الأحد  22 كانون الأول 2024

لا شيء مشترك بين آية ومحمد الدرة سوى الخوف/ بقلم: بدر أبو نجم

2021-01-05 07:31:06 PM
لا شيء مشترك بين آية ومحمد الدرة سوى الخوف/ بقلم: بدر أبو نجم


عندما انتشر الموت في كل أرجاء غُرفِ العناية المركزة، لم تختار الممرضة آية ابنة العشرين عاماً أن تجلس على شكلِ الجنين كما في رحم أمه بإرادتها، ولكن الموت كان ينتشر رويداً رويداً من حولها.. شيءٌ ما هناك قد حدث!.
 ربما لم تكتشف آية للوهلة الأولى سبب انتشار وباء الموت بين أسرةِ مرضى "كوفيد19" في مستشفى الحسينية بمحافظة الشرقية بجمهورية مصر الشقيقة، لكنها بالتأكيد كانت تراقب عن كثبٍ وهي تجلس كالقرفصاء منهكة وحزينة، أو كجلسة الشهيد الطفل محمد الدرة عندما أفرغ جنود الاحتلال رصاص بنادقهم في جسده وجسد والده في قطاع غزة عام 2000، لا شيء مشترك بين آية ومحمد الدرة سوى الخوف والإنكماش على النفس في حضرة الموت.
لم تكن تعرف الممرضة آية علي محمد علي، والتي بدأت تخطو خطواتها الأولى في عملها كممرضة متدربة في مستشفى الحسينية، أنها ستكون حديث وتعاطف العالم بعد انتشار مقطع فيديو لها وهي تجلس على أرضية إحدى غرف العناية المركزة في مستشفى الحسينية بمحافظة الشرقية منهكة وخائفة، وذلك بعد نفاذ الأوكسجين من قسم العناية الذي أودى بحياة أربعة مرضى. ففي مشهدٍ غير مألوف بالنسبة لآية فإن رؤية الموت والاحتضار لأول مرة وبهذا الحجم سبب صدمة لها، على عكس زملائها الممرضين الذين اعتادوا على رؤية مثل تلك الحالات المرضية.  
آية التي تعمل ضمن الفريق الطبي المُكلف برعاية الحالات في العناية المركزة، والذي يقتصر دورها على تقديم العلاج والطعام والتعامل المباشر مع المرضى، لم تكن قد شاهدت لحظات الاحتضار.. هو الاحتضار والتجهز للموت، فرائحة الموت كانت تملأ المكان، فانهارت وانكمشت على نفسها، وتركت عيناها مفتوحتان قليلاً تراقب عن كثبٍ ما يجري في أروقة الغرفة دون أن تستطيع أن تفعل شيئاً سوى الخوف.
بتوقيت الموت، بدأت الساعات الأولى لليوم المشؤوم في نحو الساعة التاسعة والنصف من مساء يوم السبت الماضي، بعد نفاذ الأوكسجين عن قسم العناية المركزة الذي يمكث فيه مرضى كانوا يقاومون فيروس كورونا.
لم يمتلك والد آية حزنه وشعوره بالقلق تجاه ابنته عندما شاهد بمحض الصدفة مقطع الفيديو المتداول بسرعة الفيروس عبر مواقع التواصل والتي أصبحت فيه آية البطلة وحديث وتعاطف الناس معها، فاندفع مسرعاً نحو المستشفى وعند وصوله حدث ما لم يتوقعه، فرفضت آية حينها أن تترك مكانها، وقالت أمام حضرة الموت المنتشر، إنها لن تذهب مع والدها إلى البيت، لأن عملها يعتبر أمانة ومسئولية كبيرة، ولا يجب أن يتخلى أحد عن واجبه ودوره، فقررت بعد انتهاء ساعات عملها في تلك الليلة المشؤومة، أن تعود في اليوم التالي لتباشر عملها.
تقول آية بعد ركود الموت بساعات "اللي حصل كان عندي ضغط رهيب وصدمة بسبب إني أول مرة أتعرض لمناظر الموت دي لذلك فقدت القدرة على الحركة وجلست في غرفة العناية المركزة، ومكنتش أتمنى ده يحصل عملنا كل اللي نقدر عليه وأكتر علشان ننقذ المرضى".
وبحسب المعلومات فإن محبس الأوكسجين الموصل إلى أنابيب وحدة العناية المركزة كان يعمل بضغط 5% بدلاً من 10%، بسبب قرب نفاد مخزون الأوكسجين، ولم يكن أحد من الطاقم الطبي المتواجد في المناوبة يعلم حقيقة الوضع، الأمر الذي تسبب في فاجعة مستشفى الحسينية.
 على وقع ما حدث في مستشفى الحسينية، ومع آية بالتحديد، وفي ظل جائحة كورونا، لا بد للبعض منا وخصوصاً ممن يستهترون بالضوابط التي تفرضها الدول للحيلولة من انتشار الفيروس، أن يفكروا ملياً أن من يتحمل أعباء هذا الاستهتار هو القطاع الصحي والطبي بما يحوي من أطباء وممرضين، وهم من يقفون في خط الدفاع الأول للتصدي للفيروس من جهة ولاستهتار البعض منا من جهة أخرى.
توجه آية رسالة بعد الحادثة بأيام عبر إحدى الوكالات الصحفية المصرية وتقول "إن الموجة الثانية شديدة الخطورة ولابد من الحرص التام.. لازم الكل يلتزم، الموجة دي أصعب، والحالات كتيرة غير المرة اللي فاتت، وحالات الوفاة كتيرة، أنا كنت شغاله في الموجة الأولى ومكنتش بالشكل ده".