الأحد  22 كانون الأول 2024

"عربي أم يهودي؟": وفاة راقص تثير غضب الفلسطينيين

أحمد رباص

2020-05-29 04:01:54 PM
أيمن صفية

 

الجو مظلم على الرغم من السماء الزرقاء بعد ظهر الأربعاء، 27 مايو / أيار، فوق الشواطئ الحزينة في جنوب حيفا، على طول الساحل الإسرائيلي: الصحفيون والمسؤولون والأقارب مشغولون بصمت بالموقع الذي اكتشفت فيه جثة أيمن صفية. تم العثور على الرجل الذي كان يعتبر "بيلي إليوت الشرق الأوسط" جثة جامدة بعد أربعة أيام من البحث.

وقد عرف عن أيمن صفية، 28 عاما، المولود في قرية كفر ياسيف في الجليل، في المشهد المحلي والدولي كأول راقص باليه فلسطيني محترف في "إسرائيل". بدأ ممارسته المهنية في سن 16، وفي عام 2008 حصل على أول تميز دولي له. في عام 2009، التحق بمدرسة رامبرت للباليه والرقص المعاصر في لندن لمدة أربع سنوات قبل أن يعود إلى وطنه الأم.

تم الإعلان عن اختفاء الفنان صباح الأحد بعد أن شوهد للمرة الأخيرة على شاطئ يام نيف، في عتليت، جنوب حيفا، حيث ورد أن قوة التيار سحبته إلى عرض البحر صحبة صديقته التي تمكنت من الوصول إلى الساحل. بعد الإعلان عن اختفائه، تعبأ عشرات المتطوعين، بمن فيهم عائلته وأقاربه، للعثور على أثره عبر حملة على الإنترنت ودوريات البحث المرتجلة بمساعدة قوارب صيد ودراجات مائية.

تمت تعبئة المدنيين في سياق من عدم الثقة تجاه السلطات الإسرائيلية، حيث اتهم أصدقاء المتوفى الشرطة بالعنصرية بشكل ملحوظ ، لأنها حاولت أولاً معرفة الانتماء العرقي للشخص المعلن عنه من المفقودين.

"كان السؤال الأول: هل هو عربي أم يهودي؟"، يستنكر العديد من معارفه على الشبكات الاجتماعية، معتقدين أن الإجابة عن هذا السؤال كانت مشروطة بمعالجة الملف. "يعتبر البعض أنها مسألة إدارية بسيطة، لمعرفة ما إذا كان ينبغي مخاطبتهم بالعربية أو بالعبرية. هذا عبث. إذا تحدثنا عن طفل ولد عام 1991 بإسرائيل، فمن الواضح أنه يتحدث بالعبرية: الوحيدون الذين لا يتحدثون بها هم من جيل النكبة القديم، وفضلا عن ذلك، حتى هم تعلموا اللغة"، توضح الراقصة الفلسطينية شهد أبو سلامة، عضوة جماعة الهوية، التي ترى أن السؤال الذي أصدرته الشرطة أثار غضب أقارب الضحية.

" لو كان يهوديا"

كان أيمن صفية ينتمي إلى مليون ونصف من الفلسطينيين المقيمين في إسرائيل، أي 20٪ من مجموع السكان، الذين يعتبر الكثيرون منهم أنهم يمثلون مواطنين من الدرجة الثانية داخل الدولة العبرية، يعانون خاصة من التمييز في العمل أو السكن، من عنف الشرطة أو الاعتقالات التعسفية. تعتقد شهد أبو سلامه أنه "من المستحيل اليوم الحديث عن الحياة الفردية لفلسطيني داخل إسرائيل دون الحديث عن هذه الممارسة العنصرية الممنهجة، التي تعتبر هذه المرحلة جزءا منها".

بوصفه إشارة إضافية على الكثير من الإهمال المقصود من السلطات الإسرائيلية، أثار إجراء عمليات التفتيش سخطا مماثلا: فقد تم تقليل جهود الشرطة للبحث عن الجثة إلى الحد الأدنى، وتوقفت بعد بضع ساعات، وتأكد أقارب الفنان وأصدقاؤه كونها غير كافية إلى حد كبير.

"تم إرسال طائرة هليكوبتر وتم رصد جثته، لكنهم لم يحاولوا إنقاذه، مدعين أن الأمواج والرياح كانت قوية جدا، السلطات لم تواصل البحث بعد ذلك"، تشهد يارا هواري، الباحثة في مركز البحوث الفلسطيني الشبكة، عبر حسابها على فيسبوك. "يعتقد الكثيرون أنه لو كان يهوديا، لكانوا قد وجدوه عاجلاً"، تقول شهد أبو سلامة التي ترى أن الكل متفق على أن رد السلطات جاء متأخراً، وحتى عندما استقبلوا الشكايات، كان الرد محدودا للغاية.

كما أفادت الاحتجاجات التي نقلها القائد الإعلامي للقائمة الموحدة للأحزاب العربية، أيمن عودة من عرب 48، من خلال تغريدته المنشورة يوم الثلاثاء الأخير أن الأسرة تولت القيام بعمليات البحث التي جرت في الأيام الأخيرة، وانتقدت بشدة التأخير في خدمات الطوارئ. وهذا ما نفته السلطات التي نشرت بسرعة بيانا صحفيا يؤكد بذل جميع الجهود اللازمة للبحث عن الشاب.

وبعيدا عن الإدارة الرسمية للملف، يُنظر إلى التغطية الإعلامية على أنها جانب إشكالي آخر للقضية. في هذا الإطار، تشير شهد أبو سلامة إلى أن "الأصوات الفلسطينية كانت وحيدة في الأيام القليلة الماضية" ، قبل أن تضيف أن وسائل الإعلام الإسرائيلية لم تبدأ في االاهتمام بهذه القضية إلا في منتهى يوم الثلاثاء ، كما أن التغطية الدولية كانت غير كافية. وجهت للصحافة الإسرائيلية بشكل خاص أصابع الاتهام لأنها قللت من شأن شكايات صادرة عن محيط الضحية، ومع ذلك أشادت بالجهود التي بذلتها الشرطة. وحين تم تسليط الضوء على الرحلة النموذجية لطفل محلي، مع تجاهل التزامه وهو فنان بالقضية الفلسطينية، اعتقد البعض أن جزءا من الصحافة الإسرائيلية حاول الاستحزاذ على إرث الراقص، ساعيا إلى نشر أكاذيب مكشوفة، خاصة صورة العربي الصالح الذي نشأ في المؤسسات الصهيونية وحافظ على هويته الجنسية المثلية، كما توضح شهد أبو سلامة، متهمة السلطات الإسرائيلية بالتلاعب بقضية الشذوذ الجنسي لغايات سياسية. وقالت الشابة المتحدرة من غزة: "كان أيمن مسيّسا بالفعل، لكن تأكيد وفاته سيجعله أكثر تسيسا، بسبب هويته المتعددة".