الأحد  24 تشرين الثاني 2024

أشيرا فرقة الفنون الشعبية الفلسطينية| بقلم: وسام رفيدي

عندما ينجح الإبداع في تطوير مكونات الهوية الوطنية

2021-08-09 03:07:59 PM
أشيرا فرقة الفنون الشعبية الفلسطينية| بقلم: وسام رفيدي
عرض أشيرا

 

دخلت قصر الثقافة في رام الله لحضور العرض الجديد لفرقة الفنون الشعبية الفلسطينية، أشيرا، وانا أهجس بهاجسين يتملكانني: ألن تطغى المؤثرات التقنية الحديثة من صوت وصورة وإضاءة، وهي مثيرة فعلاً، على جوهر العمل: حركة الراقصين وتشكيلاتهم وسرد الحكاية؟  فاستخدام تلك التقنيات في السنوات الأخيرة بات علامة فارقة في العروض المقدمة من فرقة الفنون وغيرها من الفرق حتى غدا من المشروع، باعتقادي، طرح السؤال/ الهاجس أعلاه. وأهمية طرحه كسؤال يكمن في أهمية الفن الشعبي بكل تلاوينه على تشكل الهوية الوطنية باعتبار الفن من مكونات الهوية الأساس.

 أما الهاجس الثاني، وهو لصيق بالأول على أية حال، فهو حول ذلك الخيط الرفيع الذي ينبغي بتقديري، وأعتقد بتقدير القائمين على الفنون كتوجه عام، مراعاته/ عدم تجاوزه بين الحفاظ على الموروث الشعبي، رقصاً وغناءً وتشكيلات، وبين التطوير الحداثي لذلك الموروث، دون أن ينتهك الثاني الأول، فنكون أمام تغريب للعمل ما يؤشر لأزمة هوية، ودون أن يتحجر العمل الفني عند الأول، فنكون أمام تكلس مكونات الهوية تلك، وفي الحالتين، التغريب والتكلس، نكون أمام أزمة هوية.

وللحق، فقد خرجت من العرض مغتبطاً لأن هواجسي اندثرت مع روعة وإبداع ما شاهدت.

فلا المؤثرات التقنية استقطبت الاندهاش، ولا التطوير في حركات الرقص وتشكيلاته انتهك طابعها الشعبي، ولربما ذلك لأسباب عديدة أهمها أن الفرقة بإدارتها مع الراقصين والمصممين يدركون أهمية تلك الهواجس وأهمية معالجتها، وهذا ما دعاهم لإعادة النظر، من موقع التطوير، أكثر من مرة ببعض الرقصات مثلاً نتيجة الملاحظات من المصممين والراقصين كما تناهى لمسامعي، كما وأن إبداع الراقصين المشهود له من جمهور الفرقة الواسع كفيل بانتزاع الاندهاش بحيث لا ينافسه بذلك أية مؤثرات، وخاصة أن المؤثرات التقنية الحديثة لم تكن طاغية على العمل فالتوازن تحقق بجدارة.

وسام رفيدي

أما حول اندثار الهاجس الثاني، وللحقيقة فالنقاش في أوساط فرقة الفنون وأصدقائها ومحبيها قائم منذ سنين حول الموروث والحداثة في أعمالهم الفنية وتصاميم العروض بما فيها من رقص وحركة، كما هو قائم في الفكر العربي الحديث والمعاصر منذ مطلع القرن الماضي.. أشيرا قدّم، كعرض، الجواب الوافي، بحيث لم تفقد الفرقة ومصممي العرض البوصلة، فلم يغرق العرض في الحداثة، وهي بالمناسبة مدّعاة في بلادنا تفتقد لجذرها الاجتماعي والفكري والاقتصادي، بل وتعكس أزمة هوية (يصلح هذا مدخلاً لنقاش الرقص المعاصر الذي تم تداوله في الآونة الأخيرة في بلادنا)، ولا تحجر عند تلك الحركات المحدودة جدا للدبكة الشعبية، وليس أدل على ذلك من تفاعل الجمهور، وهو منحاز باعتقادي لجهة الموروث أكثر منه لجهة الحداثة في أعمال الفنون، الذي وقف يصفق متفاعلاً مع آخر 4 رقصات هي بطابعها الأغلب، بتقديري، ذات طابع شعبي بامتياز، ليذكرنا الجمهور بذلك التفاعل المعروف مع فقرة (فنونيات) نهاية كل عرض، كما ومع العرض المميز فوق العادة (طلت).

ولا بد في هذه العجالة من الإشارة لتلك المهارة الأدبية في انتزاع حكاية أشيرا الأسطورية مع طلق الرمان وقريتها ومصيرها، وتوظيفها في عملية عصرنة للرواية الفلسطينية باستحضار جذرها الكنعاني، الحقيقي أو المتوهم لا فرق، علماً أن لغة السرد النخبوية ربما تستغلق على فهم مَنْ لم يعتادوا اللغة الشعرية، كما أن صدى الصوت في أحيان كثيرة أضاع المفردات والجمل كخلل فني. مهارة في الاستحضار والسرد مع إبداع في الرقص والتشكيلات. لفرقة الفنون الشعبية أن تفتخر، كما نحن، بعملها هذا، بعد سنوات خمس من الجهد.

وأخيراً، للهوية الوطنية الفلسطينية وهي تخوض صراعها مع الرواية الصهيونية أن تطمئن بأن ذلك المكون من مكوناتها، ونعني الفن الشعبي، لديه ملاكه الحارس بامتياز الذي لا يحافظ عليه فقط من هذا الجانب، بل ويطور فيه ويحدثنه بتوازن وجمالية تُحسد عليها الفرقة. هنيئاً لفرقة الفنون الشعبية، الملاك الحارس، عملكم هذا وهنيئاً لنا استمتاعنا.