الخميس  21 تشرين الثاني 2024

صورة - للكاتب ياسوناري كواباتا

2019-12-05 12:19:42 PM
صورة - للكاتب ياسوناري كواباتا
كتاب

 

الحدث الثقافي 

صورة 

يا له من رجل دميم! من الوقاحة قول ذلك. لكنه بالتأكيد لم يصبح شاعراً إلا بسبب دمامته تلك.. هذا الشاعر قال لي يوماً ما يلي:

((إنني أكره الصور الفوتوغرافية، ومن النادر أن أفكر في التقاط صورة لي. كانت المناسبة الوحيدة التي التقطت فيها صورة لي قبل أربع أو خمس سنوات، مع فتاة بمناسبة خطبتنا. كانت عزيزة جداً عليّ إلى درجة أنني لم أعد أثق بأن امرأة مثلها قد تظهر في حياتي مرة أخرى. هاتيك الصور تمثل الآن الذكرى الجميلة الوحيدة في حياتي.

على أية حال، ففي العام الماضي طلبت مني إحدى المجلات صورة لنشرها. فقمت حينها بقطع صورة  لي من إحدى تلك الصور التي جمعتني أنا وخطيبتي وأخذتها وأرسلتها للمجلة. وحديثًا جاء مراسل لإحدى الصحف، وطلب مني هو الآخر صورة. فكرت حينها للحظة، وأخيراً قطعت صورة كانت تجمعني أنا وخطيبتي من النصف، وأعطيتها له، وأخذت منه وعداً بإعادتها لي ولكنني لا أحسب أنني سأسترجعها ذات يوم. طيب هذا لا يهم كثيراً)).

أنا أقول إنه لا يهم، ومع ذلك كنت أجفل بشدة كلما نظرت لنصف الصورة المتبقي، حيث تركت خطيبتي وحيدة، وأتساءل أهذه هي نفسها تلك الفتاة؟ دعني أحدثك عنها:

  ((إن الفتاة التي في الصورة كانت جميلة وساحرة. كانت في السابعة عشر من عمرها وقتذاك وغارقة في الحب. ولكنني عندما نظرت إلى الصورة التي بين يدي – صورة هذه الفتاة التي انفصلت عنها – أدركت كم هي مملة وكئيبة. وحتى تلك اللحظة كانت تلك الصورة أجمل صورة رأيتها. ولكنني استيقظت في لحظة من حلم طويل.. وأدركت أن كنزي النفيس قد تبدد.. وهكذا..)).

  خفض الشاعر نبرة صوته أكثر من قبل وهو يقول: ((إذا رأت خطيبتي صورتي في الصحيفة، فمن المؤكد أنها ستفكر هي الأخرى بالطريقة نفسها. وستشعر بالخزي والعار لأنها أحبت في يوم رجلاً مثلي حتى ولو للحظة.

طيب. تلك هي الحكاية.

ولكنني مازلت أتساءل لو أن الصحيفة نشرت صورتنا معاً، كما التقطت، فهل كانت خطيبتي ستعود راكضة إليّ محدثة نفسها، كم أنا رجل رائع؟

يذكر، أن هذه القصة ترجمتها هيام عبد الحميد إلى العربية في كتاب عنونته بـ"الشاعر النمر" والذي يحتوي على قصص يابانية لأكثر من كاتب ياباني، وهذه القصة "صورة" للكاتب ياسوناري كواباتا، وهو أول أديب ياباني يفوز بجائزة نوبل للأدب، وذلك في العام 1968. ولد في أوساكا في العام 1899 ورحل عن عالمنا منتحراً باستنشاق الغاز في العام 1972، فقد معظم أفراد عائلته في مرحلة مبكرة من العمر، مما ترك بصمة قوية على أعماله، تخرج من جامعة طوكيو في العام 1924 متخصصاً في الأدب الكلاسيكي. شارك في إصدار العديد من المجلات، واعترف به النقاد في غمار مشاركته في ما يعرف بالحركة الحسية الجديدة، وأشادوا بنزعته الغنائية الفريدة وإسهامه في إثراء الأدب الياباني بأسلوب شاعري ممزوج بحساسية مرهفة. ترجمت أعمال عديدة له إلى العربية، حيث ترجم له عبد الرازق جعفر روايته ((البحيرة)). وماري طوق روايته القصيرة ((الجميلات النائمات)) وباسم حجر مجموعته ((راقصة إبزو)). ولطيفة الدليمي ((بلاد الثلوج)). ورغم هذا كله فما يزال الكثير من ابداعه مجهولاً لقراء العربية، ومنها مرحلته السوريالية بكاملها التي لا يعرف الكثيرون بمجرد وجودها في مسار تطوره الإبداعي.

ياسوناري كواباتا