الإثنين  23 كانون الأول 2024

دعوى قضائية ضد فيلم "عمر المختار"

2021-12-15 10:01:50 AM
دعوى قضائية ضد فيلم

الحدث الثقافي

بعد أربعين عاما من إنتاجه وعرضه لأول مرة، يعود الجدل حول فيلم «أسد الصحراء: عمر المختار» للمخرج مصطفى العقاد، وبالتحديد حول أحد أبطاله، وهو الشيخ الشارف الغرياني الذي قام بتجسيد دوره الممثل الإنجليزي جون جبلجود، وتم وصمه في مجريات الأحداث بالخيانة.

فقد أعلنت بلدية غريان (75 كلم إلى الجنوب من طرابلس) عن رفعها دعوى قضائية للمطالبة بتصحيح ما ورد في الفيلم، وقال المجلس في بيان له ”بشرى لأهالي مدينة غريان الكرام، بعد مرور أكثر من أربعين عامًا من عرض فيلم عمر المختار وما تضمّنه من الإساءة إلى مدينة غريان وأهلها بوضع شخصية غريانية موضع الخيانة دون مصدر تاريخي نزيه، في تعمّد سياسي واضح للإساءة إلى المدينة لما كان لها من مكانة كبيرة لدى الملك إدريس السنوسي رحمه الله والحركة السنوسية“.

وتابع البيان أن ”المجلس البلدي في غريان قام بالشراكة مع عدد من أبناء المدينة الغيورين برفع دعوى قضائية للمطالبة بتصحيح التاريخ وحذف المشهد المسيء من كل النسخ الموزّعة من الشريط المرئي وتبرئة المنطقة وأهلها، وتم إيداع صحيفة الدعوى وإتمام كافة الإجراءات وفق قانون المرافعات“.

هذه ليست المرة الأولى التي يعلن فيه المجلس البلدي عن اتخاذ إجراءات قانونية في هذا الاتجاه، فقد سبق له أن تحدث في يوليو 2020 عن مباشرته إجراءات رفع دعوى مدنية ضد منتجي فيلم «عمر المختار» ومن شارك في إنتاجه، بدعوى «الإساءة المباشرة لمدينة غريان، وأهلها وتشويه أحد الشخصيات السياسية الليبية المعروفة، والذي يحمل لقب مدينة غريان وهو الشارف باشا حمد الغرياني».

وأكد المجلس ثقته العالية في القضاء الليبي و«رده لاعتبار الشارف باشا الغرياني»، معتبرا أن الفيلم أظهر الغرياني «في موضع خيانة على خلاف كل المصادر التاريخية الموثوقة التي تثبت دوره التاريخي في الجهاد الليبي».

وقال عميد بلدية غريان إن «الدعوى القضائية أعدت بشكل جيد وستنال النجاح»، مناشدًا كل من لديه وثائق أو شهادات تدعم القضية أن يقدمها للبلدية حتى «تتمكن من رفع هذا الظلم والتشويه الذي امتد لأكثر من 40 عامًا تقريبا».

ويرى عدد كبير من أبناء غريان أن أحداث الفيلم وتصوير الشارف الغرياني كخائن لبلاده مقابل بطولات وتضحيات عمر المختار، انعكس سلبا على سمعة المدينة وقبائلها والمتحدرين منها في داخل ليبيا وخارجها، معتبرين أن الوقت قد حان لتصحيح التاريخ بكل حيثياته التي تم تزويرها في القصة المعتمدة من قبل الكاتب والسيناريست الأيرلندي هاري كريج.

وكان قد تم إنتاج فيلم «عمر المختار» في العام 1981 في نسختين عربية وإنجليزية، وهو من بطولة أنطوني كوين، الذي أدى دور المقاوم عمر المختار في محاربة جيش موسوليني قبيل الحرب العالمية الثانية، وبلغت ميزانيته حوالي 35 مليون دولار أميركي.

ويشير منتقدو الفيلم إلى تعمد إدخال تغييرات في طبيعة الأحداث التاريخية لتكريس بطولة عمر المختار في إطار لا يخلو من البروباغندا السياسية، ومن ذلك تلافي ذكر حقيقة الخيانة القبلية التي تعرض لها، والتي كانت وراء القبض عليه في الحادي عشر من سبتمبر 1931 من قبل كتيبة من الليبيين العاملين مع قوات الاحتلال الإيطالي.

كما أن إعدامه شنقا في السادس عشر من سبتمبر من العام ذاته كان بواسطة جلاد ليبي مكلف من قبل الإيطاليين، لكن بالمقابل تعرّضت صورة الشارف الغرياني للتشويه مع تعمّد ذكره هويته الكاملة وما تحمله من رمزية الانتماء إلى مدينة غريان ذات الامتدادات الاجتماعية والثقافية الواسعة داخل ليبيا وخارجها، إذ توجد الآلاف من الأسر التي تحمل لقب «الغرياني» في بلدان أخرى مثل مصر وتونس والجزائر.

الباشا الشارف الغرياني من مواليد العام 1877 بزاوية جنزور في محافظة البطنان الحالية جنوب طبرق في منطقة شرق ليبيا، ونشأ في الزوايا السنوسية أسوة بوالده، وقد تولى الجناح السياسي في الحركة السنوسية عندما غادر الأمير إدريس السنوسي إلى مصر بعد استيلاء الفاشيين على إيطاليا التي كانت تحتل ليبيا في ذلك الوقت. ونقض الفاشيون جميع المعاهدات التي كانت بين السنوسيين والحكومة الإيطالية وهدم زواياهم.

وكان الغرياني الذي توفي في السادس والعشرين من فبراير 1945، صاحب جاه وسلطة مادية ومعنوية، كما كان له تأثير واسع في الواقع السياسي والاجتماعي، ولكنه اختلف حول طريقة التعامل مع الغزو الإيطالي لليبيا مع زعيم المقاومة السنوسية في برقة عمر المختار، ففي حين رأى الشارف الغرياني أن الإيطاليين قوة لا تُقهر، وبالتالي من الأفضل مهادنتهم، رأى عمر المختار أن النضال المسلح يجب أن يكون وسيلة التفاهم مع الإيطاليين، حتى ولو كان الأمل في النصر مفقودا تماما.

وتحدث الدكتور فرج نجم في كتابه «سير الأجداد: بين الابتلاء والغبن والتخوين» عن ظلم التاريخ للشارف الغرياني، فقال «وأما الشيء الذي علمته من بعض مشايخ عائلتي أن الرجل لم يكن عميلا للطليان ولم يكن عينا لهم ضد المجاهدين على الإطلاق، وإنما كان يريد أن يخفف من معاناة الليبيين ويحقن دماءهم من خلال مهادنته الطليان والدخول معهم في مفاوضات سياسية، بهدف دفع ضررهم وكف أذاهم عن الأهالي وحقن دماء الليبيين».

ويرى الباحث فتحي العريبي أن هناك العديد من الأدلة والبراهين التي تنقد وتدحض نظرية تخوين الشارف الغرياني من بينها الثقة المفرطة من إدريس السنوسي في شخص الشارف الغرياني، فقد اتخذه وكيلا له وأحد مستشاريه المقربين والمخلصين ورافقه في رحلته الرسمية إلى روما في أوائل ديسمبر سنة 1920، كما لم يثبت أن شيخ المجاهدين عمر المختار قد خوّن الشارف الغرياني، بل إنه كان يجلّه ويقدّره ويعرف فضله.

وبحسب الكثير من الوثائق والروايات الشفوية المتداولة، فإن الغرياني استفاد من قربه من الإيطاليين في مساعدة الكثير من الليبيين، وكان له دور في إنقاذ بعضهم من القتل أو السجن أو التهجير، وهو ما ينفي عنه صفة الخيانة، رغم أن التاريخ مليء بقصص الخيانات التي لا تكاد تنتهي.

وبقطع النظر عن حقيقة ما كان يدور في تلك الفترة التاريخية من مقاربات متناقضة في التعامل مع الواقع الذي فرضه وجود الاحتلال الإيطالي، فإن التركيز على شخصية الشارف الغرياني بتلك الصورة، مثّل وصمة متعمدة لشخصية يمكن اعتبارها عنوانا للواقعية أو البراغماتية حيث لم تكن موالية للاستعمار، ولكنها بالمقابل لم تكن مع خوض حرب غير متكافئة معه.

 كما أن الإصرار على ربط تلك الشخصية بهويتها القبلية والمناطقية مثّل إساءة مباشرة لغريان ولاسيما في ظل مجتمع تطغى عليه فكرة الصيت القبلي والاجتماعي، وخاصة في ظل ترويج الفيلم لفكرة الخيانة التي يمثّلها الشارف الغرياني مقابل الوطنية التي يجسدها عمر المختار.

ويهدف المجلس البلدي في غريان إلى إعدام المشهد الذي يضع الشارف الغرياني في موضع الخيانة وإتلافه من الفيلم، منطلقا من أن وضعه بتلك الصورة كان مرتبطا بأهداف سياسية لم يعد هناك مبرّر لاعتمادها في الوقع الحالي.