الأحد  24 تشرين الثاني 2024

طفلة تبدلت ولم تكبر اللمسة الأولى

للكاتب: ناصر الريماوي

2020-01-02 12:56:53 PM
طفلة تبدلت ولم تكبر اللمسة الأولى
غلاف الكتاب

 

الحدث الثقافي 

الابتسامة الخافتة ذاتها لم تزل تضيء المسافة، لكنها لا توحي بشيء، والقسمات الحائرة، في سكونها العذب منذ دهر لم تزل تسكنني، ولكن كفكرة اسطورية، لست اذكر على وجه التحديد متى تخلت عن ضفيرتيها ورطبة الشعر وتنورة الصف المدرسي، واستبدلت اعبث الشفتين في القراءة البدائية بلون عناب الجنائن المحرم، ولا حين ضاق فستانها الابيض ليكون فرارها الاول وخلسة نحو اطقم النساء، لكنها تبدلت وفاض صدرها تحت زي جديد، وتوارت وأصبحت أجمل، وصرت أنا أغالب الظن، متى نضجت، وارتدت بفرح حمالة صدرها الأولى؟ يا لتلك الصغيرة، تبدلت ولم تكبر ولم تشفع لها الأيام، حين جاهرت بذنب طفولتها، قالت يومها: لا نشفى من طفولتنا ولهذا فنحن نتبدل فقط ولا نكبر... ولهذا قبعضنا يهرم ولا يذكر سوى أثر اللمسة الأولى، ولهذا نحب الخطيئة الاولى فينا، والنظرة الأولى وأثر اللمسة الباقية.

ذرفت هالتها القديمة فاختلطت على خديها بكحل النساء...  وهي تضيف: نجهز حين نتبدل ولا نبالي، وكأننا نبرأ بهذا مما جلبته السنون، حين جردتنا من كل شيء...  وهي تلغي كل امتيازاتنا الأولى، أو كأننا نهتف بالآخرين ليدركوا، بأننا لم نكبر... لم نكبر.

لم أعد أغفل، ففي الليالي الماطر يستلها بئر الحكايا خلسة، حجرتنا صندوق دمى ثياب مدرسية وبئر حكايا أيضاً، أما هي... فقنديل زيت يفوز في حلكة الليل  يشتعل ثم ينوس، وقبل أن ترتمي كفراشة طوحها وهج الكلام ترنو إلى سور الحديقة، ثم تغفو على زندي، في تلك الليلة غفلت، فانتشلتني الريح وهي تصفعني في هبوب شق اودية بعيدة لصراخ تداخل مع صرير النافذة وهي تلطم جدار الحجرة الغافية،أفقت، كان سرير الحكايا فارغا، اما هي قد حدثتني لاحقا وأنا لا أصدق ما أرى، مبللة بثياب طفلة تريد أن ترقى لسور الحديقة قفازين من ساتان لا يستران عري نحرها كل ماتملك في تلك الليلة العاصفة...

"(بعيد انت في ليل المسرات... ألست معي في هذا ما الذي يبقيني حية في هذا الزمن البارد، لولا انتظاراتي، وشيء أخر أيقظني من سبات الحياة الرتيبة،لطالما شدني أليك، ودفع بي نحو هذا المكان، تحدق بي ولا تدري ما هو... أو تتناسى، أليس كذلك؟ هل أستعيد طيف فتاة اللوز وهي تفر من تحت ثيابي المدرسية بتلويحة من يدك، لتعلق خلف ظلال السور الفاصل، كان الوقت يمضي حينها في تساقط ميت لاوراق ميتة عن أمهات الشجر، وانا رحت أبدد طول الأنتظار بعبث التصيد لشرانق الفراشة، غسلني النعاس فحبوت نحو سرير زركشته يدان لم تعودا تمسدان ضفيرتي، فلم أجد ظلا بانتظاري ونشيدا ليلا يتساقط من فمك، دثرني بحذر لذيذ، وفيما تحول السرير تحتي الى تل من دمى و ب~ر للحكايات، أخذت تهز أرجوحة السقف أمامي، ما الذي فعلته بأرجوحتي وأنت تحاول طرد الغمام كي أصحو بعد حين، أنا عني، أعي بأني لمحت فتاة اللوز بعد انتظار وقد عادت من خلف السور، كانت تتعثر بلا قدمين، تخشخش أوراقها الصفراء وعي تدوس أرض الحديقة، وتحت إبطيها تهدل قفازان منساتان لامع، كانا لك، بم استيدبت راحتها ذلك المساء أمامك؟ وكيف اذعنت هي لخدر النشيد، وأنا بعيدة في غفلة من ثيابي، أغال النعاس تحت أرجوحة السقف؟ في غفلة من ثيابي أيضا، وعيتها تشق الهواء بيننا النصفين من دونك، اين كنت حين شهقت ليفضي بيا الشفتين عن حرج يهبط فجأة ويحط فوق كاهليك بالصدفة وأنا أمسح عن خديها بقايا عناب تساقط من فمك، رأيتها عود بسكر بين الشفتين، تلمظته حدها وهي تخلي بيننا، راحت تقترب وأنا أحدق في صمت نحو السور الفاصل، قرأت في تهدل غيابك ونعاسها القديم أوشكت أن تدس عريها في ثيابي المدرسية من جديد... فخفت عليك ألا تعود، أو أن توبخني أمامها كدمية، ففرت منها إليك، كان السور الفاصل بين حديقتينا قد راح يعلو مرة أخرى، أو أنني عدت طفلة بثيابي المدرسة في تلك الغفلة لاأدري، لكنني لم أقدر على تسلقه وبكيت وصرخت باسمك، وانشقت السماء عن بلل طاف بالأشجار، وبالمكان، وأيقظ الشبابيك الهاجعة، ليشرعها نحوي، رشحت ثيابي حتى الركبتين أمام الوجوه المرتبكة، وفتاة اللوز لم ترضخ تعقبتني حتى صرت بينها وبين حلكة السور، حانت مني التفاتة خاطفة لألمح صدرها، كان عاريا كحويصلات من زغب، يهتز بلا حمالته الصغيرة... فقط قفازين من ساتان، تحت الأبط، كانت تبادلك الحب وهي الأن تحاصرني لتستر صدرها في ثيابي.... تشبثت بالصور، حين ألقت بيدها على كتفي، التصقت بحجارة السور، حتى نشبت أصابع اليدين في لحمي، لكني لم أستدر لأرى، أكانت يديك... يا حبيبي؟)".

لم أجب ولم تلح البرد، كانت تحيك من غبش الحجرة سراجا أمامي، رأيناه معا وهو ينتفض أمام ذبالة الريح في تلك الليلة الماطرة، ضممتها ألي في حنان ثم رحنا في سبات عميق.