأى عن الشعاراتية السياسية فعملت على الاحتفاء باليومي والتفصيلي والحسي أكثر من احتفائها بالسياسي المباشر، وقد ظلت هذه الميزة تطبع شعر أمجد ناصر إلى وقت طويل.